http://www.almogaz.com/opinion/news/2011/12/28/131708
لم يكن مبارك منذ اليوم الأول لحكمه يُظهر أي نية حسنة للشعب المصري
.. فقط كانت خطة ذكية بمراحل تدريجية نحو القهر والخنوع والاستسلام .. لا ننسى أنه
منذ خطاباته الأولى كان يستهلها بالتركة المثقلة بالديون وبالأيام السوداء التي
سوف نعيشها حتى نخرج من عنق الزجاجة وذلك يتطلب منَّا أن نشد الحزام حتى وجدناهم
بدلاً أن يُخرجونا من عنق الزجاجة قفلوا علينا الزجاجة كما قالت الفنانة سهير
البابلي في مسرحيتها العظيمة / على الرصيف ..
يذكرني ما حدث للشعب المصري طيلة ثلاثين عام ، نكتة جميلة يطالب فيها
أحد الفقراء قارئ كف أن يقرأ طالعه ، وبعد أن ينظر في كفه :
-
قارئ الكف : أنت فقير جدأ !! ..
-
الفقير : عارف والله وإيه الجديد ؟! ..
-
قارئ الكف : هتعيش كده كمان عشرين سنة ..
-
الفقير : وبعدين ؟! ..
-
قارئ الكف : مفيش .. هتكون أخدت على كده !! ..
هذا ما حدث للشعب المصري .. كل خطاب يَمِنْ علينا المخلوع أنه افتتح
كوبري أو طريق جديد ثم يبدأ الإهانات أن تعدادنا يتزايد وهو يلهث كي يكفي
احتياجاتنا وللأسف لا يستطيع .. وبدلاً من أن يضع الخطط لكي يستفيد من طاقات شعبه
التي تُعَد أحد مقومات الإنتاج والاقتصاد لم يرها ( ثورة بشرية ) .. ولم يَكُف عن
ذلك حتى في آخر خطاباته .. فهاجرت أجيال على أمل العودة .. وضاعت أحلام أجيال أخرى
في اللهث لتكفي احتياجاتها .. فذابت الطبقة المتوسطة وكادت أن تختفي .. أصرَّ النظام على أن يبرز ذلك في مسلسلاتنا
وأفلامنا ، نوعين من المجتمع وأصر على وجودهما : مجتمع العشوائيات ومجتمع القصور
مترامية الأطراف .. كل كان له صفاته ومميزاته التي لا يمكن أبداً أن تؤدي إلى ثورة
.. فالأول لا يستطيع أن يلتقط أنفاسه لكي يقوم بثورة والثاني يرى أن النظام أوجد
أفضل بيئة له كي تنمو ثرواته ..
نجح النظام أن يخلق كل القوانين والنظم ويشجعها لكي تؤدي بالفقراء إلى
فقرٍ أشد .. والأغنياء إلى غناء فاحش ..
والأمثلة كثيرة .. بدءاً من سياسة الخصخصة وما حدث فيها من سرقات ونهب
وبيع الشركات والمصانع بثمن بخس وبقروض وبأموال المودعين من الشعب .. وتسريح
العاملين فيها بمعاش مبكر لا يسمن ولا يغني من جوع مما زاد من الفقر والبطالة
والعشوائيات والسماح بوجود أسماء ممن سموا أنفسهم برجال أعمال لا نعلم من أتوا
بأموالهم ..
-
لم يكتفِ النظام بذلك بل كاد يكون قد شرَّع انتشار الرشوة بين موظفي
القطاع العام .. ولو جهاز الكسب غير المشروع بحث ثرواتهم بكل بساطة لوجدنا معظمهم
لا يستطيع إثبات دَخلهم .. وأنا على ثقة أننا نعرف الكثير منهم ونراهم حولنا بلا
خجل يعيشون ويَتْرَفون وكأنهم نسوا أن الجميع يعرف ثرواتهم المحدودة ودخولهم
البسيطة ..
-
لا يحمي الفساد غير فاسد مثلهم .. ولا يرعى البلطجة غير بلطجي كبير
مثلهم ..
-
أعداء الثورة كُثر .. والشر دائماً شرس ولكنه دوماً ضعيف وينهزم في
النهاية .. إذا ما تم مقاومته ..
-
يقول عباس العقاد : إن الإنسان لا يختار الشر وهو يعرفه بل يُساق إليه
بجهله أو بعوارض المرض والفساد فيه ، ولكنه لا يُساق إليه بتقدير الآلهة ، لأن
الآلهة خير لا يصدر عنها إلا الخير ، والحياة الإنسانية التي تكون خيرة لأنها كذلك
ولا يمكن أن تكون غير ذلك ليست بخير يغُبط عليه الإنسان ولكنها تكون خيِّرة لها الفضل
في خيرها إذا اعترضها الشر فجاهدته وانتصرت عليه في هذه المجاهدة ..
-
أعني .. لم يكن هناك للثورة أن تقوم في 25 يناير 2011 وتنتهي في شهر
محققة أهدافها النبيلة بكل تلك البساطة واليسر ..
-
كان لابد من وجود المجلس العسكري .. كان لابد من وجود الفلول .. كان
لابد من الثورة المضادة حتى يكون للثوار معنى وللثورة غاية لا فقط بل تستمر حتى
تقضي على هؤلاء جميعاً ..
-
كان لابد أن نرى نفس إرهاب مبارك المتمثل في استخدام المجلس العسكري
وإعلامه بأسلوب نفسي يبث رُهاب الثورة بين الشعب .. فإذا كان المثل : " لا يَفِل
الحديد إلا الحديد " .. توصل المجلس إلى أنه لن يَفِل تلك الثورة الشعبية إلا
الشعب نفسه .. يأكل ويقضي بعضه على بعض ..
فتارةً يقتلنا ويصيبنا ويتهمنا منذ البداية بالأجندات الخارجية
والأصابع المندسة والعمالة والتمويل والتخوين .. ثم يُفَتِّتُنا إلى إسلاميين
وسلفيين وليبراليين وشيعة وأقباط وعلمانيين وتاه في وسط كل ذلك الزحام بقية من
الشعب لا أقل عنهم جهلة ولا صامتين بل لأنهم سلَّموا من البداية أنفسهم لمقدرَّات
إلهية ونَأَوْا بأنفسهم عن هذا الزخم وقفلوا عليهم أبوابهم لتربية أولادهم ..
-
وفي نفس السياق الذي استخدمه مبارك يهددنا المجلس العسكري بالوضع
الاقتصادي وأننا على شفا حفرة من الفقر المدقع والدمار .. لكي يترحم الشعب على
مبارك ونظامه العظيم الفذ ونتساءل ألم يكن أرحم من ذلك على الأقل كنا في أمن وكنا
نأكل ونشرب .. ماذا استفدنا ؟! ..
في 25 يناير 2012 سيعاد المشهد من جديد .. سيكون هناك احتمالات ثلاث (
بتقديري ) :-
1- إما أن يُعاد المشهد
بكامل قوته في جميع المحافظات ويبدأ الثوار في الضغط ورفع سقف المطالب وسيقف
المجلس العسكري موقف المخلوع يقطرنا بالخطابات العقيمة ..
2- أو أن المشهد سوف
يقتصر على التحرير لليلة واحدة
يَتَرَحَّمون فيها على ذكرى ثورة وذكرى شهداء ويرحلون ليلاً إلى بيوتهم ..
3- أو حدوث التصادم سواء
كان من الشرطة أو الجيش أو اللهو الخفي كما يدَّعون .. وسقوط العديد من الضحايا
والمصابين وتفجير الوضع ..
فهل أعد المجلس العسكري العدة لهذه السيناريوهات أم أنه راهن على
القضاء عليها نهائياً بأي ثمن حتى لو كانت النتيجة وَكْسَة على مصر أشد من نكسة 67
..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق