لحظات كئيبة، تلك اللحظات التي ينفض فيها جيرانها وأقاربها عنها، فالظلام قد أسدل ستائره حول قرص الشمس معلناً قد حان ليلٌ جديدٌ .. أشعلت جدتي ( أو هكذا كان الجميع ينادونها ) المصباح الكيروسين، تركها الجميع، ثم خرجت أنا وأمي أخيراً .. كانت تستأنس بجلوسنا معها، وكنت أستأنس بجدتي هذه أكثر، أرى فيها إرادة وصبر، أتعلم منها، فهي ينبوع التجارب والحكمة ..
كانت عجوز، طيبة القلب، لذلك كان أهل القرية جميعهم يُلبُّون حاجاتها عن طيب خاطر، تعيش بمفردها في دارها الصغير، كل ما يشغلها هو تجهيز ما ستبيعه غداً وما يحتاج إليه أطفال القرية لكي تشتريه لهم .. فمنذ أن رحل زوجها عم " أبو أحمد " منذ أعوام وهي على هذه الحال، فقد حزن على ولده " أحمد "، وحيدهما الذي تأخرت رسائله عنهما بعد قيام الحرب بعامين، كان قد ذهب مثل أقرانه بالقرية للعمل بالعراق، ليحقق حلمه وحلم والده، يبني لهم الدار الصغيرة بالطوب المحروق والحديد المسلح، يفتح دكانه بالدار، يتحايل بها على قوته اليومي .. ظنَّا أنه استشهد في الحرب، وإن لم يكن ذلك صحيحاً فَلِمَ عاد صديقه " حسين " ولم يعد هو ؟!
توضأت، أتمت صلاة العشاء، تمتمت ببعض آيات القرآن، تأكدت أن الأبواب موصدة جيداً، برغم حالها هذا كانت تعتقد أنه من الممكن أن يقتحم دارها أحد اللصوص، ويقتنص أكياس الملبس والفول واللب وبعض البالونات، ولم يكن هؤلاء اللصوص سوى الأطفال الذين اعتادوا معاكستها، بدأت عيناها تغفل، سمعت بعض الأصوات تقترب ناحية باب دارها، انتبهت، كأن يداً تنبش بأوراق، تُحْدِثُ صوتاً أقرب لحفيف الأشجار في أيام الخريف، صوت أنين، كأنه جريح يشكو من ألم، تذكرت ولدها .. دمعت عيناها، ربما وحيدها قد أتى، تشجعت، جففت دموعها، أمسكت بعصاها الغليظ، قد يكون أحد اللصوص، اقتربت من الباب في بطء .. من بالخارج ؟! لم يرد أحد، فتحت الباب بسرعة، لم ترَ أحد ، شيء ما قد ولج بالداخل مسرعاً، طاف بأنحائه في فرحة، ينزف دماً من ساقه، جسده مبلل وملطخ بالطين، كأن هناك من يطارده وفاجأه المطر في الطريق، لم تُصدِّق نفسها، أغلقت الباب، أحضرت له إناء من الماء وغطاءه القديم، شرب .. نام .. هز ذيله في فرح .. لم يَعُدْ لها سواه، كانت قد افتقدته منذ ثلاثة أيام، حتى ها هو الآن، ربتت بيدها على جسده، نبح معلناً أسفه ..
كانت عجوز، طيبة القلب، لذلك كان أهل القرية جميعهم يُلبُّون حاجاتها عن طيب خاطر، تعيش بمفردها في دارها الصغير، كل ما يشغلها هو تجهيز ما ستبيعه غداً وما يحتاج إليه أطفال القرية لكي تشتريه لهم .. فمنذ أن رحل زوجها عم " أبو أحمد " منذ أعوام وهي على هذه الحال، فقد حزن على ولده " أحمد "، وحيدهما الذي تأخرت رسائله عنهما بعد قيام الحرب بعامين، كان قد ذهب مثل أقرانه بالقرية للعمل بالعراق، ليحقق حلمه وحلم والده، يبني لهم الدار الصغيرة بالطوب المحروق والحديد المسلح، يفتح دكانه بالدار، يتحايل بها على قوته اليومي .. ظنَّا أنه استشهد في الحرب، وإن لم يكن ذلك صحيحاً فَلِمَ عاد صديقه " حسين " ولم يعد هو ؟!
توضأت، أتمت صلاة العشاء، تمتمت ببعض آيات القرآن، تأكدت أن الأبواب موصدة جيداً، برغم حالها هذا كانت تعتقد أنه من الممكن أن يقتحم دارها أحد اللصوص، ويقتنص أكياس الملبس والفول واللب وبعض البالونات، ولم يكن هؤلاء اللصوص سوى الأطفال الذين اعتادوا معاكستها، بدأت عيناها تغفل، سمعت بعض الأصوات تقترب ناحية باب دارها، انتبهت، كأن يداً تنبش بأوراق، تُحْدِثُ صوتاً أقرب لحفيف الأشجار في أيام الخريف، صوت أنين، كأنه جريح يشكو من ألم، تذكرت ولدها .. دمعت عيناها، ربما وحيدها قد أتى، تشجعت، جففت دموعها، أمسكت بعصاها الغليظ، قد يكون أحد اللصوص، اقتربت من الباب في بطء .. من بالخارج ؟! لم يرد أحد، فتحت الباب بسرعة، لم ترَ أحد ، شيء ما قد ولج بالداخل مسرعاً، طاف بأنحائه في فرحة، ينزف دماً من ساقه، جسده مبلل وملطخ بالطين، كأن هناك من يطارده وفاجأه المطر في الطريق، لم تُصدِّق نفسها، أغلقت الباب، أحضرت له إناء من الماء وغطاءه القديم، شرب .. نام .. هز ذيله في فرح .. لم يَعُدْ لها سواه، كانت قد افتقدته منذ ثلاثة أيام، حتى ها هو الآن، ربتت بيدها على جسده، نبح معلناً أسفه ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق