الثلاثاء، 12 فبراير 2019

صديقي العزيز جوجل(14)



صديقي العزيز جوجل(14)
بالطبع تعلم أني منذ أسبوع بحثت على موقع "خرائط جوجل" عن مكانين ولكي تستكمل معلوماتك فسأحكي لك القصة كاملة، لقد تصادف في نفس اليوم وقوع حالتين وفاة، كل منهما أم لصديق، المكان الأول تحول إلى فناء مدرسة مفتوح، منطقة للدروس الخصوصية، وتحولت شقق الدور الأرضي إلى فصول وكافيهات يرتادها الطلبة ما بين الدرس والأخر، وافترشوا الأرصفة ومداخل العمارات، لم يكن ينقص الحي إلا أن نرفع الأعلام لترفرف فوق أعمدة الإنارة، كنت أسير خلال تجمعات الطلبة للوصول إلى سرادق العزاء كمن يسير فوق رؤس المصلين داخل المسجد حاملا نعليه للفوز بثواب الصفوف الأولى، كل ذلك لم يعد مهم لي، فموضوع التعليم ومشاكله أصبح مرض مزمن، نتعايش معه كأمراض السكر والضغط التي انتشرت مؤخرا وأصبحت مألوفة، ولن تنال حظا يوما ما من حملة للقضاء عليها كحملة القضاء على فيروس"سي"كنت مشغولا بأمر أخر ليس أهم من التعليم لكن أعتقد أنه يصب في مصلحة التعليم وأعتقد أنه نتيجة في نفس الوقت لرداءة التعليم.
كنت قررت أن أستعين لأول مرة بتاكسي من شركة "كريم" فالوصول إلى مشارف هذا الحي أمر أصبح شاق جدا، ومن المستحيل أن تجد هناك مكان لوقوف سيارتي،
ولن أشرح لك أسباب ذلك فأنت تعرفها جيدا، وسيطول شرحها الآن.
لاحظت على اسماعيل قائد السيارة أنه لا يحفظ الطريق، ولم أكن أتوقع أن ملاحظتى تلك كانت بمثابة المشرط الذي دفع بعدها اسماعيل ليقص علي حكايته.
أشار لي اسماعيل إلى يديه ووجهه ثم أزاح قميصه من أعلى بكفه، هذه أثار حريق مازلت أعاني منها،
اسماعيل قال: كنت أعمل بمخبز لمدة 20 عاما، فرن المخبز يعمل بالغاز ويحتاج إلى الصيانة لأنه يسرب غاز، وصاخب المخبز لا يستطيع أن يضحي بوقف العمل من أجل الصيانة، لقد أبلغته كثيرا بالتسريب ولم يهتم حتى وقعت الحادثة، وشبت النار في جسدي،
في المستشفى الحكومي أبلغني الطبيب أن عمليات التجميل تحتاج لأموال كثيرة، وإمكانيات المستشفى محدودة ولابد أن أقنع صاحب المخبز بالتأمين علي حتى تتكفل التأمينات بالإنفاق على العلاج، رفض صاحب المخبز قائلا: أنت عاوز تفتح على أبواب جهنم؟ عاوزني أعمل تأمين ل 160 عامل؟
استطرد اسماعيل قائلا: هو يدفع رواشي كثيرة ولا أدري لماذا لا يريد الاشتراك بالتأمينات؟
قال لي الطبيب : ليس أمامك حل غير أن تشتكيه.، بالفعل إشتكيته بموجب محضر الحريق، حضر بعدها صاحب المخبز ومعه محامي واتفقا على أن يتكفلوا بعلاجي والحمد لله وصلت إلى هذه الحالة، ونصحني بعض الأصدقاء والأهل بأن أعمل في شركة" كريم" واستطعت أن أحصل على مساعدات ودفعت مقدم السيارة، والآن أعمل حر نفسي وأصرف على أسرتي وأسدد قسط السيارة.
لم يدر اسماعيل أن صاحب المخبز لو أمن على 160 عامل فسوف يدفع ضرائب مضاعفة، لذلك فقيمة الرشاوي أقل بكثير مما يكسبه.
ولم يدر اسماعيل أن اشتراك التأمين مبلغ زهيد لو تحمله من راتبه ولكنه سيؤمن له معاش يستر أسرته لو أصابه مرض أو توفاه الله.
ولكن هل ياجوجل لم تدر الحكومة أو وزير المالية أو رئيس مصلحة الضرائب أو لم يخطر على بالهم أنه كلما زادت نسب الضرائب وأنواعها كلما زادت نسب التهرب الضريبي؟
هل لم يخطر على بال وزير المالية الذي يرفع كل عام المبالغ المستهدفة من حصيلة الضرائب أن كل الطرق والأساليب القديمة لم توت ثمارها وعليه أن يطورها؟ هل يتم اختيار أصحاب العقول العقيمة أم أن هناك من أصحاب النفوذ من يحول دون أي تطوير؟
يقول بعض الناس الطيبين أن الإنتقاد سهل وأن من ينتقد عليه أن يقدم الحل، وإذا ما قدمنا حل وجدناهم صم بكم .
في طريقي لسرادق العزاء الثاني كنت مازلت مشغول بأمر اسماعيل، شاءت الصدفة أن يجلس بجواري محاسب قانوني، لم أره منذ عقدين، قلت له : أعتقد أن مهمة مراجعة الحسابات الآن أصبحت يسيرة مع انتشار برامج المحاسبة والكمبيوتر ، ضحك المحاسب طويلا ثم قال: عندنا مشكلة كبيرة لم نتخلص منها، كل الكيانات الفردية مهما كان حجم أعمالها يصل للملايين سنويا يستخدمون النوتة، لا يؤمن بعمل المحاسب، ويخاف أن يطلع على أرباحه أي شخص، ومهما تعرض لأخطاء وخسائر لا تثنيه عن تغيير مفهومه، في الطريق إلى البيت، برغم أني ضد رفع أي أعباء على المؤسسات وضد رفع نسب الضرائب وتنوعها إلا أني تصورت أن الحل يتلخص في الآتي:
1.
إلزام جميع أصحاب المنشآت بالتأمين على العمالة.
2.
حملات اعلامية لزيادة وعي العامل بضرورة التأمين.
3.
تشديد العقوبة المادية على غير الملتزم.
4.
حملات تفتيش من الأجهزة الرقابية لمتابعة أداء موظفي التأمينات.
5.
ربط الملف الضريبي بملف التأمينات.
6.
الزام جميع المؤسسات التي تعمل كمثال بحجم أعمال 5 مليون سنويا بتعيين محاسب وتقديم ميزانية وليس إقرار ضريبي وهذا من شأنه خلق فرص عمل وزيادة حصيلة الضرائب بدون فرض ضرائب جديدة.
7.
تخصيص مبلغ من حصيلة الضريبة لكل محافظة للإنفاق على التعليم والصحة لحث الممول على السداد وعدم التهرب.
عدت إلى البيت ونويت أن أكتب لك عن الحل وقد انتابني شعور بالسعادة سرعان ما تلاشى حين قرأت خبر يقول أن وزيرة الصحة
تمهل أسبوعين فقط لتنفيذ "الفيزيتا" أى إعلان أسعار الكشف و إعطاء سند مقابل المبالغ علي
عدد 38.600 عيادة خاصة و 4620 مركز طبي و 1460 مستشفي خاص، و إلا الإغلاق فوراً وتخيلت لو أغلقت هذه الأماكن الطبية ليوم واحد ماذا سيحدث خاصة حين قرأت ما قاله الدكتور على محروس، رئيس الإدارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص الطبية، إن القطاع الخاص يمثل 70% من الخدمة الصحية المقدمة للمواطنين.
وتأكدت أني ضيعت وقت طويل في التفكير .
20 أكتوبر 2018م
#صديقي_العزيز_جوجل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق