لم يذهب للكلية ذلك الصباح فلم يستطع النوم ليلة أمس .. فاليوم موعده مع أماني، موعد طال انتظاره وكم تمناه .. فهي قد حددت علاقتها معه منذ اليوم الأول، لا انفراد يجمعنا، ولا أحاديث خاصة، فقط بين باقي الزملاء، ولكنها كانت الصدفة وحدها، أو هكذا شاءت الأقدار أن تلفظ بذلك أمامه، حينما ذكرت أنها يجب أن تذهب لمصلحة حكومية .. التقط سامح الكلام فكانت بمثابة فرصته الوحيدة لكي يلقاها خارج الكلية، سيسهل لها الأمر بواسطة والده الذي يعمل هناك .. ولكنه تردد أن يخبر والده لعلها لا تحضر، أو لأن والده دائماً ما يرفض الزيارة بعمله، فضَّل أن تكون الزيارة مفاجئة، الموعد في الثانية عشر ظهراً، لم يبقَ أمامه سوى دقائق معدودة، أسرع إلى الشارع .. استقل تاكسي سريعاً .. في الطريق كانت أفكاره وكلماته تتسابق وتتشابك لما سيدور في حديثه معها بعد الانتهاء في أثناء طريق عودتهم، ويتخيل ما سيبلغه لوالده وأمه، هل يحكي لهم عنها أم لا يتعجل؟ .. هوالآن في السنة النهائية للكلية .. العام الماضي والده رفض الخوض في أي نقاش معه أو مع والدته في اتخاذ أي خطوات للخطوبة .. لا ينسى كلمة والده حين أَخْبَره بحزم : ( لن أوافق على شيء حتى يتم التخرج ويكون لك وظيفة ودخل ثابت ) .. حينها سأله: ( حضرتك ممكن اشتغل معك حتى لو تعاقد؟، والرواتب عندكم جيدة والحمد لله ) .. أعتقد الآن لن يرفض أبي، بقي أشهر قليلة وتبدأ الاختبارات، سأذكرها بذلك أكيد بعد الخطوبة .. يحدث نفسه مبتسماً .. ثم سرعان ما تتلاشى البسمة وتطير جميع الخيالات من رأسه حين يسأله السائق : ( إيه رأيك يا كابتن في موضوع الأجور؟! ) لم يكد يرد .. حتى يستطرد السائق : ( أنا مثلاً مدرس تربية رياضية .. أزود دخلي إزاي ؟! .. اشتغلت في محل حلويات فترة ومشيت، مع إن دخلي كان كبير لكن كان بيغش الحلويات، تبقى من أسبوع وتنبيه عليك لازم وإجباري تكذب وتقول طازه، الحمد لله موضوع قروض البنك ده حل أزمتي واشتريت التاكسي ده، وأخذت أجازة بدون مرتب لغاية ما أسدد أقساطه وربنا يسهل علينا ) .. دق الموبايل .. كانت أماني .. أخبرها أن دقائق ويصل لكنه لاحظ نبرات صوتها غير عادية ربما كانت متضايقة لتأخيره .. لم يعد يستمع لصوت السائق .. حين وصل إلى المصلحة؛ صعد بسرعة إلى أعلى .. كانت في استقباله وعليها علامات الغيظ والغضب .. حاول أن يفهم منها .. أنصت إليها .. ( زي ما إنت شايف زحمة من ساعة ما وصلت، شوف الموظف اللي هناك ده .. ما بطلش أخذ فلوس .. كل واحد بيجي أدامه يحط الفلوس كأنها رسوم .. المهم لما الظهر أذَّن أخذ الفلوس بكل هدوء وحطها في الدرج، وقال للناس نصلي يا جماعة أول وبعدين نكمل .. شوف الوقاحة !! بذمتك تسمي ده إيه ؟! بذمتك ده مش بيتكسف يقف يصلي ؟! إزاي ده يقبل يدخل على أولاده أكل حرام ؟! أنا كنت هاعمل حاجة بس اترددت .. كنت هاسأل على والدك وأروح أقول له إزاي الموظف ده بيعمل كده ؟! بس خفت أسبب مشاكل ) .. تجمد الدم في عروق سامح وشعر بصداع شديد لكنه سرعان ما تمالك نفسه، انتظري لحظة .. سأعود حالاً .. ذهب لعامل البوفيه .. أرسله بالأوراق لوالده .. عادت الأوراق وقدمها لأماني .. صديق والدي ساعدني بإنهائها .. والدي في اجتماع مع المدير .. لم تكُف أماني عن الحديث .. لازم تبلغ والدك عن الموظف ده .. أثناء العودة كان المذياع ما زال يناقش حد الأجور .. كانت أماني تتحدث وتضحك وتشكره .. كانت صورة والده مازالت أمامه .. أدرك أنه لن يحدث والده وأمه عن أماني أبداً ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق