ما أن وقعت عينا خالي على الجريدة حتى أشار إليها متسائلاً عمن يقرأها ؟! كدت أن أجيبه خاصة أن والدي الجالس قبالته رمقني بنظرة مبتسماً .. ولكن خالي ما لبث أن استطرد حديثه واصفاً الجريدة بأنها مضللة، وكلها افتراءات وكذب وتصفية حسابات من أعداء الثورة، ويجب ألا يقرأها من هم في مثل سني ناظراً إلى أبي وكأن لسان حاله يقول له "كيف تتركه يقرأ تلك الجريدة" ؟! ولكن أبي كعادته كان قليل الكلام .. وكنا نفهمه من مجرد نظرة أو ابتسامة .. وكان ذلك يعني أنه موافق على ما أفعل، أو كان منتظراً سماع ردي .. الغريب في الأمر أنني لم أكن أقرأ من تلك الجريدة إلا صفحة واحدة .. كنت رأيتها في يد صديقي "إيهاب" الذي يعرف أني أتوق لتلك الصفحات الأدبية وهي صفحة مدام شلاطة .. رواية أدبية شَدَّني اسمُها .. خاصة أنه كان لي صديق في المرحلة الابتدائية يحمل نفس اللقب .. المهم أني ترددت كثيراً وكدت أن أخبره بحقيقة وسبب شرائي لتلك الجريدة .. ولكني تراجعت ربما شعرت بخجل خاصة أمام والدي الذي كان بعكس الجميع يشجعني على القراءة حتى يوم أن اكتشف إخوتي كشكول المدرسة المخبأ أسفل السرير، والذي كتبت به أول تجربة لي وكانوا يضحكون ويقرأون بعض الأسطر ويسخرون منها .. سمعت والدي الذي كان لتوه استيقظ من النوم وأمسك بالكشكول وأعاده إليَ وحذرهم من فعل ذلك ثانية .. ولكنني لم أستطع الكتابة بعدها ..
الغريب أنني لم أتعدَّ المرحلة الإعدادية في ذلك الوقت، ولا أذكر أنني كنت قد قرأت شيء ما دفعني للكتابة، ولكنها الفكرة .. فكرة القصة التي لاحت لي ولم أجد أحداً أسأله عنها، ربما حاولت إجابة نفسي بالكتابة .. ثم انقطعت بعد ذلك حتى المرحلة الثانوية، وكانت العودة مع مدام شلاطة .. لم يكن من طبيعتي أن أتقبل كلام بسهولة وبدون مناقشة ودليل وبقناعة مني .. وربما في تلك الفترة بالذات .. ولم يكن لدي معرفة وقراءة جيدة، فوجدت نفسي مباشرة أسأل خالي متعجباً إذا كان ما يقوله صحيح عن تلك الجريدة، فهل من المعقول أن تظل تكتب أسبوعياً تلك الموضوعات بدون أن يحاسبك أحد، أو ينكر وينفي ؟! بالطبع كان هناك ردود منه، ولكن صممت أُذني وتركزت فكرة واحدة لدي، أن لا تقتصر قراءتي على صفحة مدام شلاطة .. وكانت تلك البداية .. من جريدة لأخرى ثم من كتاب لكتاب، ولم أفوت فرصة الاستماع لحديث أمامي إلا وأشارك فيه .. وكنت أشعر بزهو وفرحة غامرة حين يؤَيَّد كلامي أو وجهة نظري ممن هم أكبر مني سناً، مما يدفعني للمزيد والمزيد من القراءة .. لم أنتبه وأنا أحكي لابني الأكبر وأحثه على القراءة أن ابني الصغير كان يسمع إلا حين فاجأني بسؤاله : ( يعني إيه شلاطة ؟! .. يعني شاطرة ؟!) .. ابتسمت وجاوبته.. ( هي فعلا ً كانت شاطرة ) ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق