|
|
في الأيام القليلة الماضية, استوقفتني معركة الأستاذ العقاد والإخوان المسلمين, وذلك في أثناء مراجعتي لمعارك العقاد السياسية والفكرية والأدبية, بغرض كتابة محاضرة حولها اشترك بها في احتفالية المجلس الأعلي للثقافة هذا الأسبوع بمناسبة مرور أربعين عاما علي وفاة العقاد.
والحق أن تفاصيل هذه المعركة بين هذين الطرفين أصابت المرء بالكثير من الدهشة والأسف.. ومصدر ذلك ما تم فيها من هجوم قاس وعنيف من العقاد وصل إلي درجة تسميته لهم بخوان المسلمين( بتشديد الواو وتسكين النون), بدلا من الإخوان المسلمين, ورد أعنف وأقسي من الإخوان وصل إلي حد تهديد العقاد ووعيده بالقتل, ومحاولة اغتياله بالفعل بالرصاص والمتفجرات.
حدث هذا بين طرفين كان من المفترض أن يكونا علي أفضل ما يكونان من التفاهم والود, خاصة أن الأستاذ العقاد كان يحظي بتقدير خاص من المهتمين بالتفكير الإسلامي بوجه عام, حيث كان من أكبر المدافعين عن الإسلام بالحجة والدليل, حين وضع حقائق هذا الدين في مواجهة أباطيل خصومه, بل إن كبار مفكري ودعاة الإخوان أنفسهم قد أثنوا علي كتاباته الإسلامية, وفي مقدمتهم الراحلان الكبيران فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري الذي قال: العقاد خير لسان للعروبة والإسلام, بما كتب من دراسات إسلامية, وأذاع من أحاديث تدفع عن العربية أوهام المبطلين, وعن الإسلام شبهة المغرضين. أو ما قاله فضيلة الشيخ محمد الغزالي من أن العقاد خير من كتب عن العقيدة والدين بوعي وإيمان, وأنه من بين أفراد جيله صاحب أكبر عدد من المؤلفات الإسلامية تزيد علي الثلاثين مؤلفا.
فإذا كان هذا هو رأي رجلين من أكبر مفكري ودعاة الإخوان, فما الذي جري بين الطرفين, العقاد الذي لم يهاجم الإخوان منذ إنشائها في عام1927 حتي عام1949, والاخوان الذين كانوا يرونه من أكبر المدافعين عن الإسلام؟.
وللإجابة علي هذا السؤال ينبغي الرجوع إلي صحف هذه الفترة ومنها صحيفة الأساس عام1949, التي تولت نشر مقالات العقاد, وبعض الكتب التي سجلت تفاصيل هذه المعركة ومنها كتاب العقاد بين اليمين واليسار لرجاء النقاش, وكتاب العقاد دراسة وتحية لأصدقاء وتلاميذ العقاد بمناسبة بلوغه السبعين, لنقرأ أن هذه الجماعة تأسست عام1927, علي أساس أنها جمعية دينية لا دخل لها بالسياسة, إلا أن تطورها من مجرد جمعية دينية إلي سياسية تحاول أن تملي إرادتها, وتنفذ طموحاتها عن طريق الاغتيالات هو الذي جعل العقاد يتخذ موقفا حادا, تضاعف هذا الموقف بعد اغتيالها لرئيس وزراء مصر الأسبق النقراشي رئيس حزب السعديين في1948/12/29, بعد اغتيال الدكتور أحمد ماهر رئيس حزب السعديين الذي كان ينتمي إليه العقاد, ومن هنا نري أن هناك أسبابا حزبية أخري إلي جانب سياسة الاغتيالات, ليبدأ هجومه بسلسلة من المقالات بصحيفة الأساس في الشهور الأخيرة من عام1948 تزداد عنفا في بدايات عام1949, ومنها مقال بتاريخ1949/1/17 قال فيه: أجمع المصريون علي استنكار تلك الجرائم الوحشية التي يقدم علي ارتكابها أفراد الجماعة التي تسمي بجمعية الإخوان المسلمين, والتي من حقها أن تسمي علي الأصح بجمعية خوان المسلمين, ولكن فريقا من الذين بحثوا في أسرار تلك الجرائم يتوهمون أن جناتها من الأشرار يساقون إليها بدافع من الإيمان المضلل.. إلي أن يقول: إن فقيد الوطن النقراشي باشا رحمه الله قد أراح هذه البلاد من عصابات كثيرة.. منها عصابة الخط المشهورة, التي كانت تعبث بالفتك والسلب والنهب في أواسط الصعيد, والخط لم يدع لنفسه أنه إمام من الأئمة, ولم يدع له أحد شيئا من العلم أو القدرة علي التدجيل باسم الدين, إلي أن يعقد مقارنة بين هذا الخط ورجاله الذي أراح النقراشي من شروره البلاد, وبين الإخوان الذين حل جماعتهم إلي أن يقول: والواقع أن الطمع هو الباعث الأول في نفوس هذه الجماعة, علي سفك الدماء, وإشاعة الفوضي في جوانب هذه البلاد, وأنهم يعملون ليقبضوا بأيديهم علي زمام الدولة في يوم من الأيام.
ويزداد العقاد عنفا وحدة في هجومه علي الإخوان, ويكون رد فعل الإخوان إنذاره أكثر من مرة, وإرسال خطابات إليه تحمل عبارات مثل قذفت القاذفة أي أزفت الآزفة, وخطابات أخري تهدده صراحة بالقتل إن لم يرتدع ويكف عن هجومه وهو الأمر الذي جعل النائب العام ـ وقتئذ ـ يخصص حراسة من بعض رجال البوليس السياسي لحماية العقاد بعد أن وضعوا اسمه في القائمة السوداء التي ينفذ فيها حكم الإعدام بعد أيام, وحاولوا ذلك بالفعل بوضع المتفجرات حول بيته, ومحاولة اغتياله بالرصاص حين اتصلوا به تليفونيا ليلا, وكانوا يعرفون أن تليفونه بجوار النافذة المطلة علي الشارع, وعندما اتجه العقاد ليرد أطلقوا علي هذه النافذة الرصاص بهدف قتله.
وفي الجانب الآخر, لم يكف العقاد عن مهاجمتهم فكتب مقالا بعنوان خدام الصهيونية فيه دلل علي أن ما يفعله الإخوان بمصر تعجز الصهيونية عن فعله بتدبيرها وجموعها وأموالها قائلا: إن يهود الأرض لو جمعوا جموعهم, ورصدوا أموالهم, وأحكموا تدبيرهم, لينصروا قضيتهم بتدبير أنفع لهم من هذا التدبير الذي تصنعه هذه الجماعة, لما استطاعوا.
وهكذا يبلغ العقاد في هجومه علي الإخوان, حدا جعله يلوح لأبناء وطنه بخطورة هذه الجماعة علي الأمن والسلام. |
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق