الثلاثاء، 29 أبريل 2014

يحيى حسين عبدالهادى يكتب: أكذوبة الإمبراطورية الاقتصادية للجيش.. الموضوع كله فى حدود 20 شركة معظمها من حجم الأعمال المتوسط لذلك أتعجب مما يقال إنها تشكل 60% من الاقتصاد المصرى


في ظل دفاعه عن الجيش أو اذا شئنا نسميه تصحيح الصورة فهو كفيل بمحاسبة مبارك ونظامه ..
 أما كيف يساهم في محاكمة فهو يـأتي فيما ساقه صاحب المقال من امثلة ..

شكرا جزيلا .. 





نتعرض لنغمة أقرب لمارش هجوم الضباع الصهيونية الجائعة لقضم آخر جيش عربى كبير وقوى ومتماسك
فى أحد الصالونات الذى انعقد فى مركز إعداد القادة منذ حوالى سنة، وكنتُ أتحاشى التعقيب لأننى المُضيف، وجدتنى مضطرا للصعود للمنصة عندما وجدتُ نبرة الحديث من بعض النشطاء فى القاعة تتركز فى الهجوم على ما أسموه الامبراطورية الاقتصادية للجيش.
قلتُ لهم إننى أذكر أننى فى بداية خدمتى كضابطٍ مهندس بالقوات المسلحة فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى، فوجئتُ بأن العشاء المقرر للجندى فى هذا الجيش المنتصر هو قرص جبن نستو مستدير أو بيضة واحدة (وليس كليهما) ورغيف خبز (جراية) يقيم به أوْده حتى الصباح فى خدمته، وهو نفس المقرر للضباط الذين يُضطرون لدفع مبلغٍ من المال تحت مسمى «تحسين ميس» لإضافة بعض الفول أو الزبادى. وعرفتُ أن غذاء وكساء أى جيشٍ فى العالم هو مسؤولية الدولة وهذا ما تستطيع أن تقدمه الدولة الفقيرة والمأزومة فى مصر.
كان يُخالجنا شعورٌ بالأسى لهذه الحالة البائسة لجنودنا وضباطنا، يمتزج بشعورٍ من الخجل لأننا نُثقل كاهل الدولة بهذا العبْ رغم ضآلته على مستوى الفرد إلا أنه كبيرٌ بعدد أفراد الجيش. ثم استنكف وزير الدفاع الوطنى عبدالحليم أبو غزالة أن نظل عبئاً على الدولة وكان مما قاله أليس منا بيطريون وزراعيون يستطيعون أن يفعلوا ما يفعله أى فلاح مصرى بإنشاء مزرعة دواجن؟. وأذكر أننا كنا فى سعادةٍ بالغةٍ فى السنة التى أُعلن فيها أن ثُلث احتياج الجيش من البيض تم تدبيره بواسطة القوات المسلحة.. ثم تطور الأمر سريعاً عاماً بعد عام إلى أن تم إعفاء الدولة من العبء الإدارى بالكامل للقوات المسلحة (فضلاً عن تحسنه). هذا النشاط لا يأخذ من ميزانية القوات المسلحة مليما بل على العكس أصبح يحقق فائضا بسيطا يدعم به الجيش مجهوده الحربى الذى لا تكفيه الميزانية المعتمدة من الدولة، أو يؤمّن احتياجات القوات المسلحة فى أمورٍ أخرى سواء لتخفيف العبء عن الدولة أو لدواعى الأمن الحربى.
كنا نفاخر بإنجازنا هذا للوطن فإذا بالبعض فى سياق هجومه على المجلس العسكرى يعتبر ما قمنا به سُبةً.. فهل أخطأنا؟ إن كان ما فعلناه خطأٌ فالحل بسيطٌ جداً.. خصخصة هذه الشركات وقيام الدولة بمسؤوليتها الطبيعية تجاه القوات المسلحة غذاءً وكساءً ووقوداً وطُرقاً.. إلخ، لكى يرضى النشطاء فى القاعة ولكن هل يرضى الشعب؟.. لكننى أتعجب من كلمة «إمبراطورية» فالموضوع كله فى حدود 20 شركة معظمها من حجم الأعمال المتوسط (أى أقل من عدد شركات شركة قابضة واحدة وما أكثرها) لذلك فإننى أتعجب مما يقال عن أنها تشكل 60% من الاقتصاد المصرى.
ما كدتُ أنتهى من تعقيبى وسؤالى حتى انتفض الباحث الوطنى أحمد السيد النجار غاضبا وفاجأ الحضور بقوله إن كل ما يقال عن الامبراطورية الاقتصادية للجيش عن مسخرة ولغو وأساطير متخمة بالأكاذيب التى يحلو لبعض البلهاء ترديدها حتى فى مصر نفسها.. وهذه النغمة أقرب لمارش هجوم الضباع الصهيونية الجائعة لقضم آخر جيشٍ عربىٍ كبيرٍ وقوى ومتماسكٍ فى الوطن العربى كله.
وأوضح النجار أن البيانات الرسمية المعتمدة لدى المؤسسات الدولية 2011/2012 تشير إلى أن القطاع الخاص يسهم بنحو 61.8% من الناتج المحلى الإجمالى، والقطاع العام المدنى الذى لا لبس فيه يُسهم بنحو 36.4% (قطاعات النفط- الغاز الخام- الحكومة العامة- قطاع المال والتأمين العام- قناة السويس- التأمينات الاجتماعية- الكهرباء- المياه- الصرف- الاتصالات والمعلومات العام- قطاع النقل والتخزين العام) فيكون الباقى حوالى 1.8% هو الحد الأقصى لحصة اقتصاد الجيش فى الناتج المحلى الإجمالى.
والواقع أن الحصة أقل من ذلك بكثير لأن الباحث افترض أنها تشمل نصف الصناعات التحويلية العامة وكل حسابات القطاعات العامة فى مجالات التشييد والبناء والأنشطة العقارية والصحة التى نعلم أن القطاع المدنى له النصيب الأوفر منها ويقل نصيب الجيش فى هذه الـ1.8% عن ربعها أى أن النسبة الأقرب للواقع لإسهام الجيش فى الناتج المحلى الإجمالى حوالى 0.4% ولا يمكن بأى حالٍ من الأحوال أن تزيد عن 1.8% (وليس 60 أو 80%).. ويا ليته كان يسيطر على 60% حقاً، إذن لما أصبح اقتصادنا بهذا السوء.
عودةٌ إلى ما بدأتُ به، فقد اكتشفتُ أن بعض من يتحدثون عن (الامبراطورية) يتخيلون أن أرباحها تُوزع على ضباط القوات المسلحة وهو ما لم أكن أتخيل أن يصل الجهل (أو الصفاقة) إلى هذا المستوى الذى لا يجوز مناقشته.. نحن نتحدث عن جيشٍ وطنىٍ وليس عزبة.. أجدنى مضطراً لسرد بعض الأمثلة لكيفية توزيع أرباح (الامبراطورية).. ليس سراً الآن ما حدث فى مجلس الوزراء سنة 2005 عندما ذهب محمود محيى الدين ليفاخر بأنه باع حصة الدولة فى شركة السويس للأسمنت وأنه فى خلال شهورٍ قليلةٍ سيبيع الشركة القومية للأسمنت وهى آخر شركة متبقية.. فإذا بالمشير طنطاوى ينتفض غاضباً ويوجه حديثه للدكتور/ أحمد نظيف متسائلاً: من أين يحصل الجيش على احتياجاته من الأسمنت؟ هل يتسول لدى شركات أجنبية (حيث إن شركات الأسمنت بيعت لأجانب)؟.. فقرر الجيش إنشاء مصنع أسمنت العريش الذى حاولت شلة أمانة السياسات إثناء الجيش عن بناء المصنع بحجة أن عصر قيام الدولة بإنشاء مصانع قد انتهى للأبد فى مصر.. الحمد لله أن هذا المصنع قائمٌ الآن يؤّمن احتياجات الجيش ويبيع الفائض للشعب بسعرٍ يقل عن سعر السوق فى أوقات الأزمات بحوالى 200 جنيه للطن.
مثالٌ ثانٍ.. يذكر الجميع فضيحة بيع مليون متر مربع بجوار طابا بسعرٍ بخس لمشترٍ مزدوج الجنسية، اتضح أنه واجهة لشركاء إسرائيليين وقطريين وهو ما عُرف بقضية سياج.. ولما نُزعت الأرض منه حُكم له بتعويض حوالى 400 مليون جنيه وكان هناك اتجاهٌ فى الحكومة لإعادة الأرض له بدلاً من سداد التعويض.. قليلون هم الذين يعرفون أن الجيش هو الذى أصّر على تطهير سيناء من أى مشبوهين ودفع التعويض من عائد نشاط ما يُسمى الامبراطورية.
مثالٌ ثالثٌ.. منذ عدة سنواتٍ كانت مادة الشبّة اللازمة لمحطات تنقية مياه الشرب تحتكرها شركة أجنبية ومستوردٌ خاص.. وتعرضت مصر لموقفٍ عصيبٍ عندما اتفقا على ابتزاز الدولة فى هذه السلعة الحيوية.. فما كان من جهاز الخدمة الوطنية إلا أن بدأ فى إنشاء مصنعٍ لإنتاج الشبّة تابعٍ لشركة النصر للكيماويات الوسيطة (المشهورة بالبيروسول) فتراجع الابتزاز فوراً وتحوّل إلى ترغيبٍ وإغراءٍ للجيش لكى لا يُنشئ مصنع الشبة.. طبعاً مصنع الشبة قائمٌ الآن ضمن هذه (الامبراطورية) ويؤمن احتياجات الوطن من هذه السلعة الاستراتيجية ومن ابتزاز المحتكرين.
مثالٌ رابعٌ.. انتشلت (الامبراطورية) فى اللحظات الأخيرة ثلاث شركات قطاع أعمال مهمة من الغرق فى دوامة الخصخصة وحولتها من الخسارة للربح، وهى شركة سيماف لعربات السكك الحديدية وشركة النقل النهرى وشركة الترسانة البحرية بالإسكندرية.
أما (الامبراطورية) فتتكون من التسع عشرة شركة التالية:
1 – النصر للكيماويات الوسيطة
2 – العريش للأسمنت
3 – الوطنية للبترول
4 – الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه (صافى)
5 – مكرونة كوين
6 – الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى (شرق العوينات)
7 - النصر للخدمات والصيانة (كوين سيرفس)
8 – مصنع إنتاج المشمعات البلاستيك (المشمعات المستخدمة فى الصوب الزراعية)
9 – الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات
10 – الوطنية لإنشاء وتنمية الطرق (الإنشاءات التى تتحمل عبور الآليات الثقيلة)
11 – العربية العالمية للبصريات (الأجهزة البصرية الكهروبصرية وأجهزة الليزر الخاصة بالقوات المسلحة)
بالإضافة إلى قطاع الأمن الغذائى الذى يضم 8 شركات (استصلاح أراضى/مزارع الإنتاج النباتى/ مزارع ومجازر الإنتاج الحيوانى/ عصر زيت زيتون سينا وسيوة/ المجمدات/ الصناعات الغذائية/ مجمع إنتاج البيض/ مجمع مخابز).
كل هذه الشركات لا تتحمل الدولة ولا الجيش أى تكاليف أو أعباء مالية لجميع العاملين فيها (عسكريين ومدنيين) كالمرتبات والرعاية الصحية والوقود و.. و.. إلخ.
وكلها تخضع لمراقبة الجهاز المركزى للمحاسبات منذ سنوات، الشىء المدنى الوحيد الذى لم يكن مراقبا هو النوادى التى تتبع الأسلحة وقد بادر الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع منذ حوالى عام من نفسه بطلب مراقبة الجهاز المركزى للمحاسبات لها لكى يغلق باب التخرصات.
إن أكذوبة الامبراطورية الاقتصادية للجيش المصرى نموذجٌ عملى يجب تدريسه عن كيف تصير الكذبة (رغم لا معقوليتها) معلومةً بالإلحاح عليها.. ففى دائرة الكذب الخبيثة يكتب أحدهم مقدماً أكذوبته بكلمة (أعتقد) وينشرها فى صحيفةٍ مغمورةٍ فتنقل عنها صحيفةٌ متوسطة الشهرة ثم تأخذ عنها عدة صحف أجنبية ثم تنقل عنها صحيفةٌ مصريةٌ موتورة أو خائنة على أنها تقارير أجنبية ويتم تداولها فى الفضائيات ويتداولها النخبة والعامة وهم مغيبون، مع أن أحدا منهم لو أجرى حصرا تقديريا لعدد المصانع أو الشركات فى حيه أو مدينته أو محافظته ثم سأل نفسه ما نسبة الشركات أو المصانع العسكرية فيها؟ لاكتشف استحالة هذه الأرقام.
دائرة مغلقة مكونة من محيطٍ من المصادر التى تنقل عن بعضها البعض ولا تعرف أين مركزها وتتداول الأكذوبة اللا معقولة وتُلّح عليها إلى أن تُصبح مصدراً فى حد ذاتها وبديهيةً لا يُمكن مناقشتها.. فى حالة اقتصاد الجيش كان فى محيط الدائرة الخبيثة أسماء مثل:
موقع بلومبرج الأمريكى/ كليرتالون يكتب فى لوموند الفرنسية أن الجيش يسيطر على 25% من الاقتصاد مستقيا معلوماته من الخبير الدولى فى شؤون الجيش المصرى سبرنبورج/ مجلة سليت الأمريكية/ صحيفة أسبوعية مصرية تقول إن مصادر غربية أشارت إلى سيطرة الجيش المصرى على 30% من الاقتصاد المصرى، وفى الأسبوع التالى رفعت النسبة إلى 45% فنقلت عنها الجارديان أن مصادر مصرية تقول إن حيازة الجيش تتراوح بين 5% و60% (هكذا!) ثم ينقل نشطاء مصريون على صفحاتهم أن الجارديان تقول كذا ــ تنشر الباحثة سارة توبول إن جوشوا استاكر أستاذ العلوم السياسية فى جامعة كنت الخبير فى شؤون الجيش المصرى يقول إن الجيش يتحكم فيما بين 33 و45% / أما الواشنطون بوست فتقدرها بحوالى 60%/ ميدل إيست ريبورت تقول إن اقتصاد الجيش عابر للقارات/ أما فوكس نيوز (وما أدراك ما فوكس نيوز) فقالت إن الجيش متحكمٌ فى أكثر من 80% من التصنيع فى مصر/ صحيفة دى فيلت الألمانية 45% وفقا لرأى روبرت شبرنجبورج الخبير فى شؤون الشرق الأوسط/ صحيفة نون بوست تنقل عن دى فيلت/ أما الجزيرة فتعجن كل ما فات وتبثه فى تقارير مجمعة.
بقيت نقطةٌ هامةٌ وهى أن حجم الإنفاق العسكرى فى مصر أقل كثيراً مما ينبغى أخذاً فى الاعتبار حجم التهديدات التى تواجهها، حيث تشير بيانات البنك الدولى فى تقريره عن مؤشرات التنمية فى العالم 2012 إلى أن الإنفاق العسكرى فى مصر حوالى 2% من الناتج المحلى الإجمالى، بينما المتوسط العالمى لكل الجيوش بما فيها الجيش الصومالى والأمريكى 2.6%، أما فى منطقتنا فإسرائيل 6.5% (وصلت فى بعض الأعوام إلى 20%) والمملكة العربية السعودية 10.5% وعمان 9.6% والعراق 6% والإمارات 5.4% والأردن 5.2% وسوريا 3.9% وكل من المغرب والجزائر 3.5% أى أن مصر تُعتبر بين الأدنى عالمياً وإقليمياً.
هل يجوز بعد ذلك أن يقول قائلٌ أن لجيش مصر إمبراطورية اقتصادية؟ إلا إذا كان المقصود جيش مصر الحر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق