لا يخفى إعجابه الشديد بالأفيال، ويعبر عن تقديره لها باحتفاظه بكثير من التماثيل الخاصة بها والتى جاء بها من بقاع شتى فى العالم. وعندما تسأله عن السر فى ذلك يقول: «إنها مخلوقات نبيلة، تعيش بمبدأ القوة الحكيمة وكذلك أنا». وهكذا تدرك قبل أن تبدأ حديثك معه، إلى أى الشخصيات ينتمى دكتور على الغتيت الفقية القانونى، الذى لا يخفى همومه من مجريات الأمور ويصل خوفه على بلادنا العربية إلى حد القول: «لقد قامت قيامة العرب». يحلل بنظرة فلسفية حالنا ويصفه بالغفلة ويؤكد: «إذا انتبهت بالقدر الكافى وانشغلت لدرجة الصدق، فإن سعيك سوف يراه الناس». هكذا يسير الحديث مع الرجل الذى يمنحنا تصوره لأزمة الحكم فى مصر ويحكى تفاصيل بدايتها. ويحكى عن رؤيته لمؤامرة القضاء علينا هناك فى سوريا والتى بادر من تلقاء نفسه بالتدخل لحلها. فإلى نص الجزء الأول من حوار «المصرى اليوم» معه.
■ تؤمن بأننا فى أزمة حكم. كيف تراها وتصفها؟
- نحن فى أزمة تاريخية، وصفها الوحيد أنها خيانة لمستقبل الناس وحقوقهم. هل يعقل أننا فى تلك المرحلة لدينا مسؤولون يرددون نفس أقوال رجال الرئيس السابق؟ هل يعقل أننا نكرر ذات الأخطاء ولم نسع لوضع رؤية محددة كى تقودنا للمستقبل بأمان بآليات واضحة رغم معرفتنا بما يحدث؟ وسأضرب لك مثلاً بقضية الحمى القلاعية التى اجتاحت مصر ووجدنا وزير الزراعة يعلن بعد مرور 10 أيام على الأزمة وببساطة متناهية أن «الحمى» دخلت مصر من إسرائيل وليبيا عبر عمليات تهريب الماشية! هكذا يعلن ذلك الرجل المسؤول أن البلد مفتوح لكل من يريد أن يدمرنا. قال هذا الكلام بعد عشرة أيام من بدء الظاهرة، وهذا لا يعنى إلا أمرين إما أنه هروب من المسؤولية، أو أنها رسالة هدفها الإلهاء. والنتيجة فى النهاية واحدة هو أنه لا يتحمل مسؤولية ما حدث. هذا كان يحدث فى عصر مبارك وفى محاضر جلسات محاكمة يوسف والى، وزير الزراعة الأسبق، ثابت قوله فى المحكمة أنه لم يتخذ أى قرارات باستيراد مبيدات مسرطنة وأن التعليمات كانت تأتيه من رئيس الجمهورية. القصة نفسها يتم تكرارها فى جميع المواقع وكل الوقائع الخطيرة التى أثرت فى اقتصادنا وتسببت فى كسر خاطر الأمة.
■ هل هناك تعمد لهذا؟
- لا أعلم لأن الله هو العليم بالسرائر. ولكن دعينى أقول إنه لو تم كسر «نفسية» الأمة عن عمد، تلك جريمة مكتملة الأركان. ولو تم من باب الاستخفاف بنا فهذا أشد إجراماً وأكثر لعنة. الواضح أن هناك نسقاً متكرراً، وضحية ثابتة هو المواطن المصرى الذى لم تتح له فرصة اختيار حياة كريمة . حتى مستقبله تم ابتساره، إلا قلة قليلة من الذين اختارتهم سلطات الحاكم بتزاوج السلطة بالمال، ونعموا بما يريدون. أما الغالبية من المصريين فيعانون منذ سنوات طويلة وحتى يومنا هذا. وكثيراً ما أشبه مصر بأنها واحة فى الصحراء يسكنها مجموعات من البدو الرُحل، لا يستقرون بها كثيرا ولا يتركون فيها أثراً. ليس هذا فحسب بل إنه كلما مر عليها بعض الُرحل فإنهم لا يكتفون بأن يتزودوا منها بالماء والطعام، ولكن ينهبونها ويتركونها أسوأ مما كانت عليه قبل مجيئهم لها. وهذا حالها، حكاماً ومحكومين، فـ«كما كنتم يُولى عليكم». لدينا عبارات فقدت معناها أو تغيرت فى مصر. مثل حكمة «الرجل المناسب فى المكان المناسب» التى تعامل معها العالم كبديهيات فى الإدارة ونتعامل معها نحن كمقولة نرددها دون أن ننفذها، وقلما تجدين الرجل المناسب فى مكانه. وهذا أحد أسباب أزمتنا. وكذلك عبارة «مات الملك عاش الملك» والتى تعامل معها المفكرون كدلالة على الاستقرار للأمة والولاء للحاكم الذى يحكم الوطن، ولكننا هنا منحناها معنى آخر، مفاده إذا مات الملك الذى كنت تستفيد منه، ابحث عن غيره لتكمل الاستفادة. نحن ينقصنا الانتباه وهو أمر ضرورى للإبداع فى الحياة. فإذا انتبهت بالقدر الكافى، وانشغلت بالقدر الصادق، فإن سعيك سوف يُرى.
■ هل تنطبق قلة الانتباه التى نعانى منها على أزمة وضع الدستور فى مصر واختيار جمعيته التأسيسية؟
- أولاً يجب أن نفهم أن الدستور خُلق ليمحو قلق البشر ومخاوفهم. وما حدث فى 25 يناير 2011، هو خروج عن دستورية الدولة لعدم دستورية الأحكام الواردة فى الدستور، لأن الرئيس السابق منح نفسه سلطات قيصرية، وتحولت الحكومة إلى سكرتارية، ولم يعد لمجلس الشعب أى رأى تشريعى، وبات القضاء ينفذ ما يُملى عليه. وتلك ملاحظة يجب أن يعيها القائمون على السلطات فى مصر الآن وإلا سنكرر الأحداث والثورات. كان هناك رفض شعبى لمجريات السياسة فى مصر وانحبس عن الناس استشراف مستقبلهم بعد أن وُضع فى الدستور ما يبرر للسلطة أفعالها، وبات المواطن مغلوباً على أمره. وأتذكر أنه فى عام 2007، وبعد انتهاء مجلس الشعب من تعديل بعض المواد الدستورية، وكان أبرزها المادتين 76 و77، تم إعداد مشروع مقترح للدستور وتم تحديد موعد للاستفتاء عليه، وقمت برفع دعوى أمام مجلس الدولة فى تلك المواد وطعنت عليها بعدم الدستورية أمام محكمة القضاء الإدارى، وأرسل ملف الدعوى للمحكمة الدستورية فى نفس اليوم لتحديد موعد المرافعة قبل الاستفتاء. وترافعت أمام المحكمة الدستورية العليا وحُجزت الدعوى للحكم، ثم دُعينا مرة أخرى لجلسة تالية لتاريخ الاستفتاء لاستكمال المرافعة. وهكذا طغت السلطة على القضاء الدستورى لتنفيذ مصالحها الشخصية وكان ذلك أحد أهم أسباب ثورة 25 يناير. فالإصرار على وجود تلك المواد فى الدستور رغم عدم دستوريتها دفع الناس للشعور بالظلم فثاروا على السلطة. وحينما استحكمت الأزمة سعى رئيس الجمهورية السابق قبل تنحيه لتشكيل لجنة لتعديل الدستور، ولكن كان قد فات الأوان. هذا الموقف لا يختلف كثيرا عما نعيشه الآن ولكن للأسف لا يعى القائمون على السلطة التشريعية تلك الحقائق.
■ يرى البعض أن ما سعى مبارك لتداركه بتعديل الدستور ورفضناه قبلناه بعدها فى شكل إعلان دستورى من المجلس العسكرى؟
- تلك شهادة للتاريخ أسجلها. فقد حاولت باستماتة إثناء عزم القائمين على إدارة البلاد بعد ثورة يناير عن فكرة الاستفتاء على ما عدلته اللجنة التى وضعت التعديلات، لأن فكرة التعديل كانت خطة رئيس الجمهورية السابق لمصالحة الشعب، كما أننا أعلنا إسقاط العمل بالدستور، فكيف نجرى عليه تعديلات؟ وهل هذه المواد يمكنها إعادة الدستورية للدستور؟ وللعجب فإن اللجنة التى تم تشكيلها بعد سقوط الرئيس السابق التزمت بنفس الإطار الذى كان قد حدده، وزادت عليه مادتين فقط. ولذا طلبت من المسؤولين وألححت عليهم إرجاء الاستفتاء حتى يُعاد النظر فيه وفى الموقف كله لأن مثل هذا الاستفتاء من شأنه أن يهدد مصر دستوريا ويفلق الأمة. وأن الأمر لا يجوز التعجل فيه. وكان الرد الذى تلقيته وأسجله للتاريخ، أننى لو أردت ذلك فعلى إقناع المستشار طارق البشرى، وهو صديق عزيز وله عندى مكانة عميقة، وكذلك الدكتور محمد سليم العوا. فاتصلت بالمستشار طارق البشرى، ولكننى وجدته فى قطر لحضور مؤتمر. وفشلت فى الاتصال بدكتور «العوا» حتى زارنى دكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وحكيت له الأمر ووافقنى فيه، وقام هو بمحادثة «العوا» الذى لم يكن يرد على اتصالاتى، فرد عليه وتحدثت معه وحاولت إقناعه بخطورة الأمر وضرورة تأجيل الاستفتاء. ولكنه وبعد حديث طويل قال لى إنه مُكلف من المجلس العسكرى بأن يجوب المحافظات للترويج لتأييد الاستفتاء وحث الجماهير على التصويت بـ«نعم»، بالطبع أسقط فى يدى ولذا سارعت كأضعف الإيمان بإرسال ما كتبته من مذكرة لجريدة الشروق لنشره وتوعية الناس بمخاطر الاستفتاء على الأمة، تحت عنوان «المستقبل الدستورى لصاحب السيادة» قبل الاستفتاء بنحو أربعة أيام. وقبل الاستفتاء بيومين تحدث اللواء «العصار» عضو المجلس العسكرى، فى مداخلة تليفونية بأحد البرامج التليفزيونية وقال إن المجلس اتجه للاستفتاء لأن فيه إعادة إحياء لممارسة الحقوق السياسية. أقول هذا اليوم لأن ما بتنا فيه من أزمة وضع الدستور يعود لذلك التاريخ ومن حق الناس معرفة ما جرى. وما تخوفت منه وقع للأسف.
■ ما المغزى وراء استخدام المجلس العسكرى دكتور العوا للترويج لتأييد الاستفتاء؟
- حينما يُروج دكتور سليم العوا لتأييد الاستفتاء، فهذا يعنى أنه كان هناك تعمد لهذا الاستفتاء من قبل القائمين على إدارة البلاد الذين أقنعوا الناس بأن تصويتهم بنعم يعنى الاستقرار للبلاد. وأن رفض الاستفتاء معناه دخول البلاد فى حالة فوضى. وليس هناك فوضى أكثر مما نحن فيه الآن.
■ هل كان هناك تعمد لإحداث حالة الفوضى هذه؟
- لم يكن الاستفتاء هو إشكاليتنا الوحيدة، كان هناك أيضا تشرذم وتفتت القائمين بالثورة. الذين لم ينجحوا إلا فى استخدام أداة لم يكن سهلاً تتبعها أمنياً لأنها تختلف عن الماضى. وسألت مرة الأستاذ شادى الغزالى حرب فى مداخلة تليفونية عن أسباب تشرذمهم وعدم اتحادهم تحت قيادة، ووجود أكثر من 150 ائتلافاً لهم. ويومها أجابنى بأنهم ينسقون فيما بينهم، وهى إجابة لا تعبر عن إدراك خطورة تلك المسألة. فمن يقم بثورة عليه أن يعرف أن لها زخماً، لا يعنى فقط تحريك الجموع فى الشارع، بل وحدة الموقف عبر قيادة متوحدة. أما التنسيق بين الكيانات فيجوز فى غير العمل الثورى القومى. بالإضافة لهذا كان هناك إشكالية اختفاء كيانات سياسية مثل «حركة كفاية» و «9 مارس» و«6 أبريل». وهى حركات كانت تعلن قبل الثورة أن لديها رؤى وبرامج. وكل هذا يدل على أن مجتمعنا مهترئ وأن كياناته السياسية تعجز عن تقديم برنامج واحد يلتف حوله الناس. وأصبح كل واحد من تلك الكيانات يبحث عن مقعد يفوز به، بل إن بعضهم نسى المجموعة التى كان ينتمى لها فى الأساس.
■ فى رأيك لماذا تمت صياغة المادة 60 فى الإعلان الدستورى، والخاصة بأسس تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، بطريقة مبهمة؟
- إذا كان الاستفتاء خطأً تاريخياً لن يسجله التاريخ فى صالح المجلس العسكرى، فإن الإعلان الدستورى خطأ أكثر جسامة فى مضمونه. وأعلنت من قبل مطالبتى للمجلس العسكرى بأداء واجبه الدستورى والإعلان عن طاقم مستشاريه لنناقشهم، لأنهم غير مؤهلين سياسياً. وما صدر عنهم من مسائل متصلة بالدستور يخالف العقل والتجربة الإنسانية فى الدساتير. والأصل فى فكرة عمل المجلس الاستشارى هو استجلاب الحكمة من المؤهلين لها. الرئيس الأمريكى أوباما لديه 62 مجلساً استشارياً. لماذا؟ لأنه ليس مطلوبا ممن يحكم معرفة كل شىء ولكن الصفة الرئيسية المطلوبة فيه أن يكون قادراً على اختيار من يستشير من أصحاب العلم والحكمة، بحيث يقدمون أمامه بدائل متعددة لاتخاذ القرار، وأمام كل بديل عيوبه ومزاياه. وعليه وحده الاختيار من تلك البدائل وحساب درجة المخاطرة فى كل منها. وهكذا فإن المسؤولية على رئيس الجمهورية تتمثل فى اتخاذ القرار وإذا ما فشل ينسحب، لأن المجتمع أتاح له أرصدة العلم والحكمة والتنبؤ والتحليل وهو أساء اختيار القرار الأفضل.
■ هل تعتقد أن المجلس العسكرى لم يأخذ المسألة بذلك العمق؟
- نحن نسطح المسائل فى مصر. عندما تقرئين مذكرات المستشار سليمان حافظ، الذى كان وكيلا لمجلس الدولة وقت قيام ثورة يوليو 1952، ثم أصبح نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للداخلية فى حكومة عبدالناصر، وكيف وجد نفسه بحكم المجتمع المحيط وأسلوب تعامل صاحب السلطان والمشاكل التى كانت بين أعضاء مجلس الثورة، ثم تقرئين الفصل الختامى الذى يعلن فيه ندمه على أنه لم يتخذ موقفاً صارماً بالشكل الذى كان يجب أن يتخذه، وكيف تساءل إذا ما كان بقاؤه فى المنصب كان حرصاً على الكرسى الذى يجلس عليه؟ أم أملاً فى أن يحمل وجوده إصلاحا؟ تكتشفين بعد كل هذا أن الإنسان يحب أن يبرر لنفسه ما لا يفعله. وتلك الإشكالية قديمة جديدة ولن تنتهى. ونحن الآن فى موقف صعب، ليس لدينا حكومة تعمل، ومجلس الشعب يريد ممارسة السلطة التنفيذية والتشريعية، بل ويتخذ من مكانه وسيلة للقفز على السلطة القضائية. ويمارس أعضاء مجلس الشعب المعارضة وكأنهم لا يعرفون أن مهمتهم التشريع. وهذا يعبر عن خلو وفاضهم. وهم فوجئوا بأنهم باتوا فى البرلمان.
■ هل تهدد سيطرة مجلس الشعب بغالبيته الإسلامية على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور استقرار مصر؟
- بالطبع. أولاً اختيار 50% من البرلمان داخل اللجنة قضى على استقرار البلد مرة أخرى لأن من تم اختياره من النسبة الباقية للجنة من خارج مجلسى الشعب والشورى ينتمون لذات تيار الأغلبية. وهذا تصرف يحدث لدى الأمم التى لا تعرف تنظيم المجتمعات. ثم كيف يتولى البرلمان الذى يمثل إحدى سلطات الدولة وضع الدستور الذى يحدد مساره؟ هل يجوز أن يتولى نفس الكيان الشىء ونقيضه؟ مهمة المشرع هى تشريع القوانين ولا يجوز له أن يقتنص لنفسه المشاركة فى وضع الدستور. إذن كيف سأضع الضوابط التى ستراقب عملى كمشرع؟ يا سيدى أنت تمثل توجهاً واحداً فى المجتمع وأنا كمواطن حينما أختار ممثلاً عنى فى مجلس الشعب، لا يعنى أننى أفوضه فى وضع الدستور. و«الجمعية التأسيسية» ذات مهمة خطيرة جداً لأن المنهج فى صياغة الدساتير يجب أن يقوم على الالتزام بمنح الحقوق للمواطن. وفهم للفروق بين الفلسفة التشريعية والسياسة التشريعية ونص القانون. على سبيل المثال لدينا فى دستور 1971 مواد تنص على أن التعليم حق المواطن وأن الدولة ملزمة بذلك، تلك صياغة جيدة ولكن لم يوضح لنا الدستور كيف نجعل هذا الحق مفعلاً وملزماً للدولة؟ بمعنى آخر تسليح الحقوق الدستورية بأدوات اجتبائها.
■ هل ترى أن الدستور المقبل لمصر لن يكون به وسائل إلزام الدولة بالحقوق؟
- لا بالطبع. لأنهم قالوا إن الأبواب الخمسة الأولى، مُتفق عليها. وهى تلك الحقوق التى وُضعت منذ ما يقرب من 100 عام. نحن نتكلم عن وضع نسق جديد يمكننى من متابعة الحاكم. ليس بطريقة سؤال واستجواب وعودة لجدول الأعمال كما كنا نرى فى مجلس الشعب فى عهد الرئيس السابق. ولكن بآليات واضحة ومحددة وملزمة. عندما أراد المصريون وضع دستور 1923، شكلوا لجنة من 18 عضواً لوضع المبادئ العامة للدستور لضبط النصوص. ثم لجنة من 30 عضواً لوضع الدستور وكانوا يتحدثون بدقة فى صياغة المواد وحقائق المجتمع وأشواقه لكتابته. ثم لجنة استشارية تشريعية راجعت ما أعدته لجنة الثلاثين. كان هذا حالنا عام 1923 قارنوا بينه وبين حالنا فى عام 2012 لتدركوا عمق الأزمة التى نحياها.
■ ما هى مخاوفك من دستور مصر الجديد؟
- لا أبنى حياتى على المخاوف، ولكن على الحرص على الإيجابيات التى تعنينى بشدة. حينما تنظرين لدستور 1971 تجدين به ترديداً لأعلى القواعد الدستورية، ولكن هذا من باب الإنشاء لأنه ليس له أدوات تستجيب لحقوقى كمواطن. فكرة المساءلة غائبة ومعدومة لدى المشرع الدستورى لأنه لم يرد على خاطره محاسبة الحاكم. والطريق الذى نسير فيه منحدر لذات الطريق بكتابة دستور لا يعبر إلا عن الوجاهة السياسية لمن يحكمون، يحمل ديباجة دون أى إلزام بمحاكمة أولى الأمر. وهكذا حال الدساتير فى مصر منذ عام 1956، توضع للتدريس فى الكتب المدرسية وليست للحياة الواقعية ونحن نكرر المسألة. حتى المحكمة الدستورية العليا غير موجودة وقراراتها لا تُحترم. فإذا كان واضع الدستور لدينا لم يحترم رأى المحكمة الدستورية التى رأت عدم جواز مشاركته فى كتابة الدستور فكيف سيحترم حق المواطن الدستورى؟ بالإضافة لهذا فإن الساعى لوضع الدستور الجديد ليس مؤهلاً لذلك.
■ ما صحة المنطق الدستورى الذى يرى حل مجلس الشعب بعد وضع الدستور؟
- ينص الفقه الدستورى السليم على أنه إذا كُلف أو شارك مجلس الشعب فى وضع الدستور فعليه أن يسقط بعده، أو يمتنع عن وضع الدستور.
■ هل ترى أن العلاقة التى ربطت بين التيار الإسلامى والمجلس العسكرى بشكل سرى، فى طريقها للانتهاء بشكل رسمى؟
- هذه افتراضية. ولكن كل شىء مشروع فى السياسة والحب. ولكن الذى أتيقن منه أن اختياراتنا ليست واضحة ومبهمة. فأنا لا أعرف مثلاً كيف سينقل المجلس العسكرى السلطة لرئيس مدنى منتخب؟ وهل سنكون قد انتهينا من إصدار الدستور؟ وعلى أى شىء سيقسم الرئيس الجديد فى حال عدم صدور الدستور؟ لدينا إشكاليات عديدة تؤكد غياب الرؤية أو غموضها. ولذا أتوقع أن تشهد الشهور المقبلة مفاجآت غير متوقعة. لأن المقدمات تنبئ عن النتائج وسنن الله فى الأرض ثابتة، ومن الغباء أن نقوم بنفس الأفعال ونتوقع نتائج مخالفة.
■ هل تتوقع أن يغضب الناس من الدستور الجديد فيثوروا على السلطة مجدداً؟
- نعم يمكن توقع ذلك رغم أن الناس كفروا بالثورة. وقد استوقفنى مشهد الطوابير المزدوجة لجميع مستويات المجتمع المصرى أمام السفارة الأمريكية منذ الصباح الباكر للحصول على تأشيرة السفر أو الهجرة. هذا له معان كثيرة أولها أن الشعب فقدو الثقة فى المجتمع والمسؤولين عنه والأمل فيهم، حتى إننا نلجأ لمن وضعنا فى موقف مهين وأعنى به سفر المتهمين الأمريكيين قبل انتهاء محاكمتهم. كنت أخشى فى الماضى غضبة وثورة «الجوع» من قبل الطبقة الدنيا التى لا تجد الاحتياجات الأساسية. اليوم أنا أخشى غضبة البلطجية الذين يستكثرون الحياة على من يملك أى شىء.