أجساد وأعمار مختلفة
من البشر، تتشابه فى السمرة والنحافة، تراصت على حافة الرصيف، صباح كل يوم، من أول
وهلة تدرك أنهم قطعوا مئات الكيلومترات من الجنوب للشمال ليبحثوا عن فرصة عمل،
أمام كل منهم أزميل حديدي طويل وسميك، يسميه البعض منهم أجنة أو مسمار، ومطرقة ثقيلة
وضعوها نصب أعينهم فى وضع التأهب، ومنهم من أضاف إليها الجاروف ليصنع شكل هندسي
هرمي يشبه منصة الصواريخ، تذكرني جلستهم بصورتى أثناء فترة التجنيد أمام مخزن
السلاح وأنا قابض على سلاحى فى وضع الاستعداد، أو أعلى التبة الجنوبية بالكتيبة،
يستطيع المار بجوارهم بقليل من التمهل والتأمل أن يتيقن من وجود قصة وراء كل منهم،
ربما حملها معه وربما حملته للنزوح من قريته، قد تخدعك نظراتهم فتظن بهم السذاجة،
ولكن لو اقتربت منهم، وراقبت تلك العيون برغم اصفرارها، وبروز محجريها، ستجدها
تحوم كالوحوش الساكنة التى تنتظر أول فريسة قادمة فتنقض عليها، ربما تنجح فى
اقتناص ما يكفى لسد جوعها والاحتفاظ بما يكفى لأفواه تنتظر ولا تغيب صورتها أبدا عن عقل وقلب كل منهم.
أتابعهم كل يوم أثناء تناول فطوري بالمقهى، بعض منهم أصبحوا معروفين بالاسم، يأتيهم من يقلهم كل صباح، لينطلقوا فى أعمال هدم جدار و ترحيل دماره، يضحك أحدهم قائلا للمهندس: (الراجل صاحب البيت بقى له على الحال دا ياما، كسر كل البيت، والله أنى صعبان عليً فلوسه)، يضحك المهندس قائلا له: (رزقك يا عم سعيد ورزق أولادك)، كنت على وشك أن أسأله: (لماذا هجرت الزراعة فى قريتك؟!) ولكن لم تحن الفرص .
أتابعهم كل يوم أثناء تناول فطوري بالمقهى، بعض منهم أصبحوا معروفين بالاسم، يأتيهم من يقلهم كل صباح، لينطلقوا فى أعمال هدم جدار و ترحيل دماره، يضحك أحدهم قائلا للمهندس: (الراجل صاحب البيت بقى له على الحال دا ياما، كسر كل البيت، والله أنى صعبان عليً فلوسه)، يضحك المهندس قائلا له: (رزقك يا عم سعيد ورزق أولادك)، كنت على وشك أن أسأله: (لماذا هجرت الزراعة فى قريتك؟!) ولكن لم تحن الفرص .