الاثنين، 30 يناير 2012

كارثة "الدويقة" وأزمة العشوائيات المصرية - إدارة واقتصاد - موقع ثقافة ومعرفة - شبكة الألوكة

كارثة "الدويقة" وأزمة العشوائيات المصرية - إدارة واقتصاد - موقع ثقافة ومعرفة - شبكة الألوكة

النص الكامل تكبير الخطالحجم الأصليتصغير الخط

شارك وانشر
اسْتَيْقَظَ الضمير المصري والعربي؛ بل والإنساني، على دَوِيِّ سُقُوط كُتَلٍ صَخْريَّةٍ ضخمة من جبل المقطم، الذي يُطِل على القاهرة، على عَشْوَائيَّات حيِّ "الدويقة"، أدَّت إلى هَدْم عَشَرات البُيُوت فوق رؤوس أصحابها، ومَقْتل عشراتِ المُوَاطِنين، وإصابة المئات، فَضْلاً عَمَّن لا يزالُون في عِداد المَفْقُودينَ.

والكارِثة تَكْشف عنِ الحالة السُّكَّانيَّة في مصر، كما يصفها أحد خبراء الإسكان، "مساكن بلا سُكَّان، وسُكَّان بلا مساكن"، ففي نفس الوقت الذي تُقام فيه عشرات القُرَى السِّياحيَّة على الساحل الشمالي، الذي يطل على البحر الأبيض المتوسط، وتظل هذه المساكن بُيُوتًا للأشباح طوال العام، ما عدا عطلة الإِجازة الصَّيفيَّة، تُؤَكِّد التَّقارير والإحصاءات المحليَّة والدَّوليَّة أنَّ قرابة 15 مليون نَسَمة، يعيشون في العَشْوائيَّات، والعِشش الصَّفيح، وذلك حسب التَّقرير السَّنَوي لِصندوق الأمم المتحدة للسُّكَّان، الصادر عام 2007م؛ حيث أظهر التَّقرير أنَّه حَدَث تَضَاعُف في عَدَد سُكَّان القاهرة، من ‏6.4‏ مليون نسمة عام ‏1975م‏، إلى أن وَصَل ‏11.1‏ مليون نسمة عام 2007م، وأنَّ القاهرة وَحْدَها تؤْوِي‏ 67‏ منطقة عَشْوائيَّة‏،‏ وأشار التَّقرير إلى وُجُود ‏1221‏ منطقة عشوائيَّة في مصر، تؤْوِي‏ 15‏ مليون شخص، وَنَوَّه التَّقرير بأن سُكَّان العَشْوائيَّات يعيشون في بيئة غير صِحيَّة، وتنشأ المخاطِر الصِّحيَّة مِن سُوء الصَّرْف الصِّحي، وعدم وُجُود مياه نقيَّة، والتَّزاحُم، وسوء التَّهوية في بيئة المَعِيشة.

جهود حكوميَّة غيرُ كافية:
ورغم أنَّ وزارة الإسكان وَضَعَتْ بَرْنامجًا قَوْميًّا منذ عام ‏2005‏م؛ لِلْقَضاء على العَشْوائيَّات العُمْرانيَّة، في جميع أنحاء البلاد بِحُلول عام ‏2025م‏، وَرَصَدَتِ الوزارة لذلك البَرْنامج مِيزانيَّة قَدْرها ‏5‏ مليارات دولار؛ إلاَّ أنَّ الأرقام لا تُبَشِّر بالخير‏، وكارثة الدويقة شاهِد عيان على فَشَل البرنامج، أو عدم تَفْعِيله بالقَدْر الكافي.

وتَذْكر التَّقارير أنَّ هناك ‏68‏ منطقة عشوائيَّة قابِلة للتَّطوير، و‏13‏ منطقة تَمَّ رَفْع كفاءتها، و‏20‏ منطقة غير قابِلة للإصلاح على الإِطْلاق‏.

وَيُؤَكِّد الكاتب "ممدوح الولي"، صاحب أهم دِرَاسة عنْ سُكَّان العَشْوائيَّات والعِشَش في مصر، أنَّ المشكلة في أنَّ برنامج الحكومة للاهتمام بالعَشْوائيَّات، انْتَعَشَ فقط في التِّسعينيَّات؛ بسبب ربط الحكومة أحداثَ العُنف بالعَشوائيَّات، ولما هَدَأَتِ الأوضاعُ، وانْسَحَب البُعد الأمني عن القضيةِ، تَهَاوَتِ المخصصات الماليَّة، حتى بلغتْ 150 مليون دولار.

وَأَكَّدَ أنَّ هذا المبلغ هزيلٌ للغاية، بِجَانب وجود أكثر من 1200 منطقة عشوائيَّة، يَسْكُنها 18 مليون نسمة - حسب تقديراته الشَّخصيَّة - وَسط مطالب بإنشاء طُرُق، ومياه، وصَرْف صحي، وكهرباء، مُوَضِّحًا أنَّ الأَخْطَر مِن هذا أنَّ جميعَ الإحصائيَّات الموجودة عنِ المُدُن فقط وهي غيرُ حَدِيثة، بينما عشوائيَّات الرِّيف في طَيِّ النِّسْيان.

وَتَوَقَّعَ أنْ تَسْتَمِرَّ مثل هذه الكَوَارث، طالَمَا ابْتَعَدَ الجميع عنِ العلاج الجذري لِمُشكلة العَشْوائيَّات في مصر، وانْصَبَّ الاهتمامُ على الإعلام، الذي يُقَدَّر بِنَوْعِيَّة موقع الحادث، وعدد الضحايا، رغم استمرار الانهيارات، وعدم تَوَقُّفها.

مَن يضع نهاية لِكَارِثة العشوائيَّات؟
"صَدِّقْ، أو لا تُصَدِّق، أنَّ هناك أكثر من 66 ألف أسرة مصريَّة، تَسْكُن في عِشش مبنيَّة بالطُّوب اللَّبِن، هذا ما أَعْلَنَه جِهاز الإحصاء في تقريره الأخير، وَتَتَكَوَّن العِشَّة مِن حُجرة واحدة، يَقْطنها ما بين 6 و8 أشْخاص، يَفْتَقِدُون أَدْنَى مُقَومات الحياة الآدميَّة؛ حيث ينامون على الأرض، ويستخدمون جريد النَّخيل كَدَوَالِيب، يُعَلِّقُونَ عليها مَلابسهم، وتنشر عليه النِّساء ملابسهم المُبْتَلَّة أمام العِشش"، هذا جزءٌ منَ التَّقرير، الذي نَقَلَتْه شيماء أبو زيد، لِمَوْقع إنسان أون لاين، بتاريخ 29 /7 /2008.

وتأتي محافظة سوهاج - وَفْقًا لممدوح الولي في دِرَاسته عنِ العَشْوائيَّات والعِشَش في مصر - في المرتبة الأولى، تَلِيها محافظة شمال سيناء، ثم البحيرة وبورسعيد، وتحتل القاهرة المَرْتبة السابعة بنسبة 2492 عِشَّة، حسب تَعْداد جهاز الإحصاء.

والسَّبب في وُجُود هذا الكم الهائل منَ العِشَش، هو ضَعْف الدَّخْل الاقتصادي والمَوَارد، وتَبَاطُؤ الدَّولة في مَدِّ يدِ العَوْن لِهؤلاء الذين سَقَطَتْ بُيُوتهم، أو ما شابَه ذلك، وتَقَدَّموا إلى المحافظة التي يعيشون فيها، فَوَجَدُوا أنفسهم في طَابُور الانتظار، فاضْطروا إلى اللُّجوء إلى مثل هذه الأماكن؛ لأنَّها تَتَنَاسَب مع إِمْكانيَّاتهم.

وهذا الوَضْع يحتاج إلى صَحْوة ضمير إنسانيٍّ، فعارٌ علينا أن نحيا ولدينا مَن يعيش حياته في عِشَش صفيح، أو أكشاك خَشَبيَّة، أو خيام‏‏، عارٌ علينا أن تغمضَ لنا عينٌ، ونترك مصريينَ يَلْتَحِفُون الهواء، وينامونَ في العَرَاء‏،‏ ومحرومينَ مِن دورة مياه مُنْفَصِلة، أو حتى مشتركة، وليست لهم أدنى خُصُوصيَّة في حياتِهم‏.‏

ويخشى المركز المصري لِحُقوق السُّكَّان - أحد المراكز الحقوقيَّة المَعْنِيَّة بِتَفْعيل حقِّ الإنسان في السكن - أن تنحصرَ جُهُود تطوير العَشْوائيَّات بِإِخْلاء الأُسَر قَسْريًّا من مساكنهم، بدون تعويض، أو مساكن بديلة، وبدون إنذارٍ مُسبق، والتَّعامُل الأمني بِشَكْل غيرِ آدمي مع السُّكَّان؛ حيث يتم ضَرْبهم، وإخراجهم عُنْوة منَ المساكن، دون مُرَاعاة للمُسنينَ، أو السَّيدات، أوِ الأطفال؛ بل إنَّ هذا مِن شأنِه أن يزيدَ من حِدَّة الأزمة، ويضاعِفَ الكارِثة، ويُنْشِئ جِيلاً ضعيف الوَلاء والانتماء.

إنَّ عَشْوائيَّات مصر تحتاج إلى تَضَافُر الجُهُود الأهليَّة مع الحكوميَّة، وفتح باب المُشَارَكة المُجْتَمَعيَّة على مصراعَيْهِ منَ الجمعيَّات، والهيئات الخيريَّة، ورجال الأعمال، وقِطَاع البُنُوك؛ مِن أجْلِ تطوير وتنمية هذه المناطق، ومَدِّها بالخَدَمات والمَرَافِق الصِّحيَّة والتَّعليميَّة، ومحو الأمِّية، وإيجاد مشروعات اقْتِصاديَّة مُتَوَسِّطة وصغيرة، تَرْفع مِن دَخْل الفرد والأسرة في هذه المناطق، وتقديم الرِّعاية الاجتماعيَّة الكَفِيلة بأن تَسْتَنْقِذَهم مِن أنواع الانْحِرافات السُّلُوكيَّة، والأخلاقيَّة، والتي تَصُبُّ للأسف في خانةِ المخدِّرَات والرَّذيلة.

إنَّ العشوائيَّات تحتاج لِخطط تنمويَّة حقيقيَّة ودَؤُوبة، مثل ما حَدَث في عشوائيَّات "زينهم" بالقاهرة - النموذج الذي يكادُ يكونُ وحيدًا في هذا المضمار - قبل أن تصدمَنا مشاهد أشد قسوةً مِن مشاهد الدويقة، وقبل أن نَفْقدَ ضحايا آخرين تحت الأنقاض.

لن يعفينا منَ المسؤولية أمام الله أن نَعْتَبِرهم ونحتسبهم شهداء الهَدْم.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/3568/#ixzz1kwAnBXWx

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق