كان يجلس على مقعد قريب من التليفزيون، كما اعتاد ذلك منذ أن ضعف بصره .. بينما تجلس هي في المقعد المواجه له .. ويحتل أولادهما الثلاثة الضلع المقابل للتليفزيون ينظرون لوالدهم ليروا ماذا سينتج بعد أن صمت طويلاً وقطب حاجبيه .. كانت الساعة قد قاربت التاسعة مساءاً في يوم الثلاثاء من شهر يناير عندما تم إعلان حالة الطواريء القصوى والقيام بحملة نظافة وتجديد شاملة .. هذا كله بمنزل " سيد " افندي .. ومن الطبيعي أن يكون السبب أمر هام يؤثر على مُجريات الأمور على مجتمع " سيد " افندي وخاصة على الخطط ( الاقتصادية ) التي وعدهم بها للإصلاح .. لذلك فهو يسمع لجميع الآراء والاقتراحات في جو يسوده الديموقراطية، ولأن " سيد " افندي يمنحها قليلاً كان لابد لها من منظم .. وهي حالة الطواريء حتى لا يسود المنزل نوع من الفوضى والاضطراب .. الساعات تمر والكل يعمل كخلية نحل .. الجميع يعرفون نوع عمل كل منهم .. فالأخت الصغيرة تقوم بتنظيف المنزل من الأرض حتى السقف، واقفة على كرسي تحمل عصا طويلة ينتهي أعلاها ببعض الريش القصير .. تحدث نفسها مازال هناك بعض العناكب التي تسللت في غفلة إلى هناك في الركن الأيمن .. متمنية هي الأخرى لو أنها قد أنهت دراستها .. حتى الأخ الوحيد يقوم بمساعدة والدته على مضض في فك ما استعصى عليها من صناديق معبأة بحاجيات طال انتظار استعمالها .. ما كاد ينفتح الصندوق حتى فاحت منه رائحة النفثالين المعتقة فتثير دهشته ويسأل أمه عن هذه الأشياء، فتخبره أنها موجودة وهو عمر سنتين .. يدق جرس الباب .. يدخل " سيد " افندي محملاً بمجموعة من الأكياس وعلب الكرتون .. كانت قد أوصته بها " أم أحمد " قائلة ربنا يطول عمرك ! يتوقف الجميع في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل .. تتفقد لجنة من الأم والأخت الصغيرة جميع محتويات المنزل .. تطول وقفتهم عند حجرة الجلوس .. ينظرون برضا إليها .. يرون الستائر كأنها تزغرد .. لا يدرون من الفرحة أم للإفراج عنها بعد قضاء المدة .. يتفقدون المقاعد .. ينظرون إلى الإضاءة بعد أن استكملوا المصابيح الناقصة .. الحجرة تبدو أكثر اتساعاً بعدما نقل أحمد سريره ومكتبه .. تسأل الأم عنها .. تنادي الأخت الصغيرة عليها وتجيب على نفسها : " لابد أنها ما زالت هائمة كعادتها " .. رائحة شيء يحترق .. الرائحة تزداد .. يسرعون إلى حجرة النوم .. كما قالت أختها .. يجدونها تقف بدلال أمام المرآة .. ينظرون إلى اليسار .. يجدون المكواة قد أطبقت على الفستان الأحمر الدانتيل فأحرقت طرفه .. ينهرونها .. ماذا نفعل ؟! ليس فستانها .. يحاولون إنقاذه بدون جدوى .. يستيقظون في الصباح الباكر ليتدبروا الأمر .. الساعة تعلن الواحدة ظهراً .. جرس التليفون يدق .. يقوم " سيد " افندي ببطء ليرفع السماعة .. أهلاً وسهلاً .. خيراً .. لا آسف ولا حاجة .. يعود الأب .. الكل يبدو أنهم فهموا ماذا تعنيه المكالمة .. تسأله " أم أحمد " .. فيجيب ( يعتذرون عن الحضور وسوف يخبروننا بموعد الزيارة القادمة ) .. يعود الوضع إلى ما كان عليه ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق