لم أكد أصدق عينى عندما نظرت إلى الرئيس الأسبق المخلوع محمد حسني مبارك وهو في ” القفص” في الثالث من أغسطس 2011 – عندما كانت الثورة مستمرة على الفساد – ولم أكد أصدق أذني عندما نطق المخلوع ردا على القاضي أحمد رفعت ” أفندم أنا موجود ” , ولم اكن أتخيل ولو لمجرد لحظة واحدة أن “الفرعون” داخل القفص محاطا بعساكر الدرك الذي اتخذهم رجالا لإحكام قبضته على البلاد والعباد .
كنت من الصحفيين الذين حالفهم الحظ ؛ لتغطية المحاكمات التاريخية بدء من محاكمة المخلوع مبارك ونجلية علاء وجمال ومرورا بمحاكمات وزير الداخلية حبيب العادلي ومساعدية وليس انتهاء بمحاكمات جماعة رءوس الفتنة المسماة خطأ ” الإخوان المسلمين بدء من الرئيس السابق المعزول محمد مرسي ومرشديه محمد بديع ومحمد مهدي عاكف ومحاكمات خيرت الشاطر وأعوانه من سدنة مكتب الارشاد ، وشاءت الأقدار أن أكون شاهدا على تلك المحاكمات التاريخية وتدوينها ومحاصرة “كواليس ” ما جرى في جلسات هذه المحاكمات ، بل وحصولي على جميع المستندات والأوراق والسيديهات , بل وأيضا الاوراق والمذكرات التى تقدم بها محاموا جميع المتهمين ، وما قمت بنشره في جريدة الوفد ” غيض من فيض ” ويبقى الكثير والكثير من الأسرار والمشاهدات في محاكمات وصفت بأنها محاكمات ” القرن “.
حضوري جميع جلسات محاكمة مبارك وولديه ووزير داخليته حبيب العدلي ومساعديه السته ، ساعدني في تكوين ” عقيدة ” صحفية بأن مبارك عندما حوكم بتهمة ” قتل الثوار” و ” فساد مالي ” بتهمة بيع الغاز لإسرائيل بأثمان ” بخسة ” وتربيح الغير – الهارب حسين سالم – كان يجب ان يحاكم بتهمة ” إبادة ” 90 مليون نسمة ، وتجريف ثقافتهم ، ومحو هُوياتهم ، وتدمير بنيتهم الأساسية ، و العمل على سرطنة أفكارهم وأجسادهم من خلال ضخ مبيدات الفساد والاستبداد القهر والظلم ، والوساطة والمحسوبية، الرشوة و ضياع الحقوق ، السجن وكبت الحريات ، الاعتقال و” بهدلة ” الكرامة الإنسانية ……
عندما نتحدث عن ” جرائم ” مبارك فاننا نتحدث والارقام والحقائق والمستندات ” نصب ” أعيننا ، فلن تنزعج عندما تعرف أن 40 % من الشعب المصري يعاني الأمية ؛ نتيجة فشل سياسات وزراء التربية والتعليم في إيجاد حلول مبتكرة تساعد المصريين على النهوض بالعملية التعليمية ، فقد تم إختيار وزراء التعليم – العالي والواطي- علي حسب المزاج فاختيار حسين كامل بهاء الدين – طبيب أطفال – لم يكن لكفائته في عالم الطب مثلا أو حصوله على مؤهلات تربوية ، يصلح ليكون وزير ا للتربية والتعليم ؛ بل تم اختياره للوزارة ؛ لكونه الطبيب الخاص لابنى مبارك جمال وعلاء ومساعدته للطفل الأصغر جمال ومعالجته من مرض عضال هو مرض ” البأبأه” مرض عانى منه جمال مبارك في الصغر أدى به إلى عدم نطقه حروف اللغة العربية بشكل سليم ، وعندما نجح ” بهاء الدين ” في علاج الطفل جمال مبارك كافاته سوزان مبارك بحقيبة التربية والتعليم ، ولم يكن سابقة احمد فتحي سرور بأفضل حالا في وزارة التربية والتعليم – قبل ان يصبح رئيسا لمجلس سيد قراره- فقد كان ينفذ تعليمات وسياسات النقد الدولي ، وسار على خطى المناهج المصرية ب” أستيكه” ، فكانت النتيجة ضياع هوية مصر التعليمية ، وجاء يسرى الجمل – الذي أقام حفلة لسوزان بالاسكندرية- ليكمل مسيرة سابقيه واعتماده سياسة ” الماحي في شتى النواحي” التى أضاعت 17 مليون طالب في مصر ، وجاء أحمد ذكي بدر – ابن اللواء ذكي بدر – ؛ ليجهز على ما تبقى من أطلال سابقيه ، ؛ لمحاولة قمع إبداع اى طالب وعسكرته الوزراة وتدجيجها باللواءت للقضاء على فكرة التعليم في مصر …
ولعل أفسد ما فعله مبارك ونظامه وزبانيته في ” حق ” المصريين هو إلقائه 1034 طفلا وشابا رجلا وامرأة ليكونوا طعاما لأسماك القرش ، عندما غرقت عبارة السلام 98 في عرض البحر ، ولم يهب أحدا لنجدتهم أو إنقاذهم ، فلم يجرؤ مسؤل في دولة ” الظلم ” يقترب من غرفة نوم ” الفرعون ” لإيقاظه ؛ حتى يتمكن من إصدار أوامره للجيش بإنقاذ المصريين القادمين من السعودية ، وعندما عرض الأمر على ” أبو الفساد ” زكريا عزمي تنحى جانبا وكأنه مسه طائف من الشيطان وقال ” مقدرش مقدرش ” وأوصى بإبلاغ نجله علاء ” هو الوحيد اللى يقدر يقوم بالمهة دي ” وأيضا لم يستطع لانه رفض إيقاذ والده فجرا وصرخ فيهم ” الريس نايم ” وكانت النتيجة الموت في قاع المحيط غرقا ، وحرقا هما وكمدا ، ولعل الأخطر في قضية العبارة هو السر الحربي الذي لم يكشف عنه إلا بعد ثورة 25 يناير المجيدة وهو ما كان يجب الكشف عنه مبكرا حتى يقدم مرتكبيه لحبل مشنقة الراى العام وهو السر الذي بسببه تم إخفاء ناجين من العباره وقتل أخرين وخطف مصابين من المستشفيات ، ألا وهو معرفة من يكون صاحب عبارة الفساد 98 , ورغم معرفته – جمال وعلاء وزكريا عزمي والوليد بن طلال ومستثمرين سعوديين- إلا أن القضية ذهبت أدراج الرياح ، لان مبارك ونظامه اطلقوا عليها رصاصة الموت منذ أن بدأت …
الجرائم كثيرة ومتعددة وفاضحة وكارثية فقط تفحص دراسة الدكتور عبدالخالق فاروق – الخبير في الشئون الاقتصادية والإدارة المحلية بعنوان «دور التشريع في بناء دولة الفساد في مصر» وهي الدراسة التي رصدت القائمة الكاملة لجرائم مبارك.
الكلاب ” قتلوا شباب مصر و نهبوا ثرواتها
والدراسة تؤكد أن مبارك ورجاله أصدروا قوانين دفعت ملايين المصريين إلي السرقة والنهب والابتزاز وأكل المال الحرام، وأجبرت أغلب الموظفين علي أن يتحولوا إلي حرامية ومرتشين، وأجبرت ملايين المصريين علي أن يدفعوا رشاوي لكي يحصلوا علي أية خدمة، بدءاً من الحصول علي تذكرة قطار، وحتي الفوز بفرصة عمل أو قطعة أرض.
المفاجأة التي كشفتها الدراسة هي أن مبارك أراد أن يجعل كل مصري حرامياً ولصاً أو راشياً وفاسداً، بهدف إفساد المصريين جميعاً، وعندها يسكت الصغار عن فساد الكبار علي اعتبار أن الكل صار في الفساد سواء!
وهكذا أفسد «مبارك» صغار موظفي مصر أما الكبار من رجال الأعمال وحاشية مبارك فكان فسادهم فجًا وغير مسبوق، حيث اغترفوا من المال العام فوق طاقتهم، ونهبوا الأراضي وأموال القطاع العام و«فلوس» المعونة وتاجروا في العملة وتربحوا من عمليات تصدير واستيراد، ومن البورصة ولم يكتفوا بذلك بل أنشأوا شبكات لممارسة البغاء وتاجر آخرون في المخدرات.
لقد تحول الفساد في عصر «مبارك» من انحرافات معزولة إلي ممارسة مجتمعية شاملة فالكبار شكلوا شبكات مصالح تتنازع فيما بينها حينا وتتناغم في توزيع المزايا والغنائم أحياناً أخري.، أما الصغار فقد تسربت إليهم ممارسات الفساد والرشوة والوساطة والمحسوبية بسبب سياسات الإفقار واتساع الفجوة في الدخول والارتفاع المستمر للأسعار وغياب القدوة في هرم السلطة وتآكل دور أجهزة الرقابة.
إفساد الصغار والكبار
ونتيجة لهذا الحال فاق الفساد في مصر كل أشكال الفساد المتعارف عليها دولياً، لدرجة أن منظمة الشفافية الدولية حددت المجالات الأكثر عرضة للفساد في 5 مجالات فقط، بينما ضربت مصر رقماً قياسياً، فشهدت 17 مجالاً انغمست في الفساد.
فحسب منظمة الشفافية فإن أكثر المجالات عرضة للفساد في الدول النامية هي المشتريات الحكومية، وتقسيم وبيع الأراضي والعقارات، والضرائب والجمارك، والتعيينات الحكومية، وإدارات الحكم المحلي.
أما في مصر، فاتسع نطاق ومجالات الفساد التي انغمس فيها بصورة شبه دائمة كبار رجالات الدولة وأبناؤهم وشملت 17 مجالاً قطاع المقاولات وتخصيص الأراضي وشقق المدن الجديدة والطرق والكباري والبنية الأساسية.عمولات التسليح ووسائل نقلها.قطاع الاتصالات والهواتف المحمولة والثابتة.خصخصة وبيع الشركات العامة ونظم تقييم الأصول والممتلكات والأراضي المملوكة لهذه الشركات.البنوك ونظم الائتمان وتهريب الأموال إلي الخارج عبر القنوات المصرفية الرسمية.شركات توظيف الأموال وما جري فيها.تجارة المخدرات واختراق قيادات الأجهزة الأمنية والمؤسسة السياسية.تجارة العملات الأجنبية والمضاربة علي سعر صرف الجنيه.تجارة الدعارة وشبكات البغاء ذات الصلة أحياناً بكبار رجال الدولة وأجهزتها.نظم الاستيراد وأذون الاستيراد وبرامج الاستيراد السلعي.طرق توزيع مشروعات المعونة الأمريكية.
الصحافة ومؤسساتها وإفساد الصحفيين عبر وسائل شتي والإعفاء غير القانوني للمؤسسات الصحفية القومية من أداء الضرائب العامة وتسهيل سبل الارتزاق السري وغير القانوني لبعض الصحفيين.
ما يسمي «علاوة الولاء» التي تمنح بصورة سرية وبالمخالفة لقواعد المشروعية المالية لكبار قيادات الجيش والأمن.إفساد النظام التعليمي الرسمي والصمت علي جريمة الدروس الخصوصية وخلق الظروف الملائمة لتفشيها.الإبقاء علي فساد النظام الصحي الحكومي من أجل إتاحة الفرص لتوسع المستشفيات الاستثمارية.البورصة وسوق الأوراق المالية وسوق التأمين.إنشاء حسابات خاصة أو سرية خارج نطاق الموازنة العامة للدولة وحساباتها القومية.
وفي مقدمة صغار الموظفين الذين أفسدهم مبارك المدرسون، والأطباء، ورجال الأمن، وقلم المحضرين في المحاكم، وموظفو الخدمات الحكومية، خاصة موظفي المصالح الجمركية والضرائبية.
وأفسد «مبارك» المدرسين بأن أبقي علي نظام تعليمي حكومي غير فعال فظهر سوق تعليمية سوداء، انعكست في انتشار المدارس الخاصة والاستثمارية والأجنبية، فضلاً عن تغول الدروس الخصوصية التي التهمت وحدها 10 مليارات جنيه عام 1994 تحملتها الأسرة المصرية الفقيرة وارتفع المبلغ إلي 18 مليار جنيه عام 2006 بعد تقسيم الثانوية العامة إلي سنتين دراسيتين بدلاً من سنة دراسية واحدة!
وبسبب عدم فاعلية نظام الأمن ظهر نظام أمن غير رسمي.. حيث لا تحرر أقسام الشرطة محاضر للمواطنين إلا بالواسطة ولا تجري عمليات التحري لكشف السرقات .
ويضيف الدكتور عبدالخالق فاروق في دراسته أن ذات الأمر تكرر في القضاء حيث صارت الإكراميات والرشاوي هي الوسيلة الأساسية لتحريك إعلانات القضايا بالمحاكم (قلم المحضرين) وغيرها من أعمال التقاضي التي تشهد سنوياً 3 ملايين قضية تنظرها المحاكم المختلفة.
وحتي المرضي لم يرحمهم مبارك ورجاله.. ففي المستشفيات الحكومية التي يتردد عليها 47 مليون مريض – طبقاً للأرقام الحكومية – فإن تقديم الخدمة لهؤلاء لا يتم إلا من خلال الإكراميات والوساطة.
وفي المصالح الجمركية والضرائبية والخدمات الحكومية التي تقدم 627 خدمة متنوعة للجمهور صار تعاطي الإكراميات والعمولات عرفاً سائداً.
وهكذا أدي تدني الأجور والرواتب إلي تركيز «جبري» للخطيئة بإجبار عشرات الآلاف من الموظفين علي قبول الرشوة والإكراميات حماية لأبنائهم وأسرهم من الجوع.
كيف أفسد «مبارك» الصغار والكبار؟.. تجيب الدراسة بأن مبارك أفسد المجتمع من خلال 7 آليات.. أولها اتباع سياسات ممنهجة لإفساد المؤسسات الأساسية في المجتمع مثل مجلسي الشعب والشوري والمؤسسات الصحفية والإعلامية وأجهزة الأمن والمؤسسة القضائية وقيادات الجيش والنقابات العمالية والمهنية.
الآلية الثانية: هي وجود قواعد عرفية بين جماعات الفساد تلزم أعضاءها بالتزامات متبادلة ومناطق النفوذ.
الآلية الثالثة: تتمثل في خطوط اتصالات دائمة وواضحة بين جماعات الفساد وشاغلي قمة الهرم السياسي والتنفيذي سواء بصورة مباشرة أو عبر أقربائهم وأبنائهم وجميعه – كما تقول الدراسة – يتم تحت لافتة «تشجيع الاستثمار».
الآلية الرابعة: تتجسد في استمرار سياسات الإفقار للطبقات محدودة الدخل، خاصة الموظفين (حوالي 5.5 مليون مصري) والعمال وغيرهم مما يدفع الجميع إلي تعاطي الإكراميات وهي النظير القانوني لمفهوم الرشوة.
الآلية الخامسة: إفساد أجهزة الرقابة سواء كانت رقابة شعبية (مثل الصحافة) عبر توريط قيادتها وكوادرها الوسيطة في ممارسات فساد، أو أجهزة الرقابة الرسمية (مثل الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة ومباحث أمن الدولة وغيرها) عبر صلات القرابة ونظم اختيار قياداتها وأعضائها العاملين من خلال الوساطة والمحسوبية.
الآلية السادسة: صياغة القوانين والقرارات الإدارية بحيث تفتح ثغرة واسعة للفساد.
الآلية السابعة: التحايل القانوني عبر ما يسمي الصناديق الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص خارج نطاق الميزانية الحكومية الرسمية، وقد وصل عدد تلك الصناديق والوحدات إلي 8900 صندوق ووحدة عام 2008 وهذه تفرض رسوماً علي المواطنين وتوزيع مكافآت علي العاملين فيها وعلي كبار المسئولين بما شكل شبكة واسعة من الفساد والإفساد.
وأكدت الدراسة أن اختيار الحزب الوطني لمرشحيه في انتخابات مجلسي الشعب والشوري كان يمتزج فيه كل السيئات، إذ يتم اختيار المرشح الأقرب إلي قيادات الحكم أو الحزب ويفضل أن يكون من كبار المتبرعين للحزب أو بعض قياداته المؤثرة بصرف النظر عن ماضيه الإجرامي أو المشبوه، كما كان يتم اختيار بعض قيادات أجهزة الأمن أو المتعاملين معها أي الجاسوس في مجاله وقطاعه.
وأثناء الانتخابات يتم التلاعب في التصويت والفرز بشكل يؤكد أمام الجميع مفهوماً واحداً وهو أن دخول المؤسسة التشريعية مرهون برضا الحكومة وقيادات النظام الحاكم ومن ثم يكون ولاء العضو لرئيس النظام ثم لأمين عام الحزب ثم لجمال مبارك نجل رئيس الدولة آنذاك.
وإمعاناً في الإفساد كان يتم إغداق الخدمات علي العضو الذي يسير في ركاب رئيس الدولة والحكومة فطلباته الشخصية تنفذ فوراً وتكون دائماً وأبداً مشمولة بالعطف والقبول وفوق هذا يتم منحه أذون حديد وأسمنت بأسعار «مريحة» ليبيعها بأسعار السوق فيربح منها آلاف الجنيهات بخلاف منحه أراضي في المناطق السياحية بأسعار رمزية، وشققاً سكنية وفيلات بأسعار مخفضة، فضلاً عن العشرات من تأشيرات الحج والعمرة والرحلات إلي الخارج في الوفود البرلمانية.
وإذا عارض «عضو البرلمان» الحكومة أو انتقد رئيس الدولة فيتم «خنقه سياسياً» وحرمانه من كل هذه المزايا مع تجاهل كامل لكل طلباته.
وكشفت الدراسة أن نواب مجلس الشعب كان يتم إفسادهم بقرار جمهوري وبالمخالفة لنص المادة 95 من الدستور، فالمادة 95 من الدستور تنص علي أنه لا يجوز لعضو مجلس الشعب أثناء مدة عضويته أن يشتري أو يستأجر شيئاً من أموال الدولة أو أن يؤجرها أو أن يقايضها عليه أو أن يبرم مع الدولة عقداً بوصفه ملتزماً أو مورداً أو مقاولاً، ولكن قانون مجلس الشعب رقم 38 لسنة 1972 وتعديلاته، والقرار الجمهوري بقانون رقم 19 لسنة 1976 وتعديلاته التف علي نص الدستور، وفتح الباب واسعاً أمام أعضاء مجلس الشعب لكي يتاجروا مع الدولة بل ويعملوا في وظائف حكومية وهو ما استغله عاطف عبيد – كما تقول الدراسة – من أجل إفساد العشرات من أعضاء مجلس الشعب بتعيينهم أعضاء مجالس إدارة منتدبين في شركات قطاع الأعمال العام.
ونتيجة لذلك انتقل عشرات من أعضاء مجلس الشعب من نجارين وعمال وفلاحين وموظفين ومهنيين إلي ديناصورات وذئاب في عالم المال والأعمال، كما قضت السياسات الحكومية بإغداق المزايا والامتيازات علي الكثيرين منهم، وليس أقلها الائتمان المصرفي وقروض البنوك إلي «كسر عينهم» بالمعني الحرفي لا المجازي للكلمة.
وأشار الدكتور عبدالخالق فاروق في دراسته إلي أن إفساد أعضاء مجلس الشعب انعكس علي أداء المؤسسة التشريعية التي أصدرت قوانين تدعم الفساد وتحمي المفسدين.
فكان أكبر وأجرأ نص قانوني لدعم الفساد والفاسدين هي المادة رقم 55 من القانون رقم 203 لسنة 1991 والتي وضعها عاطف عبيد عندما كان وزيراً لقطاع الأعمال، ونصت علي أنه لا يجوز لأي جهة رقابية بالدولة عدا الجهاز المركزي للمحاسبات أن يباشر أي عمل من أعمال الرقابة داخل المقر الرئيسي أو المقار الفرعية لأي شركة من الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد الحصول علي إذن من الوزير المختص أو رئيس مجلس إدارة الشركة.
وهذا النص استبعد بضربة واحدة هيئة الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة وجهاز المخابرات العامة من العمل والبحث والتحري داخل هذه الشركات قبل الرجوع إلي الوزير الذي ثبت في الكثير من الحالات أنه مشارك في جرائم الفساد وغنائمه، وكذا رؤساء مجالس إدارات الشركات القابضة.
وأيضا قانون مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية الصادر برقم 67 لسنة 2010 يقنن أساليب الفساد الإداري والاقتصادي ويعكس المصالح الوطيدة بين رجال الأعمال الجدد وبين الإدارة الحكومية، وتقول الدراسة: إن هذا القانون تحول إلي آلية معظمة لاستنزاف المال العام وتلبية مصالح رجال الأعمال.
وجاء قانون الضرائب الحالي رقم 91 لسنة 2005 تمت صياغته بـ “عقل حاو” يجيد لعبة “الـ 3 ورقات”، وبقلب بارد لرجل مال وأعمال لا يعنيه سوي تحقيق الربح وليذهب الوطن والفقراء إلي الجحيم.. وقالت الدراسة: إن هذا القانون يخفف الأعباء الضريبية عن رجال الأعمال والسماسرة والمتهربين ووكلاء الشركات الأجنبية، فبينما يزيد الأعباء الضريبية علي محدودي الدخل وصغار الموظفين.
وتضيف الدراسة أن ذات القانون يمثل كارثة من كوارث الطغمة المالية والعسكرية التي كانت تحكم بمنطق أقرب إلي منطق وأساليب عصابات المافيا.
أما قانون البنك المركزي رقم 88 لسنة 2003 فتقول عنه الدراسة: إنه تمت صياغته علي ضوء شبكة مصالح ضارة بالمال العام. وتضيف الدراسة أن المادة الرابع من القانون تعتبر أموال البنك المركزي أموالاً خاصة لإخراجها من رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات ولكنه يعود في نص المادة 23 التي تعتبر أموال البنك المركزي أموالاً عامة في تطبيق أحكام قانون العقوبات، ولم يقف الأمر عند حد هذا التناقض، بل انتقل إلي درجة من درجات المسخرة حينما جاء في نص المادة 19 علي أن يتولي مراجعة حسابات البنك اثنان من مراقبي الحسابات يعينهما ويحدد أتعابهما الجهاز المركزي للمحاسبات.
والقانون يفتح الباب واسعاً للتلاعب بالأموال وفوائض البنوك العامة ويحول تلك البنوك إلي عزبة خاصة لمديريها ورؤساء مجالس إدارتها وكبار القيادات فيها.
وتجسدت قمة التلاعب بالمال العام في إنشاء صندوق لتحديث أنظمة العمل في بنوك القطاع العام وتنمية مهارات وقدرات العاملين فيها، وطبقاً للقانون فإن موارد هذا الصندوق تتكون من نسبة لا تزيد علي 5٪ من صافي الأرباح السنوية القابلة للتوزيع لبنوك القطاع العام ومساهمات البنوك التي تستفيد من خدمات الصندوق والهيئات والتبرعات والمعونات التي يوافق رئيس مجلس الوزراء علي قبولها وبلغ حجم موارد هذا الصندوق 500 مليون جنيه سنوياً، منها ما لا يقل عن 150 مليوناً إلي 200 مليون جنيه من فائض أرباح البنوك الحكومية فتخفف جزءا من الأعباء وعجز الموازنة، ولكن قيادات البنوك وزعوا جانباً كبيراً من هذه الأموال وبلغت المكافآت التي يحصل عليها هشام رامز أحد قيادات البنك المركزي نحو 160 ألف جنيه شهرياً وهو نفس المبلغ الذي يحصل عليه طارق عامر رئيس البنك الأهلي، والمؤكد أن العشرات من قيادات البنوك يحصلون علي مكافآت مماثلة خاصة وأن 150 مليون جنيه يتم توزيعها علي 100 شخصية قيادية في البنوك الحكومية والبنك المركزي.
.المصدر
http://soutelwatan.com/%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%8A%D8%AF-%D9%8A%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%85-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D9%88/#comment-169