الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

حدث بعد منتصف الليل " قصة قصيرة - 1992"



شيء ما يؤرقها ويمنعها من النوم .. تشعر باختناق .. بضيق في صدرها .. لا تدري ما السبب .. لم تعد تستطيع مذاكرة دروسها .. كلما داعب النوم جفونها، هرعت فرحة إلى فراشها كطفل خائف يرتمي في أحضان أمه .. لكن هيهات فسرعان ما يعاودها نفس الشعور .. فلم تعتاد أن تعيش بمفردها .. لا تدري إن كان والداها على حق أم لا ؟! فقد أصرا أن تدرس السنة الأخيرة من مرحلة الثانوي في بلدها حتى لا يكون هناك عقبات عند التحاقها بالجامعة، لكن أكان يجب عليهم أن يرافقوها أم يكتفون برعاية جدتها لها وما يرسلونه من نقود وحقائب ملابس ؟! تسأل نفسها ولا تجد إجابة !! أغلقت نافذة شرفتها ثم هوت إلى فراشها قابضة بكلتا يديها على رأسها .. أمسكت بعلبة الأقراص المهدئة التي أعطتها لها صديقتها وهمَّت أن تتناول منها ولكنها تراجعت بسرعة .. لا تعرف لِمَ أخذتها منها ! ربما لأنها صديقتها الوحيدة .. أو أقرب الزميلات إليها .. فسنوات سفرها الماضية أفقدتها كثير من صديقات الطفولة .. فكرت أن تكتب لوالدها لعل في هذه المرة يلبون رجاءها .. لكن سرعان ما تلاشت الفكرة من رأسها .. فقد يئست من هذه المحاولة .. نظرت إلى التليفون بجوارها .. فكرت فيمن تتصل به لتؤنس وحشتها في هذا الليل الكئيب علها تخلد للنوم .. تذكرت أن الساعة تجاوزت الثانية عشر بقليل والوقت لم يعد مناسب .. السكون يخيم على أرجاء المنزل، لا يقطعه سوى صوت جدتها النائمة عند كل شهيق وزفير .. حتى أن برامج التليفزيون لم تعد مسلية وربما انتهت الآن .. شعرت بغربة لم تلمسها في غربتها ..

تذكرت عندما كانت في زيارة عمتها الخميس الماضي، عندما ضحك عليها بنات عمتها حين احمر وجهها خجلاً لسماع أخيهم يتحدث عن مغامراته في التليفون ..أحست بفكرة شيطانية تراودها .. ترددت أن تفعلها .. كانت تسمع كثيراً من زميلاتها في المدرسة عن ذلك ويضحكن بلا مبالاة .. لم تتصور يوماً أن تفعل هذا أبداً .. شعرت برغبة ملحة عليها لأن تجرب .. ولمَ لا ؟ فلن يعرف أحد .. هكذا حدثت نفسها .. أدارت قرص الأرقام عابثة وسرعان ما سمعت رنين تليفون الطرف الآخر .. وانتابها خوف واضطربت دقات قلبها ولم تعرف ماذا تقول ؟!

- ألو .. ألو .. هانتظر دقيقة وأضع السماعة .. قالها بصوت حاد ..

وسرعان ما تمالكت نفسها ودار بينهما حديث طويل .. صارحته كيف اتصلت به .. عرفت عنه كل شيء تقريباً .. يعيش مع زوجة أبيه، فوالده دائماً مشغول عنه .. ربما لا يعرف في أي كلية أو أي سنة دراسية .. اتفقا أن يكونا صديقين .. لكن في التليفون فقط .. هكذا قالت له .. وعدته أن تتصل هي به بعد أن رفضت أن تعطيه رقم تليفونها .. لم ينته الحديث إلا حين سمعت صوت جدتها تقوم لتصلي الفجر .. خجلت من نفسها حين سمعت صوت الآذان .. تذكرت أنها لم تعد تصلي .. أصوات تتصارع داخلها .. تقنع نفسها أن ما فعلته ليس خطأ .. ولكنها توقن أنه ليس صواب ..

كانت المرة الثانية .. لا تدري كيف أدارت قرص الأرقام ولم ينتابها الخوف هذه المرة التي سمعت فيها جدتها كل الحوار .. اندهشت لما أصابها من تغيير .. حاولت أن تردعها عن فعلتها، فهددتها أن تخبر والدها، ولكنها لا تقوى على ذلك فهي تعرف كم هو قاسي .. لذا أرسلت لوالدتها .. فأرسلت الوالدة لابنتها ترجوها أن تكف عن عبثها وتعدها بالحضور في أجازة نصف العام .. لكنها لم تبالي .. ولم يعد يكفي التليفون .. قررا أن يلتقيا ليرى كل منهما الصورة التي رسمها للآخر في خياله .. انتظرها بسيارة أبيه الفاخرة .. انطلقا معاً .. أخبرها أنه قد تأخر عن موعد والده ويجب أن يعود .. ألحت عليه أن يبقى فكم تحب لحظة الغروب .. لمحت أحد أقاربها .. أخبرته .. انطلق بالسيارة مسرعاً .. اصطدم فانقلبت السيارة .. لم تعد تتذكر شيء ..أرسلوا لوالدها .. فوعدهم بالحضور ، فمشاكل العمل كثيرة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق