الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

بعيدا عن السياسة : ارتباك

فى المساء، زارتنا جارتنا، وطلبت منى أن أصحبها إلى البنك لسحب مبلغ لشراء شقة، ولم أكد  أذكرها أن الصباح هو أول أيام رمضان لأعتذر عن المهمة،  حتى نظرت لى أمى قائلة: طبعا، وفى أي وقت، أنت أخته، وفى الصباح بينما كنت  أنتظر جارتنا أمام الباب الداخلي للبنك والذي نصل إليه من خلال صعودنا لدرجات سلم مرتفع، تذكرت أول مرة سمعت فيها قصة ميراث والد جارتي من أخيها، كنا زميلين فى المرحلة الثانوية، وقد مر على القضية عشر سنوات، وكل عام ينتظرون الحكم، وقد علم بقضية الميراث، كل أصدقائنا، حتى أصبحت مثارا للسخرية بيننا، مات والدها، وهاجر أخوها، وبقيت هي ووالدتها المريضة تتابعان القضية، وتحولت السخرية منا إلى شفقة لحالهم الذي كان يسوء عاما بعد عام، كبرت جارتنا، وأمها ترتجف خوفا مع كل عريس يتقدم لها خشية أن تتخلى عن رعايتها، وبينما أتأمل حال جارتنا بعد حصولها على الميراث، وإختلاط مشاعرها ما بين بهجة وحيرة وهى تحدثنى فى الطريق عن المستقبل بخوف وترقب، إقتربت منى إحداهن لم أستطع أن أحدد إذا كانت إمرأة أو فتاة، وسألتنى : من أين تستطيع الحصول على قرض؟! فأشرت لها إلى موظف الأمن الجالس فى مدخل البنك لكي تستفسر منه، فإنصرفت . ولكني لاحظت ارتباكها الواضح فى الكلام وفى خطواتها ، وشغلت نفسي بمتابعة حركة الناس على رصيف البنك المطل على النيل، وأتذكر الفيلل التى هدمت ونشأت مكانها المباني العالية بمحلات كثيرة أسفلها فزاد من زحام الطريق، وحيرة مالكي السيارات فى الحصول على موقف،  واندهشت كيف لم يتفتق ذهن المسئولين عن فكرة ربط اصدار الرخص بتوفير مكان لعدد الوحدات السكنية بكل برج؟! هل ذلك متعمد لكى يكدروا الناس صباحا مساءً أم إنعدم الخيال إلى هذا الحد؟! وكيف يقبل السكان تلك المعاناة اليومية فى الدخول والخروج إلى منطقة سكنهم برغم المبالغ الكبيرة التى دفعوها مقابل تلك الوحدات ؟! وتوقفت عن حديث النفس حين لمحت تلك الفتاة مرت من أمامي تهبط درجات السلم بنفس الارتباك البادى فى خطواتها ولم أعلم هل حصلت على إجابة ترضيها لتلبية قرضها أم لأ . التفتت يمينا فوقع بصري على  العجوز الجالس أمام السور الحديدى للبنك واضعا أمامه بضع من أكياس المناديل الورقية وحاولت أحسب  كم يربح من هذا العدد الضئيل وكم تكلفة رحلة الوصول والعودة ، إلى البنك وبيته، حتى عادت الفتاة أدراجها صاعدة درجات السلم ومرت بجواري ولمحتها أكثر ارتباكا وحيرة من قبل، فتركت التفكير فى بائع المناديل واهتديت إلى أنه من المؤكد يعتمد على احسان بعض المارة وإستدرت  مواجها مدخل البنك منتظر خروجها، ولم تمض دقائق حتى عادت، فأقبلت عليها وسألتها: - هل وافقوا على القرض ؟ - لأ . اشترطوا وجود ضامن . - وهل لا تعلمي أن هذا شرط ضروري ؟ - فى التلفزيون كل يوم بيقولوا القروض متاحة بالبنوك لشراء ثلاجة أو صالون . - وما سبب حاجتك للقرض ؟ - زوجي يعمل نجارا على ماكينة خشب وقطعت أصابع يده اليمنى ولا يعمل منذ ستة أشهر، وعندى طفلان، ولا نملك أي مبالغ بالبيت، ورمضان دخل والعيد بعده ، وبعده فيه مدارس . - والدك موجود ؟ - نعم . - هل والدك يعلم ظروفك ؟ -لا أستطيع إخباره فظروفه سيئة هو أيضا . أثناء ذلك كنت مددت يدى وأخرجت مبلغا من المال قدمته إليها قائلا اعتبري هذا المبلغ جزءا من القرض، رديه حين يتيسر لك ، كنت منتظر فرحتها ولكنها فاجئتني ببكاء ورفض قائلة : لا أستطيع ، ماذا أخبر زوجي عن مصدر المبلغ ؟!
خرجت جارتنا، حاملة كيس النقود، متجهة ناحيتى تحثني على الذهاب، فدسست المبلغ فى يد زوجة النجار ولم انتظر منها رفضا وتركتها وذهبت مسرعا، فى مكتب الشهر العقارى كان ينتظرنا رجلان، أحدهما صاحب الشقة، والآخر هو الوسيط، الذي ما إن رآنى حتى صافحنى بحرارة شديدة، كان فى الأصل يعمل محصل كهرباء، بعد انتهاء إجراءات التسجيل، طلب المحصل، حقه فى اللبيع، وطلبت مني جارتنا أن أتوسط لديه لأخفض المبلغ، ولكنى لا أدري لماذا ارتبكت فلم أرد، ولم أحاول .     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق