ما كدت أتحرك بسيارتي بضعة أمتار حتى عُدتها وقررت أن أستقل تاكسي للموقف، وحين اندهش ابني لقراري المفاجىء لم أشأ أن أثقله بمشاكل صحتي ، وأني لم أقد السيارة منذ مرضت منذ أشهر مضت، و لكني أخبرته أنها محاولة لنُقلد الغرب ، وأنا واثق أنه سيقتنع بإجابتي تلك ، وصلنا الموقف ولا أدري أكان من حسن حظ الركاب والسائق ، أم سوء حظي أن كنا آخر راكبين ، جلست رابعاً في المقعد الأخير حشراً، وجلس هو ثالثاً لمنقبتين في المقعد قبل الأخير متحرزاً، وأخذ عقلي كالعادة بمشاغبتي حين يلازمني الصمت بطرح الأسئلة ، مستغلاً أني لن أستطيع الرد عليه في وجود أشخاص غرباء ، حاولت أن أتجاهله ولكنه كان محقاً في أسئلته ، وكنت أراه يضحك لأني لم أجبه حين سألني قائلاً : ( هو اليابان بتحدد لنا عدد الركاب عند ترخيص الميكروباص ؟ و لا ده اجتهاد من إدارة المرور بتحديد سنتيمترات لكل راكب ؟! ) ولأني لم أَرُد، اِسْتَكْمَل أسئلته قائلاً : ( مستحيل أبداً تكون اليابان بتحسب نفس العدد لاختلاف أوزاننا عن أوزانهم )، لم يسعفنِ من هذا المأزق إلا حين تحرك الميكروباص قاطعاً الطريق عدواً كثور هائج، رافعاً خافضاً جسدي تارة، وقاذفاً به ذات اليمين وذات اليسار تارة أخرى، ومع كل ارتجاجة كنت أقرر فيها أني ولابد سأتصل بطبيبي أخبره أني لم أُشْفَ بعد من آلام جروح العملية وقد مضى ثلاثة أشهر ، كما أخبرني، ولكني كنت سعيداً أني خضت تلك التجربة من بعد غياب طال لعشرات السنوات مع أول تجربة لابني ، الذي كان يلتفت لي من حين لآخر ونظراته تسألني : ( لماذا تفعل هذا معي ؟! ) انتبهت على صوت جاري بالميمنة متأففاً موجها حديثه للسائق : ( حرام كده يابني !! دا أنت لو مِحَمِّلْ معاك شوية مواشي مش هتعمل معاهم كده !! ) ، ثم أردف قائلاً بصوت خافت : ( دا تلاقيه عمره ما ساق في بلدهم غير جرار !! فجاء الرد من جاري بالميسرة قائلاً : ( العيال دي بتتعلم السواقة في الجيش، وبيطلع مابيلاقيش شغل، والسواقة بقت شغلة العواطلية، السواقين بتوع زمان خلاص ماعادش حد منهم ) ، واستمر الحديث بينهما وابني مازال يلتفت لي وأتجاهل نظراته من خلف عدساتي السوداء، فأغمضت عيني وسرحت بذاكرتي القريبة لمنظر بالموقف استرعى انتباهي ، وأحزنني كثيراً، وهو كم الميكروباصات الهائل، ورحت أجمع وأضرب في خيالي عدد المواقف بمحافظات مصر ومدنها و قراها، وأتخيل أعداد السيارات وكم المبالغ التى دفعناها ثمنا لها، ولم يذهب خيالي بعيداً لإنشاء مصانع سيارات ، بل كان متواضعاً وواقعياً جداً، وتقبل فكرة إنشاء مصانع لفرش الكراسي ودواسات الأقدام و بعض قطع الغيار البسيطة التى لا تحتاج لتكنولوجيا عالية، ولا لمهارة فائقة ، وبمجرد أن لاح بخاطري مصانع كاوتش نأمن استخدامه تبدد الخاطر فجأة على أصوات وحركة، فتحت عيني، كنا قد وصلنا فبدَّلت عدساتي السوداء بالطبية .
الجمعة، 25 ديسمبر 2015
بعيدا عن السياسة : رحلة الذهاب .
ما كدت أتحرك بسيارتي بضعة أمتار حتى عُدتها وقررت أن أستقل تاكسي للموقف، وحين اندهش ابني لقراري المفاجىء لم أشأ أن أثقله بمشاكل صحتي ، وأني لم أقد السيارة منذ مرضت منذ أشهر مضت، و لكني أخبرته أنها محاولة لنُقلد الغرب ، وأنا واثق أنه سيقتنع بإجابتي تلك ، وصلنا الموقف ولا أدري أكان من حسن حظ الركاب والسائق ، أم سوء حظي أن كنا آخر راكبين ، جلست رابعاً في المقعد الأخير حشراً، وجلس هو ثالثاً لمنقبتين في المقعد قبل الأخير متحرزاً، وأخذ عقلي كالعادة بمشاغبتي حين يلازمني الصمت بطرح الأسئلة ، مستغلاً أني لن أستطيع الرد عليه في وجود أشخاص غرباء ، حاولت أن أتجاهله ولكنه كان محقاً في أسئلته ، وكنت أراه يضحك لأني لم أجبه حين سألني قائلاً : ( هو اليابان بتحدد لنا عدد الركاب عند ترخيص الميكروباص ؟ و لا ده اجتهاد من إدارة المرور بتحديد سنتيمترات لكل راكب ؟! ) ولأني لم أَرُد، اِسْتَكْمَل أسئلته قائلاً : ( مستحيل أبداً تكون اليابان بتحسب نفس العدد لاختلاف أوزاننا عن أوزانهم )، لم يسعفنِ من هذا المأزق إلا حين تحرك الميكروباص قاطعاً الطريق عدواً كثور هائج، رافعاً خافضاً جسدي تارة، وقاذفاً به ذات اليمين وذات اليسار تارة أخرى، ومع كل ارتجاجة كنت أقرر فيها أني ولابد سأتصل بطبيبي أخبره أني لم أُشْفَ بعد من آلام جروح العملية وقد مضى ثلاثة أشهر ، كما أخبرني، ولكني كنت سعيداً أني خضت تلك التجربة من بعد غياب طال لعشرات السنوات مع أول تجربة لابني ، الذي كان يلتفت لي من حين لآخر ونظراته تسألني : ( لماذا تفعل هذا معي ؟! ) انتبهت على صوت جاري بالميمنة متأففاً موجها حديثه للسائق : ( حرام كده يابني !! دا أنت لو مِحَمِّلْ معاك شوية مواشي مش هتعمل معاهم كده !! ) ، ثم أردف قائلاً بصوت خافت : ( دا تلاقيه عمره ما ساق في بلدهم غير جرار !! فجاء الرد من جاري بالميسرة قائلاً : ( العيال دي بتتعلم السواقة في الجيش، وبيطلع مابيلاقيش شغل، والسواقة بقت شغلة العواطلية، السواقين بتوع زمان خلاص ماعادش حد منهم ) ، واستمر الحديث بينهما وابني مازال يلتفت لي وأتجاهل نظراته من خلف عدساتي السوداء، فأغمضت عيني وسرحت بذاكرتي القريبة لمنظر بالموقف استرعى انتباهي ، وأحزنني كثيراً، وهو كم الميكروباصات الهائل، ورحت أجمع وأضرب في خيالي عدد المواقف بمحافظات مصر ومدنها و قراها، وأتخيل أعداد السيارات وكم المبالغ التى دفعناها ثمنا لها، ولم يذهب خيالي بعيداً لإنشاء مصانع سيارات ، بل كان متواضعاً وواقعياً جداً، وتقبل فكرة إنشاء مصانع لفرش الكراسي ودواسات الأقدام و بعض قطع الغيار البسيطة التى لا تحتاج لتكنولوجيا عالية، ولا لمهارة فائقة ، وبمجرد أن لاح بخاطري مصانع كاوتش نأمن استخدامه تبدد الخاطر فجأة على أصوات وحركة، فتحت عيني، كنا قد وصلنا فبدَّلت عدساتي السوداء بالطبية .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق