الأحد، 18 مارس 2012

http://www.almasryalyoum.com/node/716551


مهاويس مُخطط تقسيم مصر



Fri, 16/03/2012 - 21:01
من أكثر الادعاءات عبطاً وسخافة، ما ردّده بعض مسؤولى أجهزة رسمية، بعضها أمنى وبعضها قضائى عن اكتشافهم مُخطط تقسيم مصر.
ودليلهم القاطع فى ذلك هو عثورهم على خريطة لمصر فى مدخل مُنظمة أجنبية فى وسط القاهرة، يظهر فيها لونان لمُحافظات الوجه البحرى، ولونان للوجه القبلى، وهو ما يوحى بأن هناك بالفعل مُخططاً لتجزئة مصر إلى أربع «دويلات»، يسهل الهيمنة عليها بواسطة قوى أجنبية، يُعتقد أنها أمريكا أو إسرائيل.
وفيما يلى أسباب اعتبارنا هذه الادعاءات بالتخطيط لتقسيم مصر، «هراء»، أى «كذب بواح»، أى أسوأ أنواع الكذب، حيث تختلط «المُبالغة» بـ«التهويل» و«الدعاية» الفاضحة أو المفضوحة:
1 - إن مصر لم تتعرض لأى تجزئة أو تقسيم يُذكر، منذ توحد الوجهين القبلى والبحرى- أى الصعيد والدلتا- على يد الملك الفرعون «مينا»، مؤسس الأسرة الأولى، والذى أطلق عليه المؤرخون، وبحق، موحد القطرين أو الوجهين، قبل ستة آلاف سنة.
2 - خلال الستة آلاف سنة هذه، تبادل على حُكم مصر، بعد الفراعنة من أبناء البلاد، أجانب من خارج البلاد، هم على التوالى: الفُرس، والإغريق، والرومان، والبيزنطيون، والعرب المسلمون، والمماليك، والأتراك العثمانيون، والفرنسيون، والإنجليز.
3 - ورغم أن هؤلاء الغُزاة والمُحتلين كانوا غُرباء، إلا أن أحداً منهم لم يقم بتجزئة مصر، أو تقسيمها، فمصر لا تقبل التجزئة أو القسمة.. إنها رقم واحد، منذ بداية التاريخ المُسجل، وربما منذ بداية الخليقة.
4 - وهناك من فسّر هذه الحقيقة الأزلية، وربما كان أهمهم من أبناء مصر نفسها كلاً من المؤرخ شفيق غوربال، والجغرافى جمال حمدان، وعالم الاجتماع سيد عويس، كما فسّر نفس هذه «الوحدانية المصرية» من الأجانب كل من المؤرخ الإغريقى هيرودوت، الذى كان أول من أطلق عبارة «مصر هبة النيل». ومنهم أيضاً المُفكر الاجتماعى الألمانى الأمريكى، «ويتفوجل»، الذى جاء بنظرية «المجتمعات النهرية» أو «المجتمعات المائية»، وهى تلك البُلدان التى تنشأ حول أودية الأنهار الكُبرى، ولا يكون لها إلا مصدر مياه وحيد أوحد. فينبرى أبناء مثل ذلك المجتمع للعناية الفائقة بهذا المصدر.. من حماية شواطئه، إلى تقنين تدفقه، وتخزين الفائض من مياهه، لوقت الجفاف، أو التحاريق.
5 - ولأن بعض أودية الأنهار، وفى مُقدمتها، بل أهمها النيل، مُحاطة عادة إما بالصحارى أو الجبال، أو الأدغال، فإن الحياة تكون صعبة أو مستحيلة خارج الوادى، ومن هنا جاء التصاق الناس بالوادى، وتضامنهم، وتماسكهم، وحاجتهم لـ«دولة مركزية»، لذا فليست مصادفة أن أول دولة مركزية نشأت فى التاريخ الإنسانى كله، كانت على ضفاف النيل.
6 - لذلك يمكن أن تزول الإمبراطوريات، وتتبدل الدول، وتتغير الحكومات، لكن المجتمع النهرى دائم لا يزول.
7 - لذلك من السذاجة، أو السفاهة، أن يُشيع أو يتبجح أحد المسؤولين بأنهم اكتشفوا «مؤامرة» لتقويض بنيان الدولة المصرية، فالدولة المصرية قد تتعرض لعدوان خارجى أو لثورة داخلية، ولكن مجتمعنا راسخ رسوخ الجبال.
8 - إن الدول مع ذلك قد تزول، وقد يتغير النظام السياسى فيها من ملكى إلى جمهورى، أو حتى إلى خليط منهما، وهو ما سميناه منذ خمسة عشر عاماً النظام «الجملوكى». كأن يكون النظام جمهورياً فى الدستور، ولكن مع رئيس جمهورى طامع، مثل حافظ الأسد، وصدام حسين، ومُعمر القذافى، وعلى عبدالله صالح، فيحاول أن يورّث لابنه السُلطة من بعده! صحيح أن ذلك لم ينجح إلا فى سوريا، وتم إحباطه فى العراق وليبيا من خلال خلطة محلية- أجنبية، وفشل فى مصر من خلال ثورة شعبية مجيدة.. وهو ما أصبح معروفاً للكافة.
ولكن ما يدعو للأسف والعجب هو أن المجلس العسكرى الحاكم، والإخوان المسلمين بدأوا يُرددون نفس الأسطوانة «المشروخة»، حول «التمويل الأجنبى»، وقيادة حملة كراهية مُغرضة ضد المجتمع المدنى، هذا علماً بأن المؤسسة العسكرية المصرية هى أول وأكبر متلقٍ للمُساعدات والمنح الأجنبية.
وبالأرقام فإن الحكومة المصرية، بجناحيها العسكرى والمدنى، قد تلقت خلال الثلاثين سنة الأخيرة، أكثر من مائة مليار دولار، ثلثها من أمريكا، وثلثها من أوروبا واليابان، وثلثها الثالث من الأقطار العربية الشقيقة، فماذا فعلت بها؟ ومن الذى يُراقب الدولة أو يُحاسبها؟
إن المجتمع المصرى أقدم وأرسخ من الدولة، والدولة المصرية أقدم وأرسخ من الحكومة ومن النظام القائم. ولن تستطيع لا قوة خارجية، ولا أى كمية من التمويل الأجنبى أن تنهى تلك الدولة، أو هذا المجتمع.
فلتتوقفوا عن التهويل والتضليل.. وكفوا عن تخوين الشرفاء.. وتوقفوا عن تكفير المؤمنين، فالمصرى وطنى مؤمن، مهما كره العسكريون أو ادعى المُتأسلمون.
والله على ما نقول شهيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق