في الذكرى الرابعة و الثمانين لثورتها
ثورة البراق .. جذور المقاومة الفلسطينية
إيه إن إيه – معتز محسن – القاهرة
في ظل الإضطرابات العربية المتواصلة بسبب البحث عن الديمقراطية المفقودة و التائهة بين أنياب الأحزاب و القوى المتصارعة بعد القضاء على أنظمة عربية مستبدة في الماضي العصيب و رغم كل هذه التلاحمات الرهيبة المتاخمة للقضية الرئيسية للأمة العربية و هي القضية الفلسطينية و التي تاهت وسط هذا التيه العميق إلا أن للأمة أيامًا لا تُنسى لا بد من تذكرها و الإستفادة منها لما تتمتع به من صفة إستنساخية لأيامنا المعاصرة كناية على دورية التاريخ.
تمر اليوم الذكرى الرابعة و الثمانون لثورة البراق التي حملت في جعبتها أهلية المواطن العربي للمقاومة خوفًا و غيرةً على أرضه و مقدساته الدينية في ظل الإنتداب البريطاني على فلسطين منذ العام 1914 أثناء الحرب العالمية الأولى و إعطاء وعد بلفور الشهير من قِبل وزير الخارجية البريطاني و رئيس وزرائها جيمس أرثر بلفور لليهود العام 1917 حيث تسلمه الزعيم الصهيوني الكبير حاييم وايزمان مقابل تطويره لمفاعل النيتروجلسرين لتقوية المتفجرات و المفرقعات للجيش البريطاني لتبدأ عجلة البكائية الفلسطينية.
كعادة الصراع العربي الإسرائيلي حول ماهية المكان ما بين عبريته و عربيته كان حائط البراق الذي يقدسه المسلمون نسبةً لحادث الإسراء و المعراج الذي ساهم في نشر رسالة الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام كتمهيد للبعثة النبوية الشريفة و في نفس الوقت يقدسه اليهود نسبةً لحائط المبكى الخاص بنبي الله سليمان عليه السلام و هنا كان صراع التاريخ بين العبرية و العربية الذي تحول إلى صراع سياسي من الدرجة الأولى يوم 15 أغسطس من العام 1929.
جاء يوم 15 أغسطس من العام 1929 الذي يحمل ذكرى بكائية لليهود يوم الحداد على خراب الهيكل المعروف بهيكل سليمان و الذي تنبأ بخرابه نبي الله عيسى عليه السلام و هذا الحائط سُمح لليهود من قِبل الخلافة العثمانية العام 1917 بزيارته ليُتخذ موضعًا للبكاء على أطلال أثرهم التاريخي كخيط لإحياء سندًا تاريخيًا يعطي القوة لليهود بأحقيتهم بفلسطين أرض الأجداد كما يزعمون.
جاءت الفرصة سانحة في هذا اليوم حيث نظم اليهود مظاهرات حاشدة من خلال منظمة (بيتار) اليمينة المتطرفة حاملةً شعار (الحائط حائطنا) متجهين إلى حائط البراق حيث قاموا بتركيز أدوات العبادة الخاصة بهم قرب الحائط رافعين العلم الصهيوني مرددين النشيد اليهودي المعروف ب(هاتكيفاه) أو الأمل مع إلقائهم بخطبٍ صلفة تسب الرسول عليه الصلاة و السلام و الإسلام و المسلمين.
تلك الأدوات المحرقة للإضطرابات و الثورات كانت كلمة السر في إطلاق شرارة ثورة البراق حيث قام المسلمون بثورة مضادة خرجت من المسجد الأقصى بعد إستماع المتظاهرين لخطبة الشيخ حسن أبو السعود التي بينت المخاطر المهددة للمقدسات الإسلامية ليقوم المتظاهرين بتحطيم منصة اليهود أمام الحائط و أخرجوا من فجواته الأوراق التي وضعها اليهود فيها.
ظل الشجار قائمًا بين الطرفين إلى أن جاء يوم الجمعة الموافق 23 أغسطس العام 1929 ليزداد لهيب الصدام عقب صلاة الجمعة في القدس و الذي شهد جمع كبير من القرى و المدن المجاورة للقدس لوقف الصلف اليهودي على المقدس الإسلامي لتصل أخبار الثورة لجموع الفلسطينيين عقب مهاجمة اليهود لمسجد عكاشة القديم في القدس و تدنيسه ليلتحم الطرفين في صراع حامي الوطيس نتج عنه الدماء و الآلام لتتدخل القوات البريطانية للإمساك بزمام الأمور نهائيًا يوم 28 أغسطس بعد إكتمال التعزيزات العسكرية.
نتج عن هذا الإشتباك 133 قتيلاً يهوديًا و 116 شهيدًا فلسطينيًا أستشهد معظمهم على يد القوات البريطانية و جُرح 232 فلسطينيًا و 339 يهوديًا و كانت الإصابات بين البريطانيين نادرة لتركيز الثوار على اليهود.
ساقت السلطات البريطانية 1300 شخص منهم 90% من الفلسطينيين للمحاكمة بينما أفرجت عن معظم اليهود و تم تنفيذ حكم الإعدام على ثلاثة فلسطينيين ممن شاركوا بالثورة و هم الشهداء محمد جمجوم و فؤاد حجازي و عطا الزير و تم تنفيذ الإعدام عليهم يوم 17 يونيه من العام 1930 عُرف بيوم (الثلاثاء الحمراء) خاصةً بعد طلب الزير و جمجوم بتخضيب أيديهما بالحناء كناية عن الفرح بإقتراب لحظة الشهادة.
هنا يتسنى لنا في تلك الذكرى العطرة أن نستمسك بالأمل رغم الظروف العصيبة التي تجتاح الوطن العربي في ظل تخبط كبير يهدد وحدة الجسد العربي في مواجهة الأنياب الصهيوأمريكية و لكن بتعدد شهداء الربيع العربي يتسنى لنا الأمل رغم بعده بأن الفرج قريب و النصر آتٍ ما دام في العمر بقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق