سألت عم يوسف عن رأيه
في قصة الإنتخابات ، فضحك قائلا :
هذه في مصر هي اللعبة الكبرى ، واللاعبون فيها هم الساسة .. أما الجمهور المتفرج فهو الشعب التعس .
هذه اللعبة ، لعبة الحكم والحكام ، وما يتبع ذلك من انتخابات وبرلمانات وأحزاب سياسية ، هي شر ما ابتليت به مصر !!
أنها العقبة الكئود ، والأغلال الثقيلة ، التى تعرقل سير الأمة وتثقل كاهلها .
ما هي السياسة في مصر ، وما هي الأحزاب ؟هل جنت مصر منها شيئا أم جنت هي على مصر ؟
السياسة في مصر ..هي الحرفة التى توصل إلى الحكم ، والأحزاب هي فرق تتبارى وتتسابق في الوصول إلى الحكم ، والحكم مفروض فيه أن يكون الوسيلة لقيادة البلد والنهوض به والعمل على رخاء الشعب ، ولكن الحكم في هذا البلد ليس وسيلة لشىء ، اللهم إلا رخاء هذه الفرق السياسية المسماة بالأحزاب ، أما رخاء الشعب وقيادته وإصلاحه والنهوض به فتلك أشياء ، قد لا تأتي في أذهان الحاكمين إلا عرضا أو لا تأتي أبدا .
هذا البلد لا يحتاج إلى شىء كحاجته إلى الاستقرار .. استقرار وهدوء توضع فيه المشروعات التي تؤدي إلى رخاء الشعب .. ثم تنفذ في صمت وسكون وفي عقل وحكمه .. بل تهريج ولا ضوضاء ولا شغب .. ولا دعاية ولا حفلات ولا زينات .. بل تحدد الأهداف التي سنصل إليها ، والطريق الذي سيوصلنا ، والزمن الى سيستغرقه الوصول . ثم نسير في طريقنا قدما .. بلا تلكؤ ، ولا هزل ، ولا عبث .
ولكن كيف يمكن الوصول إلى ذلك الاستقرار ، وفي بلادنا فرق تتبارى في لعبة الحكم الكبرى ، واللعبة تحتاج إلى تصفيق وصفير .. وتنطيط وشقلبة ؟!
كيف يمكن الاستقرار وهذا الفريق ينقض ما أبرم ذاك .. ويحل ما ربط ،ويربط ما حل .. ويؤخر ما قدم ، ويقدم ما أخر !! وهكذا نجد أنفسنا دائما بفضل مجهود الأحزاب السياسية التي تتوالى على الحكم كأننا "يا بدر لا رحنا ولا جينا " كيف يمكن الإفادة من المشروعات ..إذا كان غرضها الأساسي .. هو الدعاية والمحافظة على كراسي الحكم ، والحصول على هتاف الشعب لا على فائدته ؟
كيف يمكن الوصول إلى الاستقرار إذا كانت اللعبة الكبرى قد تحكمت فينا وسيطرت على عقولنا ؟!
تبدأ اللعبة الكبرى .. بتلك المهزلة المسماة بالانتخابات .. والتى لم تحدث قط في أي عهد من العهود .. منذ بدأنا حياتنا النيابية .. أن سلمت من أن ترمى بالتزوير والغش .
ومهزلة الانتخابات عندنا شىء ظريف يبعث التسلية في نفوس الجماهير ، والفرق خلالها تنشر أفرادها بين الجماهير ، ويعلقون اليفط كأنهم أصحاب سيرك .. ثم يخطبون في الجماهير .. قائلين كلاما " يموت من الضحك " يتلخص في أنهم .. أي أفراد الأتيام (سيجعلون السما تمطر ذهبا وفضة ) .
وهكذا يروح الشعب كأنه في مولد .. وهو شعب " هليهلي" يحب التفاريح ، ثم يحين وقت لانتخابات فيجريها رجال الإدارة بمعرفتهم .. بصرف النظر عن رغبة الجماهير .
وتظهر الانتخابات فإذا تيم من الأتيام قد نال كل الأصوات والباقي لم ينل شيئا .
وتتم بعد ذلك بقية اللعبة .. فيبدأ مجلس النواب .. في الظهور واللعب ، ويتكون معظمه من أفراد تيم واحد بينهم بضعة أفراد من الأتيام الأخرى ، إما يشتموا ويقاعوا من أغلبية المجلس وإما أن ينسحبوا .
وعمل مجلس النواب الأساسي هو التصفيق بحماسة لكبار أفراد التيم ، أو كما يسمونهم التيم الأول ، وهم الوزراء وعلى رأسهم صاحب الدولة كابتن التيم .
مجلس النواب ليس عليه سوى التصفيق بشدة . والموافقة على طول الخط .. والإعجاب والتقدير لأي عمل ، وكذلك الإعجاب والتقدير للعمل الذي يناقض هذا العمل بدون أي خجل لا استحياء .. ما دام الكابتن يريد ذلك ..
وماذا يضيرهم من الإعجاب والتقدير ؟ مادام في هذا الإعجاب والتقدير ضمان لبقائهم ، وبقاء تيمهم .
فإذا ما تركنا " السكندتيم" في تصفيقه وتهليله وانتقاله إلى جدول الأعمال ، ثم التفتنا إلى " الفرست تيم" وقد انهمك في اللعب .. لعب الحكم .. راعنا ما رأينا .
التيم حائر قلق .. يخشى على نفسه من الأتيام الأخرى التى أخذتتضع له العقبات و"الخوازيق" وتهتف بسقوطه ، وأفراده منهمكون في قضاء مصالحهم والعمل على رخاء أنفسهم والأقربين إليهم ، ثم يفزعون فجأة عى صوت ضجيج الشعب الساخط فيتظاهرون بالعمل لمصلحته محدثين في مظاهرتهم أكبر ضجة وأكبر دعاية ، محاولين استرضاءه بوسائلهم الجوفاء .. ومشاريعهم الشبيهة بالطبل .
والشعب بين الأتيام ضائع حائر .. منصرف بكليته إلى مشاهدة اللعبة .. متلهف على التغيير والانقلاب .. يجب أن يسقط هذا ، ويرتفع ذاك .. ثم يسقط ذاك ويرتفع هذا .. لمجرد التسلية .. والمشاهدة .. يشاهد أحد الأتيام في اللعب .. فيسخط عليه ويكرهه ويطلب إخراجه من الميدان . فإذا ما بدأ التيم الآخر في اللعب .. عاد إلى سخطه وطلب الأول .. ونسى كل ما كان من أمره ، هو شعب طيب ، سهل الخداع ، سريع النسيان ، حائر بين هذا وذاك .. لأن هذا شهاب الدين وذلك أخوه .
كيف يمكن الاستقرار إذا .. وهذه اللعبة تسيطر على العقول وتشغل الأذهان ؟ ..
كيف يمكن الاستقرار ، ومحترفو الساسة في البلد مسيطرون على دفة أمورها ؟
وأخذت أجهد الفكر في طريقة تخلص البلد من ساستها ، ومن أتيامها ، ومن لعبتها الكبرى .. من حكم وانتخابات ونواب ..إلخ.
عم يوسف له آراء كثيرة عظيمة في التعليم والصحة والعدالة الإجتماعية والقضاء والمواصلات والجهاز الإداري للدولة ، لكن لم يسمع له أحد .
حذارى أن تسخرمن عم يوسف ، عم يوسف ضابط جيش قديم ، وأديب ووزير ثقافة .
من رواية أرض النفاق .. يوسف السباعي .
هذه في مصر هي اللعبة الكبرى ، واللاعبون فيها هم الساسة .. أما الجمهور المتفرج فهو الشعب التعس .
هذه اللعبة ، لعبة الحكم والحكام ، وما يتبع ذلك من انتخابات وبرلمانات وأحزاب سياسية ، هي شر ما ابتليت به مصر !!
أنها العقبة الكئود ، والأغلال الثقيلة ، التى تعرقل سير الأمة وتثقل كاهلها .
ما هي السياسة في مصر ، وما هي الأحزاب ؟هل جنت مصر منها شيئا أم جنت هي على مصر ؟
السياسة في مصر ..هي الحرفة التى توصل إلى الحكم ، والأحزاب هي فرق تتبارى وتتسابق في الوصول إلى الحكم ، والحكم مفروض فيه أن يكون الوسيلة لقيادة البلد والنهوض به والعمل على رخاء الشعب ، ولكن الحكم في هذا البلد ليس وسيلة لشىء ، اللهم إلا رخاء هذه الفرق السياسية المسماة بالأحزاب ، أما رخاء الشعب وقيادته وإصلاحه والنهوض به فتلك أشياء ، قد لا تأتي في أذهان الحاكمين إلا عرضا أو لا تأتي أبدا .
هذا البلد لا يحتاج إلى شىء كحاجته إلى الاستقرار .. استقرار وهدوء توضع فيه المشروعات التي تؤدي إلى رخاء الشعب .. ثم تنفذ في صمت وسكون وفي عقل وحكمه .. بل تهريج ولا ضوضاء ولا شغب .. ولا دعاية ولا حفلات ولا زينات .. بل تحدد الأهداف التي سنصل إليها ، والطريق الذي سيوصلنا ، والزمن الى سيستغرقه الوصول . ثم نسير في طريقنا قدما .. بلا تلكؤ ، ولا هزل ، ولا عبث .
ولكن كيف يمكن الوصول إلى ذلك الاستقرار ، وفي بلادنا فرق تتبارى في لعبة الحكم الكبرى ، واللعبة تحتاج إلى تصفيق وصفير .. وتنطيط وشقلبة ؟!
كيف يمكن الاستقرار وهذا الفريق ينقض ما أبرم ذاك .. ويحل ما ربط ،ويربط ما حل .. ويؤخر ما قدم ، ويقدم ما أخر !! وهكذا نجد أنفسنا دائما بفضل مجهود الأحزاب السياسية التي تتوالى على الحكم كأننا "يا بدر لا رحنا ولا جينا " كيف يمكن الإفادة من المشروعات ..إذا كان غرضها الأساسي .. هو الدعاية والمحافظة على كراسي الحكم ، والحصول على هتاف الشعب لا على فائدته ؟
كيف يمكن الوصول إلى الاستقرار إذا كانت اللعبة الكبرى قد تحكمت فينا وسيطرت على عقولنا ؟!
تبدأ اللعبة الكبرى .. بتلك المهزلة المسماة بالانتخابات .. والتى لم تحدث قط في أي عهد من العهود .. منذ بدأنا حياتنا النيابية .. أن سلمت من أن ترمى بالتزوير والغش .
ومهزلة الانتخابات عندنا شىء ظريف يبعث التسلية في نفوس الجماهير ، والفرق خلالها تنشر أفرادها بين الجماهير ، ويعلقون اليفط كأنهم أصحاب سيرك .. ثم يخطبون في الجماهير .. قائلين كلاما " يموت من الضحك " يتلخص في أنهم .. أي أفراد الأتيام (سيجعلون السما تمطر ذهبا وفضة ) .
وهكذا يروح الشعب كأنه في مولد .. وهو شعب " هليهلي" يحب التفاريح ، ثم يحين وقت لانتخابات فيجريها رجال الإدارة بمعرفتهم .. بصرف النظر عن رغبة الجماهير .
وتظهر الانتخابات فإذا تيم من الأتيام قد نال كل الأصوات والباقي لم ينل شيئا .
وتتم بعد ذلك بقية اللعبة .. فيبدأ مجلس النواب .. في الظهور واللعب ، ويتكون معظمه من أفراد تيم واحد بينهم بضعة أفراد من الأتيام الأخرى ، إما يشتموا ويقاعوا من أغلبية المجلس وإما أن ينسحبوا .
وعمل مجلس النواب الأساسي هو التصفيق بحماسة لكبار أفراد التيم ، أو كما يسمونهم التيم الأول ، وهم الوزراء وعلى رأسهم صاحب الدولة كابتن التيم .
مجلس النواب ليس عليه سوى التصفيق بشدة . والموافقة على طول الخط .. والإعجاب والتقدير لأي عمل ، وكذلك الإعجاب والتقدير للعمل الذي يناقض هذا العمل بدون أي خجل لا استحياء .. ما دام الكابتن يريد ذلك ..
وماذا يضيرهم من الإعجاب والتقدير ؟ مادام في هذا الإعجاب والتقدير ضمان لبقائهم ، وبقاء تيمهم .
فإذا ما تركنا " السكندتيم" في تصفيقه وتهليله وانتقاله إلى جدول الأعمال ، ثم التفتنا إلى " الفرست تيم" وقد انهمك في اللعب .. لعب الحكم .. راعنا ما رأينا .
التيم حائر قلق .. يخشى على نفسه من الأتيام الأخرى التى أخذتتضع له العقبات و"الخوازيق" وتهتف بسقوطه ، وأفراده منهمكون في قضاء مصالحهم والعمل على رخاء أنفسهم والأقربين إليهم ، ثم يفزعون فجأة عى صوت ضجيج الشعب الساخط فيتظاهرون بالعمل لمصلحته محدثين في مظاهرتهم أكبر ضجة وأكبر دعاية ، محاولين استرضاءه بوسائلهم الجوفاء .. ومشاريعهم الشبيهة بالطبل .
والشعب بين الأتيام ضائع حائر .. منصرف بكليته إلى مشاهدة اللعبة .. متلهف على التغيير والانقلاب .. يجب أن يسقط هذا ، ويرتفع ذاك .. ثم يسقط ذاك ويرتفع هذا .. لمجرد التسلية .. والمشاهدة .. يشاهد أحد الأتيام في اللعب .. فيسخط عليه ويكرهه ويطلب إخراجه من الميدان . فإذا ما بدأ التيم الآخر في اللعب .. عاد إلى سخطه وطلب الأول .. ونسى كل ما كان من أمره ، هو شعب طيب ، سهل الخداع ، سريع النسيان ، حائر بين هذا وذاك .. لأن هذا شهاب الدين وذلك أخوه .
كيف يمكن الاستقرار إذا .. وهذه اللعبة تسيطر على العقول وتشغل الأذهان ؟ ..
كيف يمكن الاستقرار ، ومحترفو الساسة في البلد مسيطرون على دفة أمورها ؟
وأخذت أجهد الفكر في طريقة تخلص البلد من ساستها ، ومن أتيامها ، ومن لعبتها الكبرى .. من حكم وانتخابات ونواب ..إلخ.
عم يوسف له آراء كثيرة عظيمة في التعليم والصحة والعدالة الإجتماعية والقضاء والمواصلات والجهاز الإداري للدولة ، لكن لم يسمع له أحد .
حذارى أن تسخرمن عم يوسف ، عم يوسف ضابط جيش قديم ، وأديب ووزير ثقافة .
من رواية أرض النفاق .. يوسف السباعي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق