الجمعة، 25 ديسمبر 2015

بعيدا عن السياسة ..ابني .

بمجرد ما تم ابني عامه الثامن عشر، طلب مني أن أفي بوعدي له، وقد كنت أقنعته منذ الصغر أن لا يفكر أبداً في قيادة سيارة قبل أن يحصل على رخصة ويجتاز الإختبار بدون واسطة، ولكني كنت لا أمانع أن أدربه على القيادة في سنوات سابقة كي أقنعه أني جاد، لذلك لم أتردد في تلبية طلبه وذهبت معه لإدارة المرور، ورأيت أنه لا مانع من الأخذ بنصيحة صديق قال لي : " الأفضل أن يقدم طلب الرخصة من خلال مدرسة تعليم القيادة، لأن الأفضلية لطلاب المدرسة، ولم أمانع قائلاً في نفسي لعله يستفيد منها مالم يتعلمه مني" .
وصلنا لإدارة المرور وتعمدت أن أترك ابني يدخل بمفرده لكي يخوض التجربة بنفسه، متعللاً له بأن لدي موعد قريب بنفس المنطقة، وأنه إذا احتاجني يتصل بي وسأحضر له سريعاً، قائلاً له : " إذا كنت ستقود سيارة بمفردك فيجب أن تعتمد على نفسك، ولم أنتظر منه إجابة، وانطلقت أمامه وسرعان ما استدرت حول المبنى متخذاً جانباً بالسيارة يتيح لي مراقبة البوابة من بعيد، منتظراً خروج ابني أو اتصاله في أي لحظة .
مرت حوالى نصف الساعة ورأيته يخرج ومعه شخص لا أعرفه، واتجه ناحية أحد البنايات واختفى قليلاً، ثم عاد يتقدمه نفس الشخص بخطوات، مرت نصف ساعة أخرى ووجدته خارجاً من المبنى وفي نفس الوقت وصلني اتصال منه يطلب حضوري لأنه انتهى .
انتظرت دقائق وتحركت تجاهه، يبدو عليه الذهول، وبمجرد ما دخل السيارة بادرني قائلاً : " في حاجات غريبة كتير جوا " .
- حاجات زي إيه ؟ وبعدين المهم خلصت ولا في أوراق ناقصة ؟!
- أيوا خلصت، لكن أنا دخلت جوا لقيت زحام شديد، ومفيش غير شباك واحد ومحدش عارف حاجة ومش عارف أسأل مين، لقيت واحد قرب مني وقال لي انت عايز تطلع رخصة ؟ قلت له : أيوا ، بص في الأوراق وقال لي تعالى معايا وهات ميت جنيه، ورحنا مبنى أدام المرور واتكلم مع واحد وأعطاه ستين جنيه وشاف اسمي من البطاقة وكتبه على روشتتين واحدة باطنة وواحدة نظر، وقال لي دول أهم حاجة، مش انت نظرك كويس؟ قلت له : أيوا، وبعدين رجعنا المرور وعند الشباك قال لي خليك انت هنا، وطلب فلوس تاني ميتين جنيه، ودخل جوا وشوية وخرج، وقال لي تعالى يوم الإتنين الجاي الساعة واحدة الظهر للإختبار .
- الشخص ده كان لابس لبس عسكري ولا لبس عادي زينا ؟
- لأ مش عسكري .
- موظف جوا بالمرور ؟
- ما اعرفش !!
- خير إن شاء الله ، متقلقش ده العادي .
- عمرو صاحبي في جدة بيقول النظام عندهم غير كده خالص، هناك لو قدمت للرخصة أول حاجة بيعملك كشف طبي بجد، يعني في دكتور بيكشف نظر وباطنة وكمان بيحلل فصيلة الدم وأحيانا بيطلبوا تبرع دم لو صحتك كويسة، وبعدين بيعملك اختبار لو نجحت بتطلع الرخصة في نفس اليوم، لو سقطت بيحددلك المستوى، مستوى: أ ، ب ، ج ، كل ده في مبنى واحد، ومدرسة التعليم بتعلم فعلاً مش بس بتاخد فلوس على الفاضي، وممكن كمان تسقط بالرغم إنك بالمدرسة ، دا غير إن تجديد الرخصة عن طريق النت .
- نظام فعلاً كويس ، وأفضل لو تم على الأقل تطمئن على صحتك ويستفيد المرور من المبالغ المدفوعة في تحسين الطرق أو على الأقل في دهان المطبات، طبعاً استخدام النت هيقلل من الزحام وعدد الموظفين، لكن كل بلد لها ظروفها .
- ظروف إيه يا بابا ، الموضوع مش محتاج حاجة ! وبعدين هما الدكاترة اللي مكتوب أساميهم على الروشتة دي عارفين ؟ وكمان المرور عارف إن دي شهادات طلعت من مكتب تصوير مش من عيادة دكتور ؟!
- طبعاً عارفين ، وممكن جداً متكونش بأسماء دكاترة حقيقيين .
- طيب إيه لزومها ؟!
- با حبيبي ده اسمه روتين، وارثينه من عشرات السنين وكل يوم بنتجاوز عن أمور لغاية ما وصلنا لكده، كل موظف جه لقى الوضع كده بيمشي عليه، مفيش حد بيغير حاجة .
- ونقابة الأطباء عارفة ؟!
- من المؤكد عارفة ، علشان كده يا حبيبي أنا اتعمدت تكون لوحدك علشان تتعرف هتتعامل ازاي مع المصالح الحكومية وتطول بالك ومتتعبش تفكيرك .
- ومين قالك يا بابا إني هقعد هنا بعد الجامعة ؟ أنا هخلص وأسافر أي حتة .
- ولما كل واحد زيك هيتعلم ويسافر مين اللى هيغير البلد للأحسن ؟
- سوري يا بابا ، وحضرتك وأصحابك والناس اللي زيك ماغيروش ليه ؟!
- العربية سخنت ، افتح الشباك واقفل المكيف وتعالى سوق انت أنا تعبان شوية وهغمض عينيا لغاية مانوصل .
-سلامتك يا بابا .
- الله يسلمك يا حبيبي ، انتبه للطريق كله مطبات 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق