الجمعة، 7 سبتمبر 2012

لسه فاكر .. ! .. قصة قصيرة

كعادته حين يستيقظ يلتفت يمينه ينظر إلى الساعة بالمنبه .. ثم يُغلق الجرس .. كان يُفسر ذلك من قبل أنه نوع من التوتر أن يستيقظ قبل الجرس .. أما الآن بعد أن تَعَدَّى تلك المرحلة وقارب عمره على الستين؛ أصبح يفسره بأنَّ الساعة البيولوجية في جسمه مضبوطة .. فهو يذهب إلى النوم قبل منتصف الليل فلابد أن يستيقظ قبل الثامنة صباحاً .. تحَسَّسَ ذقنه الخشنة وأمسك بمعجون الحلاقة يضغطه لعله يستطيع أن يُحصِّل  منه على ما يكفيه هذه المرة أيضاً؛ حتى يَتَذكَّر شراء معجون جديد، ذَكَّرَهُ ذلك فجأة بأيام الجامعة، كم كانت جميلة .. ومَرَّ على خاطره جميع أصدقائه، راح يتذكر الواحد تلو الآخر .. لم يشعر طوال تلك السنوات الطويلة بالغربة أنه اكتسب صديقاً مثل أصدقاء الجامعة أو حتى قبل الجامعة .. ثم تلَفَّتَ حوله مُحَدِّثاً نفسه : ( ربما كانت المشكلة عندك وليس عندهم ، أنت المختلف عنهم وليس العكس ) .. مازال يحدث نفسه وهو يضغط على ذقنه بالفرشاة : ( لقد نصحوك أن تحصل على الجنسية وأنت رفضت وما زلت ترفض، نصحوك أن تشتري منزلاً صغيراً أو شقة أفضل من الإيجار وأنت رفضت، كنت تتحجَّج بأنك لن تُطيل البقاء بالغربة، ومضت العشر سنوات الأولى وأنت ترفض، وفي التالية أرسلت بناتك وأولادك إلى بلدك لكي تضمن الحفاظ على أخلاق شرقية خاصة أن ابنتك كبرت، وأصررت على أن تحصل على الثانوية العامة من بلدها وتتأقلم على العيشة هناك، وها هي تمر العشر سنوات التالية وأنت هنا وهم هناك، فماذا جنيت ؟! .. تعلم جيداً أنه لم يعد أحد يحتمل وجودك في الأجازة، وإذا أرسلت لهم لزيارتك جاءوا لشراء ما يريدون ثم لم يلبثوا أن يغادروا، الإبنة الكبرى رَفَضَت أن تساعدها في الزواج وكذلك رفض خطيبها، وحين حاولت إقناعها ارتفع صوتها : " أنا آسفة هاقفل السماعة "، أهذه الأخلاق الشرقية التي حاولت أن تُكسبها لابنتك ؟! ) .. هي مقتنعة به أشد الاقتناع .. بعد كل هذا اللهث وتلك الثروة أضعها من بعدي بين يدي حمقى متهورين .. تريد أن تهاجر معه .. لا أدري كيف جاءتهم تلك الشجاعة وبمنتهى السهولة في قرار الهجرة ؟! .. شيء عجيب ..
أنصت لصوت الغناء في سيارته، كانت أم كلثوم  تغني "لسه فاكر" فأخذ يدندن معها .. طيلة تلك السنوات ربما لم يسمع غيرها وبعض من أغاني عبد الوهاب ..
لم ينتبه أنه أمام مبنى شئون الهجرة والجنسية إلا حين سمع دقات يد رجل الأمن على زجاج السيارة يشير له بالتحرك بعيداً .. لم يدرك كم غفل من الوقت ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق