الخميس، 9 مايو 2013

قراءة نقدية في المجموعة القصصية"انتظار الرحلة الملغاة" للقاص محمد المنصور الشقحاء

قراءة نقدية في المجموعة القصصية"انتظار الرحلة الملغاة" للقاص محمد المنصور الشقحاء
د. ياسين فاعورنقلا عن موقع القصة العربية ..
أولاً: تقديم: "انتظار الرحلة الملغاة"، هي المجموعة القصصية الرابعة، للقاص السعودي محمد المنصور الشقحاء، بعد ثلاث مجموعات قصصية، ومجموعتين شعريتين "معاناة 1397" و"بقايا وجود 1398".تمتدُّ على مدى مائة وسبع وثلاثين صفحة من الحجم المتوسط، وتضم تسع عشرة قصة قصيرة، متفاوتة في عدد صفحاتها، أقصرها في ثلاث صفحات "أشياء صغيرة"، وأطولها في عشر صفحات "البحث عن عبير".وتحمل عنوان القصة الحادية عشرة "انتظار الرحلة الملغاة"، وتقع في ست صفحات، يوثِّق القاص تاريخ كتابة كلِّ قصة، فقد كتبت جميعها ما بين عامي "1396ه 1401ه)، وأغفل توثيق كتابة قصصه "الدوامة، الموت، الصراع، أشياء صغيرة" لغاية في نفس القاص، وذيِّل قصصه الثلاث الأولى بنجمتين، في حين ترك القصة الرابعة "أشياء صغيرة" طليقة بدون تقييد.غلاف المجموعة للفنان فهد الربيق، والرسوم التوضيحية للفنان أحمد خوجلي.يحفز عنوان المجموعة "انتظار الرحلة الملغاة"، وعنوان القصة الحادية عشرة، وصورة الغلاف في شرود شخوصها، وتأملاتهما، وخيال الثالث وظلِّه، والوردة الحمراء، وتمازج ألوان اللوحة قارئ المجموعة لتقليب صفحات المجموعة، والتعرف على محتوياتها، حيث يُقدِّم له الفهرس عناوين القصص التالية "النتائج المرتقبة، 24ساعة بدون هوية، الهدوء الممل، الرغبة، عبث الحياة، الضياع، يوم بدون ساعات، الوباء، الدوامة، انتظار الرحلة الملغاة، البحث عن عبير، الانتماء، الموت، الانفصال، أسطورة الحب، أوراق من مذكرات رجل في الخمسين، الصراع، أشياء صغيرة".عناوين مثيرة، تبدو للوهلة الأولى متباعدة، لا رابط بينها، وعندما يسارع إلى حلِّ لغز العنوان، وصورة الغلاف، تشدّه قصة العنوان "انتظار الرحلة الملغاة"، ليطالع فيها قصة حب، وقفت الأعراف والتقاليد حائلاً دون تتويجه بالزواج المأمول "فإذا بكل شيء ينهار بمقدم ابن عمها لتتزوج. وتسافر مع أسرتها إلى الرياض للإقامة هناك. لا شيء كان يشدها إلى ابن عمها سوى رابطة الدم، وإصرار والدها على أن يجازي أخاه الأكبر لقاء قيامه على شؤون الأسرة عندما غاب والدهم..." (ص76).تقلق أخبار الرحلة الملغاة راوي القصة وبطلها، كما يقلق عنوان المجموعة والقصة الحادية عشرة قارئ المجموعرأسي.دما يكشف الراوي سر الرحلة الملغاة، يتكشف سرُّ عنوان المجموعة وقصصها، فإذا بها لوحات فنية، وأحداث وأخبار تصوِّر حياة الإنسان في بيئة الطائف وجدة والرياض مرتحلاً ومقيماً، مشاعر وأحاسيس، وعواطف وتصرفات وعلاقات.ثانيا: المجموعة القصصية: تقع المجموعة القصصية في مائة وسبع وثلاثين صفحة من الحجم المتوسط، وتضم تسع عشرة قصة قصيرة متفاوتة في عدد صفحاتها، تقدِّم صوراً للإنسان العربي في منطقة محددة "الطائف" في حياته ومشاعره وعواطفه وسلوكه.تقدم القصة الأولى "النتائج المرتقبة" الإنسان وهو يواجه ظروف العمل الصعبة التي تثقل كاهله "أحسست بدوار في رأسي... وشعرت بشيء في قدمي... إذ خُيِّل إليَّ أنني أقف على أطراف أصابعي منذ مليون عام" (ص10).كما تصوّر القصة الثانية " 24ساعة بدون هوية" الحياة الاجتماعية ظروف العمل وقسوتها والحياة الأسرية ومتطلباتها وقسوة الحياة، وروتين الزمن القاسي فيها، الزمن ذلك السيف المسلَّط على رأس الإنسان، يتربص به، لينقض عليه "شعر بالحزن، ونهض من مكانه، واتجه في تخاذل إلى فراشه، باحثاً عن النوم، رغم أن الوقت مازال مبكراً، فأحاسيسه الداخلية المنهارة شلَّت كل شيء" (ص21).وتقدِّم القصة الثالثة الإنسان في حياته؛ اليتم والزواج والدراسة والبحث عن العمل، والزواج ودوره في اختيار الزوجة "لكنَّ الملل الذي تسرب إلى أعماقه، دفعه إلى هجر مقاعد الدراسة والبحث عن وظيفة، توّظف متنقلاً من دائرة إلى أخرى، وقبل أن يصل إلى هذه المحطة، قرر الزواج، ووجدها فتاة طيبة، كان لوالدته الأثر في اختيارها وتزوجها وتزوج هذا العمل" (ص25).وتقدِم القصة الرابعة الإنسان في مشاعر الشك القاتل، الشك في كلِّ ما يحيط به "البداية مجهولة، إما شيء في داخله، ارتاب من كلِّ ما حوله هناك، من يقول إنَّ الرائحة الكريهة تكشف عن نفسها وتدلُّ الباحث على مصدرها" (ص29).وتصوّر القصة الخامسة "عبث الحياة" الحسد الذي يتفشى في المجتمع، وينشب أظافره مهدماً الحياة والعلاقات "إنهم يتمنون قتل الفرح المزروع في عيني رغم أنه ساتر عجيب لما تعيشه أعماقي من قلق وحزن مردّه نظرة الآخرين نحوي" (ص37).وتقدم القصة السادسة "الضياع" الإنسان في بحثه عن حبيبته، وقد هجرته، فجاب البلاد جدة والرياض بحثاً عنها، في اليقظة والحلم، وتنكشف له حقيقة الحياة مُرة وأن الأمور تجري على عكس ما يتمنى.وتصوّر القصة السابعة "يوم بدون ساعات" مشاعر الإنسان حين يتعرض لصدمة خطف، وساعات الزمن الطويل التي تقتل الأعصاب والأحاسيس.وتوضِّح القصة الثامنة "الوباء" صورة الغيرة القاتلة، غيرة الزوجة على زوجها ومن تصرفاته، فتهزّ المشاعر، وترهق النفس "كانت ابتسام تغار من كل ما يدور حولي، ترسم الخطط لمواجهة ما يقوم به بنات الحي من رسومات وأمان لإيقاعي" (ص55).وتقدم القصة التاسعة "الوباء" صورة الإنسان في طموحه الذي يتجاوز قدراته ويتعب، ويتعب لتحقيق حلمه، وتمر الأيام، ويتغير كل شيء، ما عدا عواطفه ومشاعره الحالمة المسربلة برداء جديد هو التردد والخوف من الوقوع مرة ثانية ضحية الأيام" (ص61).وتصوّر القصة العاشرة "الدوامة" تيه الإنسان في خضم حياة متلاطم لا يجني من جدِّه إلا الضياع والتيه وزيف العلاقات "ولم أجد في داخلي قبولاً للمدعو محمد إذ أنه زرع في أعماقي دائرة ضخمة من النفور والاشمئزاز... وعلامات استفهام لا تحصى أخذت تشاركني خطواتي معلنة في قسوة عن بداية مرحلة جديدة من الصراع... ورغم ذلك رحبت به".وتبرز القصة الثانية عشرة "البحث عن عبير" بحث الإنسان عن ذاته ومشاعره وأحاسيسه، بحثه عمن يحب عندما تقف الأعراف والتقاليد حائلاً دون تحقيق حلمه "حدثتني عن زوج تقدم لها،ولكن كانت لا ترغب في الزواج، ليس هروباً من الزواج كمبدأ، ولكن لمشاعر أخرى، هي أحلام الفتاة الجميلة التي تبحث لها عن موقع قدم في الزحام" (ص89).وتصوّر القصة الثالثة عشرة "الانتماء" صورة أخرى للضياع والتيه، وتقاليد المجتمع القاسية التي تهمل القيم، وتتمسك بالمظاهر "إنه يريد العودة إلى أصوله، لكن ذلك يفقده هذا الجاه، وهذه الثروة" (ص92).وتقدم القصة الرابعة عشرة "الموت" صورة للحب الذي يحول المرض دون تتويجه بالنجاح "حيث تُمنِّي نفسها لو ثوان في ظل شجرة برية أو الضياع في طريق ضيق تحيط بها الأشجار تمرح فيه مع أحلامها وأمانيها" (ص104).وتوضح القصة الخامسة عشرة "الانفصال" صورة للحب الذي يدفع صاحبه لتخطِّي الصعاب وتعديل الواقع "الحب الذي يعيشه هو الطموح الذي جعله يواصل دراسته في المساء، والبحث عن كّلِّ ما فيه تحسين مستواه الثقافي والاجتماعي" (ص115)، وتقف علاقات القربى حائلاً دون تحقيق أحلام الحب.وتقدِّم القصة السادسة عشرة "اسطورة الحب" قصة حب عجيبة تكللت بالزواج، وفرقت أحداث الحياة بين الزوجين، فقد كانا أخوين في الرضاعة "يعني الآن أنا والد وخال رنا" (ص118).وتقدم القصة السابعة عشرة "أوراق من مذكرات رجل في الخمسين" صورة للضياع والشقاء، وتكرار ذلك من جيل إلى جيل، وانبعاث خيالات الماضي في ذاكرة الإنسان "إنها مرسومة في أعماقه لكن لا يدري من هي. تلفت حوله ثم لحق بها" (ص126).وتصوّر القصة الثامنة عشرة "الصراع" صورة للقدر الظالم الذي يحول دون سعادة الإنسان، وتحقيق أحلامه "خالد.. أنت لست الأول في....؟ ماذا..... صالح هل ....؟ وهزت رأسها موافقة" (ص132).وتقدِّم القصة التاسعة عشرة "أشياء صغيرة"، صورة القدر الذي يهدم أحلام الإنسان في حياة سعيدة "الورقة الصفراء التي كانت أشياء صغيرة تافهة، وتصرف أحمق، مهد لها الطريق، لتكون في يد فتى بائس، حرمه القدر نعمة الراحة النفسية، فأغرق نفسه في لجاج الحياة" (ص135).ثالثاً: الشكل وبنية السرد: قدَّم القاص تسع عشرة قصة قصيرة، أقصرها في ثلاث صفحات "أشياء صغيرة"، وأطولها في عشر صفحات "البحث عن عبير"، وتراوحت القصص الباقية ما بين أربع صفحات "يوم بدون ساعات" وخمس صفحات القصص "عبث الحياة، الهدوء الممل"، وست صفحات "النتائج المرتقبة، الوباء(1)، الوباء(2)، الرغبة، الموت، الانفصال"، وثماني صفحات "الضياع، الدوامة، الانتماء".وقرن القاص خمس عشرة قصة قصيرة بصور توضيحية جاءت على أشكال هندسية في ثلاث قصص "النتائج المرتقبة، الموت، الانفصال"، وشكل المرأة أو رأسها في سبع قصص "انتظار الرحلة الملغاة، 24ساعة بدون هوية، الرغبة، عبث الحياة، الضياع، الدوامة، الانتماء"، وشكل الرجل أو رأسه في أربع صور "الهدوء الممل، الوباء، الصورة الأولى)، البحث عن عبير، الصراع"، وجاءت أربع قصص بدون صور توضيحية "يوم بدون ساعات، الوباء (الصورة الثانية)، أسطورة حب، أشياء صغيرة". واقترنت قصة "مذكرات رجل في الخمسين" بصورتين لأشكال هندسية وصورة رجل.تكاملت الصورة التوضيحية مع النص في توضيح الصورة المنشورة، وجلاء الحدث، وقدَّم القاص قصة الوباء في نصين، حمل الأول عنوان الصورة الأولى، وحمل الثاني عنوان الصورة الثانية.وجاءت قصصه في شكلين؛ شكل قصة المقاطع المرمزة بثلاثة نجوم، وكانت في مقطعين "الانفصال"، وثلاثة مقاطع "انتظار الرحلة الملغاة، الانتماء، أسطورة حب"، وخمسة مقاطع "الوباء (الصورة الأولى)"، وسبعة مقاطع "أوراق من مذكرات رجل في الخمسين"، وبقية قصصه وعددها ثلاث عشرة جاءت في شكل القصة المألوف.وقد وثَّق القاص تاريخ كتابة أربع عشرة قصة قصيرة، كتبت على التوالي 1396/1ه، 1397/5ه، 1398ه، 1399ه، 1400/3ه، 1401/3ه"، وترك خمس قصص بدون توثيق "الوباء20)، الدوامة، الموت، الصراع، أشياء صغيرة".ومن حيث السرد، فقد جاءت القصص على لسان راو وعارف يتماهى من خلاله القاص، يلقنه أفكاره ومشاعره، وينطقه بها، يتحدث بضمير المتكلم في القصص "عبث الحياة، الوباء، (1)، الموت، أسطورة حب".وبضمير الغائب في القصص "النتائج المرتقبة، 24ساعة بدون هوية، الهدوء الممل، الرغبة، الضياع، يوم بدون ساعات، الوباء20)، انتظار الرحلة الملغاة، الدوامة، البحث عن عبير، الانتماء، الانفصال، أوراق من مذكرات رجل في الخمسين، الصراع، أشياء صغيرة".وفي الأسلوبين مزج القاص بين السرد والحوار والتداعي والمونولوج والديالوج، وأدار الحوار بين الراوي/ البطل، وبين ذاته، وبينه وبين الآخرين، وربما كان التداعي في كثير من الأحيان أسلوباً يربط أحداث الماضي بالحاضر، وقد يكون الحوار مرموزاً مهموساً به كما جاء في القصة "الوباء" الصورة الأولى.وجاءت شخوص قصصه بأسمائهم، وصفاتهم، المعروفة في بيئتهم، حتى أن بعض الأسماء قد تكررت في أكثر من قصة (صالح) في القصص "النتائج المرتقبة، 24ساعة بدون هوية، الهدوء الممل، الوباء(2)، أوراق من مذكرات رجل في الخمسين"، و(عادل) في القصص "الرغبة، يوم بدون ساعات، الوباء"(1)، و(نورة) في القصص "عبث الحياة، ويوم بدون ساعات، الوباء(1)"، و(منى) في القصص "الضياع، الانفصال"، و(عبد الرحمن) في القصص "الموت، أسطورة حب"، و(علي) في القصص "النتائج المرتبة، 24ساعة بدون هوية"، و(عبد الله) في القصص "يوم بدون ساعات الوباء(1)"، و(خالد) في القصص "النتائج المرتقبة، أوراق من مذكرات رجل في الخمسين".رابعاً: علامات مميزة للمجموعة: 1 الموضوعات: تعالج المجموعة القصصية موضوعاً محوراً، هو إنسان بيئة الطائف الذي يتنقل بين جدة والرياض بحثاً عن العمل، أو متنقلاً للترفيه والسياحة، وحول هذا الإنسان تتمحور مجموعة أمور، من مثبطات ومعززات، تبدو في قسوة ظروف العمل، والشك والغيرة والخطف والحب والزواج، وما يترتب عليه، وما ينجم عنه، وكلها موضوعات التقطها القاص من بيئة الطائف، بل قلّ من بيئة الجزيرة العربية، وإن بدت الطائف بطبيعتها الساحرة، وصفاء جوها، وطيب مناخها، تشرك إنسان هذه البيئة أتراحه وأفراحه، وتخفف عنه ما يعانيه.تبدو الحياة الاجتماعية، وعلاقات الأفراد في قصص المجموعة كلها، كذلك تبدو ظروف العمل، وقسوتها، في قصص "النتائج المرتقبة، أشياء صغيرة"، وتبدو موضوعات الحب والزواج من ابن العم في قصة "انتظار الرحلة الملغاة"، وأخوة الرضاعة في قصة "أسطورة حب"، وتكثف قصص المجموعة الضوء على كثير من الأمور التي تؤثر في العلاقات الاجتماعية والأسرية كالشك في قصة "الرغبة" والغيرة في قصة "الوباء" الصورة الثانية، والخطف والابتزاز في قصة "يوم بدون ساعات".كما تسبر أغوار النفس البشرية، وتبوح بمشاعرها وأحاسيسها، ويبدو ذلك في قصص "أوراق من مذكرات رجل في الخمسين، أسطورة حب، الانتماء، البحث عن عبير، الرغبة، عبث الحياة" ولقطة العاطفة سريعة محببة "وأسرعت فوجدتها كما هي، إنما هذه المرة طبعت قبلة خاطفة على خدي، وحاولت إصلاح غترتي التي وقعت من فوق رأسي" (ص88).وقد وفق القاص في اختيار عناوين قصصه التي تعبِّر عن المضمون، وتحفز القارئ للدخول في عوالمها، وكشف مكنونها، والقاص ناقد بارع للظواهر السلبية في مجتمعه يشير إليها ويهمس لتخطيها. 2 اللغة: لغة القاص سهلة مألوفة، تحاكي اللغة الدارجة والمحكية في الحياة اليومية، "عدت منذ أيام إلى مرتع صباي.... موطن أحلامي، ولم أكن قد حددت كيف سأتدبر أمور غدي" (ص99)، وفي أحيان كثيرة ترقى إلى مستوى اللغة الشعرية، لا سيما عندما يعبر عن المشاعر والأحاسيس "لم يقل شيئاً. إنما كان هناك حديث سري، دار بينهما خلال النظرات المتبادلة، والابتسامات الصغيرة التي رفت فوق العيون" (ص67) وهي تشبه صورة الخطاب في بيت الشعر:وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناك 3 الوصف: اللغة السهلة، ودقة الملاحظة تضافرتا في تمكين القاص من رسم الصورة "فأبعدت رأسه أول الأمر عن صدرها، ولكن وهي تتأمل عينيه المغرورقتين بالدموع، أعادته إلى مكانه فكان لطراوة جسمها وعبق الرائحة التي تنبعث منها أثرها عليه، فأخذت شفتاه المرتعشتان تزرع القبل في المكان المكشوف من الصدر في صمت وحذر" ص(124).ورصد الحركة "يحاول الهروب من واقعه، ومما حوله، لكن لم يستطع الفكاك فكل ما في الأرض من مسامير وحبال، ثبتته في مكانه، حتى البسمة الصغيرة الدائمة، كانت أحد هذه المسامير التي وخزته بقسوة وعناد، ولم يستطع الفكاك منها..." (ص127)، "وانطلق يسير في الشارع الطويل، وقد لفَّ رأسه بغترته، وأدخل يديه في جيب ثوبه، ومشى مترنحاً (كسكران) عائداً إلى داره" (134). 4 البيئة: يوازي القاص بين البيئة الاجتماعية والبيئة الطبيعية، وهو في رحاب بيئة الطائف الساحرة، وبيئة جدة والرياض العملية، يرصد الحياة الاجتماعية بكل ما فيها من علاقات ومؤثرات، مبتدئاً من الأسرة وعلاقة الزوج بالزوجة، والأولاد والأهل والجيران وزملاء العمل، متنقلاً إلى العلاقات العاطفية والعادات الاجتماعية، والأعراف والتقاليد، وهو في تناوله موضوع العلاقات ينقد ليصلح، ويغمز بطرفه ليشير إلى السلبي داعياً لتجنبه، والإيجابي داعياً لتعزيزه.وإن كان من كلمة أخيرة تقال في توصيف هذه المجموعة، فهي أنها تقدم كاتباً متمكناً من التقاط موضوعاته، وقاصاً بارعاً في تركيب صوره، وتحريك شخوصه، وتقديمها بأسلوب سهل، ولغة سليمة، وإن كان من همسة أخيرة نهمسها بإذنه الوردية أن يلتفت إلى علامات الترقيم في كتاباته، وتهنئة من القلب لمتابعة مسيرة الابداع0
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة الرياض / الخميس 19 شوال 1422هـ ــ 3 يناير 2002م ــ العدد 12246 
السنة الثامنة والثلاثون0
ثقافة اليوم / ص 30 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق