الاثنين، 30 يناير 2012


مصر تتنفس عشوائيات!!

25 يونيو 2007
استيقظت مصر صباح 20 مارس الماضي علي خبر حريق قلعة الكبش بالسيدة زينب والذي أتى علي منطقة بأكملها وشرد سكانها.  وإلي الآن ينام المئات منهم في الشوارع وحدائق السيدة زينب العامة، ويتعرضون لمطاردة قوات الأمن التي تحاصرهم أينما يتحركون.
ولكن مأساة سكان قلعة الكبش ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. فمنطقة قلعة الكبش واحدة من مئات المناطق العشوائية التي بدأت مصر تعرفها في بداية القرن العشرين نتيجة الإهمال الحكومي والفشل في خطط التنمية، إضافة إلي الهجرة الداخلية من الريف والصعيد إلي القاهرة.

لغز عدد العشوائيات وعدد سكانها

ساعد علي انتشار العشوائيات في بداية القرن الماضي عدم الالتزام بالقرار الوزاري 18 لسنة 1914 والذي ينص علي عودة المسطحات التي انتهي الغرض من تخصيصها للمنفعة العامة إلي مصلحة الأملاك الأميرية وهو ما لم يحدث مما أدي إلي ظهور المئات من المناطق العشوائية علي أطراف المدن. وما زاد مشكلة العشوائيات في مصر تعقيدا هو ذلك التضارب والاختلاف الواضح بين الجهات الرسمية علي تعريف موحد للمناطق العشوائية مما أدى لاختلاف البيانات التي تحدد هذه المناطق وتحصرها.
ففي الوقت التي تعلن فيه بيانات وزارة الإسكان أن عدد العشوائيات لا يتعدي 497 منطقة علي مستوي الجمهورية، يؤكد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرارالتابع لمجلس الوزراء -الحكومي طبعا- أن عدد العشوائيات في مصر وصل إلي 1034 منطقة عشوائية.  أما وزارة التنمية المحلية فلها رأي مختلف حيث تؤكد أن عدد هذه المناطق يصل لـ 1150 منطقة، وهو ما لا يتفق معه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الذي يقدر عدد العشوائيات بنحو 909 منطقة. وبالطبع فهذا التضارب الصارخ في الأرقام لا يحتاج لتعليق عن مدى الإهمال وعدم اعتماد معايير محددة للقيام بعملية الحصر!!!
وإذا كان حصر المناطق غير موحد بين 4 جهات حكومية، فمن الطبيعي أن تختلف هذه الجهات علي عدد سكانها. فقد أشارت لجنة الإسكان بمجلس الشعب إلي أن سكان العشوائيات يصل إلي 12 مليون شخص، في حين أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يؤكد أن الرقم 7.5 مليون فقط!!
كشفت دراسة للمركز المصري لحقوق السكن عن وجود ما يزيد عن 7 مليون نسمة يعيشون في عشوائيات القاهرة والجيزة فقط ، وأن هذا العدد يتزايد بمقدار 3% سنويا، يضاف لهم 200 ألف نسمة سنويا. وبحسب الدراسة فالقاهرة الكبرى تضم وحدها نحو 76 منطقة عشوائية علي مساحة 230 ألف كيلو متر مربع.
و تحتل العشوائيات في محافظة القاهرة مناطق مثل شبرا الخيمة والمطرية وعين شمس –في شمال القاهرة، وفي جنوبها تأتي مناطق مثل دار السلام وحلوان و التبين، وفي الوسط تأتي العشوائيات علي هامش الفسطاط واسطبل عنتر وحكر أبو دومة وماسبيرو، أما في شرق القاهرة فنجد منشأة ناصر والدويقة والزبالين. كما تنتشر العشوائيات في الحدود بين محافظتي القاهرة والجيزة و في مناطق مثل بولاق الدكرور وإمبابة.

إنتشار العشوائيات .. لماذا؟

أكدت دراسة أعدها د.محمد سراج -أستاذ العمارة والتخطيط بجامعة الأزهر-  أن الهجرة من الريف والزيادة السكانية، إضافة إلي قوانين ونظم تمليك الوحدات السكنية من أهم أسباب انتشار العشوائيات و نموها. وانتقد سراج في دراسته عدم وضع المخططات الهيكلية والتفصيلية للمدن الكبرى إضافة إلي تقاعس الحكومة عن اتخاذ إجراءات جادة لوقف انتشار ظاهرة السكن العشوائي. وتشير الدراسة إلي أسباب أخري أدت إلي انتشار هذه المناطق منها اهتمام الدولة لسنوات طويلة بتنمية الحضر وإهمال تنمية الريف مما دفع الكثيرين من أبناء الريف إلي الهجرة الداخلية بحثا عن الحياة الكريمة التي لا يجدونها دائما!
 كانت الهيئة العامة للتخطيط العمراني قد وضعت برنامجا قوميا للقضاء علي العشوائيات بحلول عام 2025 بتكلفة إجمالية تزيد علي 5 مليار دولار. يتم من خلال هذا البرنامج توحيد الجهود الحالية بين الوزارات والهيئات المعنية لضمان عدم ظهور أية مناطق أخري بعد هذا التاريخ.  في حين أكدت الدراسة التي أعدها المركز المصري لحقوق السكن أن هناك حاجة لتوفير 5 مليون وحدة سكنية لاستيعاب الزيادة السكانية المتوقعة في مصر حتي 2020 وقدرت التكلفة الإجمالية لتلك الوحدات بـ 117 مليار جنيه. كما أشارت الدراسة إلى أن الدولة لا يمكن أن تتحمل هذه التكلفة، وهو ما يعني تنامي ظاهرة السكن العشوائي باعتباره البديل الوحيد الموجود أمام محدودي الدخل. اقترحت الدراسة حل هذه المشكلة من خلال مراجعة سياسات تخصيص الموارد والاستثمارات لصالح الأقاليم المحرومة و تطوير الخدمات والمرافق بالمدن العمرانية وفقا لمنظور تنموي كامل بالإضافة إلي استغلال الظهير الصحراوي كبديل لاستيعاب السكان ومراجعة كردونات البناء.

حياة سكان العشوائيات:

 تعددت أماكن العشوائيات و أسباب ظهورها لكن القاسم المشترك بين هذه المناطق هو الإهمال و انعدام الخدمات العامة. فقلعة الكبش مثلا لا يوجد بها وحدة صحية لتقدم خدماتها لأكثر من 8000 فرد، كما لا توجد سوي مدرسة لغات واحدة لخدمة هذا العدد.
ويشكل الشعور بعدم الأمان والخوف من المجهول هاجسا دائما لسكان هذه المناطق وهو ما يدفعهم إلي «الاستبياع « في مواجهة الدولة ومحاولة الخروج علي سلطانها بسلطان الجرائم من بلطجة وتجارة مخدرات، حتى أحداث الفتن الطائفية غالبا ما تندلع في هذه المناطق كما حدث مثلاً في الزاوية الحمراء والوايلي والمرج.
و من جهة اخري يؤكد النائب عباس عبد العزيز عضو لجنة الإسكان بمجلس الشعب أن خطة وزارة الإسكان نفسها تعاني عشوائية فلا تستطيع تغطية الأماكن غير العشوائية بالمرافق العامة فكيف يتسنى لها وضع برنامج لتطويرالعشوائيات في ظل التسيب والإهمال و العمل بسياسة الجزر المنعزلة. وأضاف «عبد العزيز» طالما تضاربت الأرقام بين أجهزة الدولة المختلفة فلا يوجد حل لهذه القضية!!
ولكن هنا لا يمكننا إلا أن نلاحظ أن الإهمال والتسيب وانعدام الكفاءة مشاكل تؤثر فقط على الفقراء والمهمشين، أما رجال الأعمال والأغنياء فالكفاءة نصيبهم. نراها في الطرق الدائرية والمحاور، والمدن الجديدة الفخمة، الخ.
وبعيدا عن استسلام وتخاذل المسئولين وإهمالهم فقد أدرك أهالي قلعة الكبش، وغيرهم من سكان العشوائيات أن الحل لا يأتي إلا بأيديهم، وأن الطريق الوحيد للحصول علي كامل حقوقهم لا يأتي بالاستجداء لكن بفضح المسئولين وسياساتهم المتخاذلة. وهكذا أصبح التظاهر أمام المحافظة ومجلس الشعب نشاطاً يومياً لسكان قلعة الكبش الذين أدركوا أن الحقوق لا تمنح ولكن تنتزع، والذين يتعالى هتافهم يومياً «آه يا حكومة هبش ونبش ... إسمعوا صوت أهل الكبش».
طريق العمل الجماعي هو طريق سكان قلعة الكبش، وهو الطريق الذي أصبح البديل الوحيد المتاح أمام الملايين من سكان العشوائيات الذين تزداد حياتهم بؤساً يوماً بعد يوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق