http://www.almasryalyoum.com/node/405275
لم أنم جيداً فقد قضيت ساعات طويلة أتابع وأتنقل من قناة لأخرى .. أقاوم النوم فالأحداث كثيرة ومتتابعة .. ولكن كان علي أن أكون في موعدي مع الدكتور في التاسعة صباحاً .. وهو موعد لا يمكن إلغاؤه بسهولة أو تعديله .. الساعة الآن تعدت العاشرة صباحاً ولم يحضر الدكتور .. وأعداد المرضى تتزايد وتتراص حول كاونتر الإستقبال .. باختلاف جنسياتهم العربية .. لم أكن أتصور أنني سأتردد شهرياً على عيادة القلب والضغط .. مرت سنوات طويلة منذ أول زيارة لي، كنت وقتها في العشرينات كان ذلك في بداية الثمانينيات، كان أحد أقربائي لديه جهاز قياس الضغط، وبدافع الفضول طلبت منه أن يقيس لي الضغط .. وأخذ يعيده مرات ومرات ويندهش من القراءة .. فالضغط كان منخفضاً جداً، ويتعجب كيف لي أن أدخن وأتناول القهوة وأبذل كل ذلك المجهود في العمل وضغطي بهذا الشكل .. مما أثار فضولي أن أذهب لمراجعة طبيب .. يومها ضحك الطبيب قائلاً : ( دي ميزة، صحتك كويسة جداً، ربما لأنك نحيف ورياضي ) ..أثناء خروجي من العيادة سقط من أحد المرضى الجالسين بعض الأوراق وتناثرت منه على الأرض، نظرت إليه بسرعة وأدركت أنه لن يستطيع أن يلتقطها، ليس فقط لِكِبَر سنه الذي ربما يتعدى الستين، وإنما لسمنته المفرطة وكبر حجمه، حتى أن معدته تتدلى بين فخذيه، فلن يستطيع أن يثني جسده ليلتقط الأوراق، التقطتها وناولته إياها، ولم أنتظر منه شكر، لكنه تمتم بكلمات فهمت منها أنه عربي، وتعجبت كيف له أن يحضر وحيداً للعيادة بهذه الصورة !.. أو كيف لأهله أن يتركوه ليحضر بمفرده !.. ولم أصل لجواب حينها إلا اليوم، فاليوم أنا أيضاً بمفردي، لا أحد معي، لا أهل ولا أصدقاء، فهم الآن في مصر، أزورهم في الصيف ويحضرون لي على مضض في إجازة نصف العام، يحبون الإقامة في مصر، لم يكن قرار سفرهم إلى مصر اختياري، بل دعت الضرورة لذلك للإلتحاق بالجامعة، لم تتفق الآراء حينها على قرار واحد .. سألني يومها ابني الأكبر: ( لماذا لن تنزل معنا مصر ؟! ).. جزء كبير مما ادخرته أنفقته لبناء منزل لنا وشقة لكل ابن، ولم يتبقَ معي ما أبدأ به مشروع، أو لأحافظ به على الحياة الكريمة لأولادى التي تعودوا عليها في سنين الغربة .. لذا فقد أجبته : ( لم يحن الوقت ).. مضت الأعوام وابني يسألني نفس السؤال: ( متى تكون معنا في مصر ؟؟ ) .. المدخرات زادت والحمدلله، ولكني لم أعد أقوى على بداية مشروع جديد في بلدي، أخاف أن أنفق ما ادخرت، طلباتهم تتزايد، وخوفي من غدي يتزايد، لا يوجد شئ يُبشر أو يُنذر بالعودة قريباً، حافظت على وزني كل تلك السنوات، وعلى طعامي كي أحافظ على صحتي، وبرغم ذلك لا أعرف سبب مرضي، صورة الرجل ما زالت أمامي .. أشعر أنني أعتذر له الآن .. سامحني .. لم أكن أدرك السبب .. أتفحص الوجوه حولي .. جميعهم ينظرون لي .. أشعر أنهم جميعاً يربتون على كتفي .. الدكتور لم يأتِ بعد !! يلتقط أحدهم ريموت التليفزيون بحجرة الإنتظار ويقلب القنوات ليستقر عند خبر عاجل .. بيان القوات المسلحة رقم 3 وتحية اللواء لأرواح الشهداء .. الخبر كان يُذاع في الإعادة .. نظرات المرضى العرب لي زادت .. ورأيت الوجوه كلها تبتسم لي .. تكاد تعانقني .. انتبهت لصوت الممرضة تردد اسمي .. أنهى الدكتور كشفه وطمأنني على القلب والضغط .. وسألني متى أخذت الدواء صباحاً .. تذكرت أني لم أتناوله هذا الصباح .. اتصلت على إبني أكدت له أني عائد ..عائد قريباً ..
لم أنم جيداً فقد قضيت ساعات طويلة أتابع وأتنقل من قناة لأخرى .. أقاوم النوم فالأحداث كثيرة ومتتابعة .. ولكن كان علي أن أكون في موعدي مع الدكتور في التاسعة صباحاً .. وهو موعد لا يمكن إلغاؤه بسهولة أو تعديله .. الساعة الآن تعدت العاشرة صباحاً ولم يحضر الدكتور .. وأعداد المرضى تتزايد وتتراص حول كاونتر الإستقبال .. باختلاف جنسياتهم العربية .. لم أكن أتصور أنني سأتردد شهرياً على عيادة القلب والضغط .. مرت سنوات طويلة منذ أول زيارة لي، كنت وقتها في العشرينات كان ذلك في بداية الثمانينيات، كان أحد أقربائي لديه جهاز قياس الضغط، وبدافع الفضول طلبت منه أن يقيس لي الضغط .. وأخذ يعيده مرات ومرات ويندهش من القراءة .. فالضغط كان منخفضاً جداً، ويتعجب كيف لي أن أدخن وأتناول القهوة وأبذل كل ذلك المجهود في العمل وضغطي بهذا الشكل .. مما أثار فضولي أن أذهب لمراجعة طبيب .. يومها ضحك الطبيب قائلاً : ( دي ميزة، صحتك كويسة جداً، ربما لأنك نحيف ورياضي ) ..أثناء خروجي من العيادة سقط من أحد المرضى الجالسين بعض الأوراق وتناثرت منه على الأرض، نظرت إليه بسرعة وأدركت أنه لن يستطيع أن يلتقطها، ليس فقط لِكِبَر سنه الذي ربما يتعدى الستين، وإنما لسمنته المفرطة وكبر حجمه، حتى أن معدته تتدلى بين فخذيه، فلن يستطيع أن يثني جسده ليلتقط الأوراق، التقطتها وناولته إياها، ولم أنتظر منه شكر، لكنه تمتم بكلمات فهمت منها أنه عربي، وتعجبت كيف له أن يحضر وحيداً للعيادة بهذه الصورة !.. أو كيف لأهله أن يتركوه ليحضر بمفرده !.. ولم أصل لجواب حينها إلا اليوم، فاليوم أنا أيضاً بمفردي، لا أحد معي، لا أهل ولا أصدقاء، فهم الآن في مصر، أزورهم في الصيف ويحضرون لي على مضض في إجازة نصف العام، يحبون الإقامة في مصر، لم يكن قرار سفرهم إلى مصر اختياري، بل دعت الضرورة لذلك للإلتحاق بالجامعة، لم تتفق الآراء حينها على قرار واحد .. سألني يومها ابني الأكبر: ( لماذا لن تنزل معنا مصر ؟! ).. جزء كبير مما ادخرته أنفقته لبناء منزل لنا وشقة لكل ابن، ولم يتبقَ معي ما أبدأ به مشروع، أو لأحافظ به على الحياة الكريمة لأولادى التي تعودوا عليها في سنين الغربة .. لذا فقد أجبته : ( لم يحن الوقت ).. مضت الأعوام وابني يسألني نفس السؤال: ( متى تكون معنا في مصر ؟؟ ) .. المدخرات زادت والحمدلله، ولكني لم أعد أقوى على بداية مشروع جديد في بلدي، أخاف أن أنفق ما ادخرت، طلباتهم تتزايد، وخوفي من غدي يتزايد، لا يوجد شئ يُبشر أو يُنذر بالعودة قريباً، حافظت على وزني كل تلك السنوات، وعلى طعامي كي أحافظ على صحتي، وبرغم ذلك لا أعرف سبب مرضي، صورة الرجل ما زالت أمامي .. أشعر أنني أعتذر له الآن .. سامحني .. لم أكن أدرك السبب .. أتفحص الوجوه حولي .. جميعهم ينظرون لي .. أشعر أنهم جميعاً يربتون على كتفي .. الدكتور لم يأتِ بعد !! يلتقط أحدهم ريموت التليفزيون بحجرة الإنتظار ويقلب القنوات ليستقر عند خبر عاجل .. بيان القوات المسلحة رقم 3 وتحية اللواء لأرواح الشهداء .. الخبر كان يُذاع في الإعادة .. نظرات المرضى العرب لي زادت .. ورأيت الوجوه كلها تبتسم لي .. تكاد تعانقني .. انتبهت لصوت الممرضة تردد اسمي .. أنهى الدكتور كشفه وطمأنني على القلب والضغط .. وسألني متى أخذت الدواء صباحاً .. تذكرت أني لم أتناوله هذا الصباح .. اتصلت على إبني أكدت له أني عائد ..عائد قريباً ..
القصه جميله جدا، فيها ايقاع الشجن الحزين وخاصه حين راى البطل نفسه فى وجوه الاخرين فاذا به يواجه نفسه فيتوقف ليعيد النظر فى ظل احساس من الترقب الحادث من البيان العسكرى بالتلفاز واحساس من الخوف من البدايه الجديدة وكذلك الخوف من النهايه فى الغربه ثم احساس الحنين للعوه عده احاسيس يصارع بعضها البعض ويغلفها جميعا احساس واحد هوالصدق .....تحياتى لقلمك المبدع
ردحذف