الثلاثاء، 17 يناير 2017

قصة قصيرة : كوب شاي

لم يعد يتحمَّل آلام الجوع ولم تعد تُهَدِّىء منها جرعات قليلة من المياه فى هذا الجو شديد البرودة، يومان كاملان لم يدق بابه صبي المطعم، ليزوده بطعام الفطور والعشاء كما اتفق مع صاحب المطعم ولم يهتدِ لسبب مقنع لذلك، ينتفض من فراشه ملقياً بكتابه على يمينه، مندفعاً إلى المطبخ متفقداً ما تبقى من طعام فطوره، فلم يجد سوى كسرات قليلة من الخبز الأسمر الجاف، وبقايا جبن مالح وقطعة صغيرة من ثمرة طماطم فاسدة، كان قد استخلص منها ما يصلح فى الصباح، وقد حاصرتهم أسراب من النمل من كل صوب، وقف مندهشاً يتأمل حركة النمل وأخذ يفكر هل يستطعم النمل أيضا الجبن المالح مع الطماطم؟ هل غَيَّر النمل نظامه الغذائي وانصرف عن كل ما هو حلو ومسكر؟ أم تراه مضطراً بعد رحلة بحث شاقة فلم يجد أثراً لديه لمبتغاه فى مطبخه المتواضع جداً؟! قرر أن يُهدىء من جوعه بكوب دافىء من الشاي، ولكنه لم يقتنع بالفكرة، فنظر فى ساعته واتجه للنافذة المطلة على الشارع وألقى نظرة عليه فوجد مطعم السعادة مازالت أبوابه مواربة، فلم يتردد فى النزول وتناسى تماماً القصيدة التى يلقيها عليه كل مرة "عم سيد" صاحب المطعم، فتلَّفح وعدَّل من ملابسه قليلاً وهبط درجات السلم، كان هناك قليل من الزبائن وقد ارتاح قليلا أن رآهم وقد تلفَّحوا وتلثَّموا مثله لدرء الصقيع الشديد، واندهش أن وقع بصر عم سيد عليه ولم يلقِ عليه قصيدته المعتادة من الترحيب والتهليل بالمدير الكبير، بابن الأصول، النزيه، الشريف، ابن حتتنا اللى مشرَّفنا ورافع راسنا ورجع لحارته القديمة علشان مايمدش إيده للحرام، وزادت دهشته أن لم يسأله حتى عن طلبه ويوصي أحد صبيانه بتجهيزه، ولكنه لاحظ أنه لا يوجد صبيان وأن عم سيد هو من يخدم الزبائن بنفسه، انتبه على صوت عم سيد مشيراً له بيده قائلاً : (طلبك يا أستاذ، لمؤاخذة مشيت الصبيان، معادتش جايبه همها) ..

 عاد لمطبخه وتناول طعامه، واحتفظ بقليلاً منه لفطور الصباح، وهمَّ مرة أخرى لعمل كوب من الشاى، ولكنه تذكَّر أسراب النمل فعاد للنظر إليها وضحك فى نفسه متسائلاً : (هل ممكن أن يصاب النمل بأمراض البشر؟ وهل الملح الزائد ممكن أن يصيبهم بارتفاع الضغط مثلاً أو يهدد وظائف الكلى؟ وهل إذا شعروا بزيادة الملوحة يزيدون من شرب المياه؟ وهل تؤذيهم مياهنا كما تؤذينا؟ ثم وجَّه أسئلته تلك للنمل وبعد أن انتهى ولم يجد إجابة بل وجدهم مستمرين فى حركتهم الدؤوبة، قرر أن يهِّددهم فقال لهم: (ممكن أن أقضي عليكم جميعاً وألقي بكم فى غيابة الجب، وممكن أن أترككم تذهبون إن وعدتموني بعدم إزعاجى من جديد، ولم يتوقفوا أيضاً عن حركتهم، فقرر التخلص منهم، فأشعل موقد صغيراً ليعد الشاي ونظر إليهم ولكنه تراجع عن الفكرة، إذ تذكر أن الحرق حرام، وقال فى نفسه ولابد أيضاً أن الموت خنقا بالمبيد حرام، ثم تذكر أنه لا يملك أي مبيدات، ولكنه لم يستطع أن يقرر إذا ما ألقى فوقهم بعض من المياه فماتوا غرقى فهل هذا أيضاً حرام أم حلال؟ لذلك تراجع عن الفكرة تماماً، وأخذ يتأمل حركتهم مبتسماً واضعاً كوب الشاى الدافىء بين كفيه ملتمساً بعض الدفء، تاركاً لهم مصباح المطبخ مضيئاً ليسَهل عليهم حركتهم، وعاد ليستكمل قراءة كتابه فاكتشف أنه لم يتذكر أين توقف، فبدأ القراءة من جديد..

مقال : صديقي العزيز جوجل(5) : الخونة البررة !

مضى أكثر من شهرين لم أرسل لك رسالة جديدة، فلقد كانت الإخفاقات بمصرنا الحبيبة كثيرة، وانشغل الناس فيها بقوت يومهم وعلاجهم، وآثرت البعد قليلاً وقضيت وقتاً طويلاً بالقراءة، أو بالأحرى إعادة قراءة لكتب كنت قد قرأتها فيما مضى، فقرأت مسرحية "الطعام لكل فم" للحكيم، وأيضاً "السلطان الحائر"، وقرأت "رواية أرض النفاق" ليوسف السباعى، وقرأت "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، وسألت نفسي ماذا يمكنني أن أكتب بعد كل هؤلاء؟! إنها لخيبة كبيرة إن لم يقرأ أحدٌ لهم، حتى أنني أصبحت على يقين تام أن لا أمل فى مسئول واحد لم يقرأ لهم .
ولكن لأن الحدث اليوم جلل عظيم تجاوز كل إخفاقٍ مرت به مصر من قبل، وتجاوز كل المؤامرات الغربية والعربية والكونية على مر الزمان؛ فقد رأيت أنه من الواجب أن أخبرك صديقي جوجل، بخيبة كبيرة حلت علينا كمصريين..
- سَجِّل يا جوجل على صفحاتك، فلم أعد أثق فيمن يكتب التاريخ، أن حفنة من نشطاء السبوبة ونشطاء الغبرة ونشطاء الفيسبوك العاطلين عن العمل انصاعوا لرهط من الخونة والعملاء والممولين وكارهي البلد على رأسهم ثلاثة أشخاص، منهم محاميان؛ يدعى الأول "خالد على" ، والثاني "مالك عدلي" وثالثهم لواء وسفير سابق يُدعى معصوم مرزوق، وقاموا بتدشين صفحات وإنشاء هاشتاج أن تيران وصنافير مصرية، ولأنهم عاطلون فلم يجدوا غضاضة فى أن يضحوا بوقتهم من أجل البحث والتقصي للوصول إلى خرائط ومستندات ووثائق تثبت مصرية الجزيرتين، ولأنهم خونة فلم ينصاعوا ولم يخضعوا ولم يثقوا في اتفاقية وقعت عليها حكومة مصرية، ووصلت بهم الخيانة ألا يثقوا فى رئيس دولتهم الذي بادر بتلك الاتفاقية وقال صراحة وبكل وضوح ألا يريد مزيد من الكلام فى هذا الموضوع..

- سَجِّل يا جوجل أن هؤلاء الخونة والعملاء لم يكتفوا بذلك بل اعترضوا وبشدة وبدون خجل أو مواربة ورفضوا أن يقول كائن ما أن جيش مصر كان محتلاً يوما ما..
- سَجِّل يا جوجل أن هؤلاء الخونة استهزأوا وسخروا من الوثيقة التى كشفت عنها ابنة جمال عبدالناصر ولم يصدقوها، وأن هؤلاء سخروا من خبير عسكرى صرح مؤخراً لنفي مصرية تيران وصنافير : (بأن سيناء لم تكن ضمن الحدود المصرية كاملة تحت حكم الدولة العثمانية)..

- سَجِّل يا جوجل أن هؤلاء الخونة والعملاء انضم إليهم كثير من المحبطين والمتشائمين وأن تلك الواقعة لم تكن الأولى، فهؤلاء هم أنفسهم الذين لم يقتنعوا بجهاز اللواء العظيم الدكتور عبد العاطي لأن نفوسهم المريضة سيطرت على عقولهم وأبت كل ما يعود بالنفع على مرضى مصريين لدرجة أنهم رفضوا أن يمنحوهم أي أمل فى العلاج..

- سَجِّل يا جوجل واحفظ على صفحاتك لكي يقرأ أولادنا مستقبلاَ أن هؤلاء الخونة والعملاء قد نشروا المناخ التشاؤمي فى الأرض، ولم يقتنعوا بفكرة قناة السويس الجديدة، لدرجة أن وصل بهم حد الحقد أن أطلقوا عليها التفريعة، وقالوا عنها أنها بلا جدوى وشككوا فيما ردده مسؤلون كبار بالدولة عن إيراداتها المتوقعة مما كان له أثر بالغ على تدنى عوائدها..

- سَجِّل يا جوجل أن هؤلاء المحبطين غير المتخصصين دائمى الاعتراض والنقد الهدَّام، اعترضوا على ثبات سعر الصرف لأكثر من عام وعلى الفارق الشاسع الذي وصل للضغف بالسوق السوداء وكانوا يسألون لمصلحة من يقوم البنك المركزى أسبوعياً بطرح ملايين الدولارات، ولماذا لا يقوم بتحرير سعر الصرف تدريجياً حتى يستطيع أن يمتص السوق أثر زيادة ارتفاع الأسعار ولا يحدث زلزالاً مرعبا في حياة المواطنين..

- سَجِّل يا جوجل أن هؤلاء كانوا من المصدقين جدا لتقرير هشام جنبنة عن حجم الفساد وأنهم حتى الآن متعاطفين معه..

- سَجِّل يا جوجل أن مازال هؤلاء العملاء والخونة والمحبطين يحاولون التشكيك فى المشروعات العملاقة التى تقوم بها الدولة كالعاصمة الإدارية ..
- سَجِّل يا جوجل أن هؤلاء لا يرون أية بارقة أمل فى غدٍ أفضل مع انتهاج نفس السياسة المُتَّبَعة، ويرون أن الإعلام الحالي هو إعلام موجه لتغييب العقول وبث الرعب والدعوة للاستكانة بين المواطنين..


- سَجِّل يا جوجل أن هؤلاء الخونة ليس لهم أي انتماءات، ولا يتمسكون إلا بمصريتهم ولا يحركهم إلا ضمائرهم الحرة..

- سَجِّل يا جوجل عني أني متفائل جداً وأني أثق فى الشعب المصري طالما كان أمثال هؤلاء النابهين متربصين لكل منافق وفاسد ومغيب وساذج..
- سجل يا جوجل عنى أيضاً، إذا كان التمسك بالأرض خيانة، فليبارك الله لنا فى هؤلاء الخونة البررة، ويرزق مصر المزيد منهم ويسدد خطاهم ويقوى شوكتهم..

حفظ الله مصر من أهلها..