الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

نقلا عن موقع مهذبون .

دخل رجل إلى مطعم وطلب الطعام وأكمل غدائه وطلب الفاتورة,
مدّ يده إلى جيبه فلم يجد المحفظة إصفّر وجهه وتذكر أنه قد نسيها في المكتب بعدما أخرج منها بطاقته, 
إحتار كيف سيخرج من هذا الموقف وظل يفتش جيوبه بهستيريا أملا في العثور على نقود حتى يأس 
وقرر أخيراً أن يذهب إلى صاحب المطعم ويرهن ساعته حتى يأتي بالمبلغ ويعود و ما إن همّ بالكلام 
حتى بادره صاحب المطعم بالقول :حسابك مدفوع يا أخي  ، تعجب الرجل وقال: من دفع حسابي؟ 
أجابه الرجل الذي خرج قبلك فقد لاحظ إضطرابك فدفع فاتورتك وخرج  ، تعجب الرجل وسأل وكيف سأردّ له المبلغ وأنا لاعرف من هو ؟
ضحك صاحب المطعم وقال لا عليك يمكنك أن تردها عن طريق دفع فاتورة شخص آخر في مكان آخر وهكذا يستمر المعروف بين الناس إلى ما لا نهاية.

الاثنين، 20 أكتوبر 2014

رئيس مصر السابق ، عبدالفتاح السيسي .

السيد الرئيس ، عبدالفتاح السيسي ، رحل جمال عبدالناصر ورحل السادات ومازلنا نناقش ونتفق ونختلف حول عصر كل منهما بإيجابياته وسلبياته ، بنجاحاته وإخفاقاته ، ومازال مِنَّا من يعشق جمال ومن يكرهه ، وكذلك الحال مع السادات ، وننسى حين نناقش ما تم بِعَهْدِهما أن نذكر أو نشير إلى أي من رؤساء حكومتهما ، كل تقدم في مجال ما أو تأخر التصق بهما وحدهما ، ولم لا ؟ فالرئيس وحده في النهاية سيكون المسؤول ، لأن كل رخاء للبلاد والعباد سيضاف إليه ، فأيضاً كل سوء حال سَيُخْصَم من رصيده ، وستسجل في دفاتر حياة المصريين وستترك آثارها البالغة عليهم التي لا يمكن محوها ربما لأجيال قادمة ، إحصائيات وعلامات  الفقر والمرض والجهل لا تكذب ولا تتجمل ..

السيد/ عبدالفتاح السيسي ، رئيس مصر الحالي ، أذكرك بأنك سترحل بعد أربع سنوات أو بحد أقصى مهما أحبك الشعب ومهما أضفت له من سبل حياة أفضل ، سترحل بعد ثماني سنوات ، فهل أدركت حجم الفقر والمرض والجهل و تعرفت على أسبابه و وقررت أنه بعد الأربع سنوات الأولى أين ستكون تلك الإحصائيات فوضعت خطة العلاج و تتبعت تقدم أو تاخر الحالة أو وضعت جدول زمني لها ؟!

السيد الرئيس ، كثير من الناس ممن يحبونك ويؤيدونك وانتخبوك هم أيضاً من مؤيدي يناير ولكنهم مستاؤون من الأوضاع الحالية ، مستاؤؤن ممن يصفون يناير بالمؤامرة والنكسة، مستاؤؤن من جميع الأوضاع وعلى رأسها  وزارتك وتقريباً من جميع الوزراء ، ينتقدونهم كل يوم ، ينتقدون فقدانهم للأمن ، أمن الشارع ، ينتقدون الغلاء ، غلاء الغذاء والسكن ، ينتقدون حجم البطالة ، ونقص فرص العمل ، يشعرون باستمرارية التحيز للطبقات الغنية ،  ولكنهم  يتحملون لسببين ، الأول تأييدهم المطلق لكم ، والثاني ، نكاية في الإخوان .
السيد الرئيس ، إذا كنتم تؤمنون حقاً أنها ثورة وتؤمنون فعلاً بأن الدستور أقَرَّها عن يقين وليس مجاملة لبعض فئات الشعب ، فعليكم أن تلجموا ألسنة من يشوه يناير من الإعلاميين  لأن ذلك تعدى حرية الرأي في التعبير وتعدى وجهات النظر ، أما إذا كان الحال عكس ذلك ، فأعلنها صراحة وبكل وضوح وأصدر قراراً فورياً بالإفراج عن  الرئيس الأسبق المخلوع والرئيس الأسبق للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ، مبارك ، وأعد الحقوق لأصحابها وليعود بكامل نظامه ولنبهر العالم للمرة الثالثة .

السيد الرئيس ، لا تدع الإعلام يُقَسِّم مؤيديك، كما فعل إعلام مرسي من قبل ، فلا أرى من مصلحة مصر وصف البعض منها بالينايرجية كما هو الحال بوصف البعض لليونيوجية بالإنقلابيين ..

السيد الرئيس ، جاء في كلمتكم بمناسبة افتتاح المرحلة الثالثة لتطوير المجمع الطبي للقوات المسلحة كوبري القبة يوم الخميس 16 أكتوبر والتي جاء فيها : (هنسلم البلد لأولادنا إزاي ؟!) ، أما ما استوقفني هو عبارتكم ( هو لسه في حد بيسرق ولا فيه فلوس تتسرق ) !! و ما فهمته والحمد لله من الجزء الأول من العبارة ، أنكم تعلمون جيداً أن مصر سُرِقت من قبل ، ولكن ما لا أعلمه هو ماذا فعلتم بمن سرقها بعد تقلدكم حكم مصر وأدائكم اليمين ؟! ، خاصة وأنه لديكم الجهاز المركزي للمحاسبات مليء بالمخالفات ، فقط ما عليك سوى أن تمد يدك وتختار أي ملف وللأسف سوف تجد ما لا يسرك ، هذا بالإضافة لحهاز الكسب غير المشروع الذي لم نسمع عنه سوى في مناسبتين ، كانت المناسبة الأولى بعد خلع مبارك ، والمناسبة الثانية بعد عزل مرسي ، وبعد ذلك اختفت أخباره ..

أما باقي العبارة (ولا فيه فلوس تتسرق ) فتعلمون جيداً أنه ليس بالضرورة أن تكون الفلوس نقداً وعَدَّاً ، ويكفي أن أحيل لكم ما يتم تداوله على صفحات الفيس بوك منذ أيام ولم نسمع عنه تأكيداً أو نفياً أو توضيحاً ، وهو بيع مزرعة مركز البحوث الزراعية بالمعمورة بالإسكندرية ( 57 فدان ) بالإضافة إلى ( خمسة فدان  ) بالمنتزة )  بمبلغ 30 مليون جنيه  لأخت رشيد محمد رشيد  وأتمنى أن يكون الخبر غير صحيح ..

السيد الرئيس ،  أشكر
الرئاسة أن تدخلت  بعد وصولها تلغراف شكوى ناظرة مدرسة لوران الثانوية بنات بالإسكندرية، و المفصولة بسبب شهادتها لصالح الطالبة التى سَجَّلت لمدرسها طلبه منها قائلاً : ( عايز حلاوتي ) ..
السيد الرئيس ، سيكون جميلٌ لو أعلنتم عن أرقام فاكس أو إيميل لتلقي شكاوي المواطنين ، وسيذكر لك  شعب مصر العظيم ذلك وينسبه لكم دائماً وخاصة حين يتحدث عنكم كرئيس مصر السابق ..

الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

حفظ الله أهل مصر من المصريين .

استمرارا لصور المؤامرة ضد مصر، ولتدرك حجم المؤامرة، واستمرارا للتآمر سنعرض عليكم صوراً جديدة من صور المؤامرة التي تقوم بها تركيا وقطر والإخوان مع العملاء والممولين بالداخل ، ذلك طبعاً على سبيل الحصر ليوم واحد : لن أحدثكم عن يوم أمس ، تفجيرات قرب المطار الدولي بالعريش أو تفجير خط الغاز الطبيعي بسيناء للمرة السادسة والعشرين ، أو التفجيرات بمنطقة القضاء العالي، أو عن السيارات المفخخة قرب محطة مترو جمال عبدالناصر ، كل ما سبق بالتأكيد سينتهي في يوم في شهر في سنة وربما في سنوات ولكنه سينتهي ، أما الأمثلة التالية فهي أشد خطراً و تأثيراً وخراباً علينا جميعاً لا أعرف متى يمكن أن تنتهي :
1- في برنامج العاشرة مساءاً على قناة دريم 2 أمس 14 أكتوبر، يعرض وائل الإبراشي حادث وفاة طفل بالمرحلة الإبتدائية بمدرسة ( عمار بن ياسر ) بسبب سقوط لوح زجاج على رقبته بالفصل عند قيامة بفتح الشباك، لم تنته المؤامرة هنا ولم تتوقف عند سقوط الزجاج الخائن والشباك العميل، بل امتدت المؤامرة حين ذهبوا بالطفل إلى مستشفى عين شمس التخصصي الذي رفض أن يدخل الطفل غرفة العمليات وطالبوا أهله بإيداع مبلغ 10 آلاف جنيه قبل أن يدخل العمليات !! وطبعا نجحت الخطوة الأخيرة من المؤامرة و المتكررة بشكل شبه يومي في مستشفيات مصر أم الدنيا .

2- الصورة الثانية من صور المؤامرة حدث أمس أيضاً في 14 أكتوبر، هو ما عرضته لميس الحديدي ببرنامجها هنا العاصمة على قناة سي بي سي ، صورة لأتوبيس سياحي في طريقه إلى أهرام مصر العظيمة، وعلى يساره ترعة المنصورية وقد حولها المتآمرون إلى مقلب من الزبالة، ولم يكتفوا بذلك بل وصلت بهم الدناءة لإلقاء حصان نافق بالترعة، لم يكتف المتآمرون ببث الرعب في قلوب الأهالى والتلاميد الأبرياء، بل تآمروا للقضاء أيضاً على كل أمل في عودة السياحة لمصرنا العزيزة .
3- في الصورة الثالثة ، ركز المتآمر هدفه على الوزراء ، هذا هو الخبر المنشور بجريدة الوطن في 14 أكتوبر ، حيث سقط جزء كبير من أحد الأسقف المعلقة بميناء الغردقة الجديد فوق رأس وزير النقل، المهندس هاني ضاحي، أثناء زيارته التفقدية للميناء الذي تم تطويره، وتستعد الوزارة ومحافظة البحر الأحمر لافتتاحه خلال الأيام المقبلة، المميز في هذا الخبر والمختلف عن ما سبقه هو رد فعل الوزير الذي استاء جدا وعنف مدير الميناء، ولم ينتبه إلى أن السبب الحقيقي هو مؤامرة خارجية داخلية منظمة وكبيرة تستهدف زعزعة الأمن بمصر وطالبهم بعدم التحدث واستكمال الجولة .

4- الصورة الرابعة من ألبوم صور المؤامرة، خبر منشور على موقوع إلكتروني اسمه ( في مصر ) ما حدث بين أحد أفراد الجيش برتبة عقيد و ضابط مباحث من قوات قسم الجنوب في محافظة بورسعيد في احدى الكمائن على طريق بورسعيد الإسماعيلية ، و كانت قد حدثت مشادة كلامية بين عقيد الجيش و ضابظ الشرطة عندما احتج عقيد الجيش على الأسلوب الذي تحدث به الضابط معه، و تطورت المشادة إلى تشابك بالأيدي، فتدخلت مجموعة من أفراد الشرطة العسكرية الموجودين في نقطة قريبة من الكمين لفض الاشتباك ، و قد تم اقتياد أفراد كمين الشرطة بالكامل إلى معسكر جيش وجاء في الخبر ، و لكن ما هو غريب هو أسلوب ضابط الشرطة الذي حكى ما حدث فقال أن من الواضح أن ضباط الشرطة قد نسوا ما حدث لهم في ثورة 25 يناير( المؤامرة )، و أنهم خافوا مثل الفئران و تركوا أسلحتهم و مواقع خدمتهم ، و أن الجيش وقف بجانب الشرطة و زود مرتباتهم و زودهم بأسلحة جديدة بدل التي سرقت منهم و أعاد لهم هيبتهم مرة أخرى . طبعاً وبرغم كل ما يحدث سنظل نردد : ( مصر مقبرة الغزاة و تحيا مصر أم الدنيا ) .. حفظ الله مصر من أعداء الداخل ..

الاثنين، 13 أكتوبر 2014

هذه جرائم مبارك و”عصابته” في حق ” مصر ”

جمال عبد المجيد يكتب : هذه جرائم مبارك و”عصابته” في حق ” مصر ”

12 أغسطس 2014
1606954_10202703044510946_772340484_n
لم أكد أصدق عينى عندما نظرت إلى الرئيس الأسبق المخلوع محمد حسني مبارك وهو في ” القفص” في الثالث من أغسطس 2011 – عندما كانت الثورة مستمرة على الفساد – ولم أكد أصدق أذني عندما نطق المخلوع ردا على القاضي أحمد رفعت ” أفندم أنا موجود ” , ولم اكن أتخيل ولو لمجرد لحظة واحدة أن “الفرعون” داخل القفص محاطا بعساكر الدرك الذي اتخذهم رجالا لإحكام قبضته على البلاد والعباد .
كنت من الصحفيين الذين حالفهم الحظ ؛ لتغطية المحاكمات التاريخية بدء من محاكمة المخلوع مبارك ونجلية علاء وجمال ومرورا بمحاكمات وزير الداخلية حبيب العادلي ومساعدية وليس انتهاء بمحاكمات  جماعة رءوس الفتنة المسماة خطأ ” الإخوان المسلمين بدء من الرئيس السابق المعزول محمد مرسي ومرشديه محمد بديع ومحمد مهدي عاكف ومحاكمات خيرت الشاطر وأعوانه من سدنة مكتب الارشاد ، وشاءت الأقدار أن أكون شاهدا على تلك المحاكمات التاريخية وتدوينها ومحاصرة “كواليس ” ما جرى في جلسات هذه المحاكمات ، بل وحصولي على جميع المستندات والأوراق والسيديهات , بل وأيضا الاوراق والمذكرات التى تقدم بها محاموا جميع المتهمين ، وما قمت بنشره في جريدة الوفد ” غيض من فيض ” ويبقى الكثير والكثير من الأسرار والمشاهدات في محاكمات وصفت بأنها محاكمات ” القرن “.
حضوري جميع جلسات محاكمة مبارك وولديه ووزير داخليته حبيب العدلي ومساعديه السته ، ساعدني في تكوين ” عقيدة ” صحفية بأن مبارك عندما حوكم بتهمة ” قتل الثوار” و ” فساد مالي ” بتهمة بيع الغاز لإسرائيل بأثمان ” بخسة ” وتربيح الغير – الهارب حسين سالم – كان يجب ان يحاكم بتهمة ” إبادة ” 90 مليون نسمة ، وتجريف ثقافتهم ، ومحو هُوياتهم ، وتدمير بنيتهم الأساسية ، و العمل على سرطنة أفكارهم وأجسادهم من خلال ضخ مبيدات الفساد والاستبداد القهر والظلم ، والوساطة والمحسوبية، الرشوة و ضياع الحقوق ، السجن وكبت الحريات ، الاعتقال و” بهدلة ” الكرامة الإنسانية ……
عندما نتحدث عن ” جرائم ” مبارك فاننا نتحدث والارقام والحقائق والمستندات ” نصب ” أعيننا ، فلن تنزعج عندما تعرف أن 40 % من الشعب المصري يعاني الأمية ؛ نتيجة فشل سياسات وزراء التربية والتعليم في إيجاد حلول مبتكرة تساعد المصريين على النهوض بالعملية التعليمية ، فقد تم إختيار وزراء التعليم – العالي والواطي- علي حسب المزاج فاختيار حسين كامل بهاء الدين – طبيب أطفال – لم يكن لكفائته في عالم الطب مثلا أو حصوله على مؤهلات تربوية ، يصلح ليكون وزير ا للتربية والتعليم ؛ بل تم اختياره للوزارة ؛ لكونه الطبيب الخاص لابنى مبارك جمال وعلاء ومساعدته للطفل الأصغر جمال ومعالجته من مرض عضال هو مرض ” البأبأه” مرض عانى منه جمال مبارك في الصغر أدى به إلى عدم نطقه حروف اللغة العربية بشكل سليم ، وعندما نجح ” بهاء الدين ” في علاج الطفل جمال مبارك كافاته سوزان مبارك بحقيبة التربية والتعليم ، ولم يكن سابقة احمد فتحي سرور بأفضل حالا في وزارة التربية والتعليم – قبل ان يصبح رئيسا لمجلس سيد قراره- فقد كان ينفذ تعليمات وسياسات النقد الدولي ، وسار على خطى المناهج المصرية ب” أستيكه” ، فكانت النتيجة ضياع هوية مصر التعليمية ، وجاء يسرى الجمل – الذي أقام حفلة لسوزان بالاسكندرية- ليكمل مسيرة سابقيه واعتماده سياسة ” الماحي في شتى النواحي” التى أضاعت 17 مليون طالب في مصر ، وجاء أحمد ذكي بدر – ابن اللواء ذكي بدر – ؛ ليجهز على ما تبقى من أطلال سابقيه ، ؛ لمحاولة قمع إبداع اى طالب وعسكرته الوزراة وتدجيجها باللواءت  للقضاء على فكرة التعليم في مصر …
ولعل أفسد ما فعله مبارك ونظامه وزبانيته في ” حق ” المصريين هو إلقائه 1034 طفلا وشابا رجلا وامرأة ليكونوا طعاما لأسماك القرش ، عندما غرقت عبارة السلام 98 في عرض البحر ، ولم يهب أحدا لنجدتهم أو إنقاذهم ، فلم يجرؤ مسؤل في دولة ” الظلم ” يقترب من غرفة نوم ” الفرعون ” لإيقاظه ؛ حتى يتمكن من إصدار أوامره للجيش بإنقاذ المصريين القادمين من السعودية ، وعندما عرض الأمر على ” أبو الفساد ” زكريا عزمي تنحى جانبا وكأنه مسه طائف من الشيطان وقال ” مقدرش مقدرش ” وأوصى بإبلاغ نجله علاء ” هو الوحيد اللى يقدر يقوم بالمهة دي ” وأيضا لم يستطع لانه رفض إيقاذ والده فجرا وصرخ فيهم ” الريس نايم ” وكانت النتيجة الموت في قاع المحيط غرقا ، وحرقا هما وكمدا ، ولعل الأخطر في قضية العبارة هو السر الحربي الذي لم يكشف عنه إلا بعد ثورة 25 يناير المجيدة  وهو ما كان يجب الكشف عنه مبكرا حتى يقدم مرتكبيه لحبل مشنقة الراى العام وهو السر الذي بسببه تم إخفاء ناجين من العباره وقتل أخرين وخطف مصابين من المستشفيات ، ألا وهو معرفة من يكون صاحب عبارة الفساد 98 , ورغم معرفته – جمال وعلاء وزكريا عزمي والوليد بن طلال ومستثمرين سعوديين- إلا أن القضية ذهبت أدراج الرياح ، لان مبارك ونظامه اطلقوا عليها رصاصة الموت منذ أن بدأت …
الجرائم كثيرة ومتعددة وفاضحة وكارثية فقط تفحص دراسة الدكتور عبدالخالق فاروق – الخبير في الشئون الاقتصادية والإدارة المحلية بعنوان «دور التشريع في بناء دولة الفساد في مصر» وهي الدراسة التي رصدت القائمة الكاملة لجرائم مبارك.
الكلاب " قتلوا شباب مصر و نهبوا وثرواتها
الكلاب ” قتلوا شباب مصر و نهبوا ثرواتها
والدراسة تؤكد أن  مبارك ورجاله أصدروا قوانين دفعت ملايين المصريين إلي السرقة والنهب والابتزاز وأكل المال الحرام، وأجبرت أغلب الموظفين علي أن يتحولوا إلي حرامية ومرتشين، وأجبرت ملايين المصريين علي أن يدفعوا رشاوي لكي يحصلوا علي أية خدمة، بدءاً من الحصول علي تذكرة قطار، وحتي الفوز بفرصة عمل أو قطعة أرض.
المفاجأة التي كشفتها الدراسة هي أن مبارك أراد أن يجعل كل مصري حرامياً ولصاً أو راشياً وفاسداً، بهدف إفساد المصريين جميعاً، وعندها يسكت الصغار عن فساد الكبار علي اعتبار أن الكل صار في الفساد سواء!
وهكذا أفسد «مبارك» صغار موظفي مصر أما الكبار من رجال الأعمال وحاشية مبارك فكان فسادهم فجًا وغير مسبوق، حيث اغترفوا من المال العام فوق طاقتهم، ونهبوا الأراضي وأموال القطاع العام و«فلوس» المعونة وتاجروا في العملة وتربحوا من عمليات تصدير واستيراد، ومن البورصة ولم يكتفوا بذلك بل أنشأوا شبكات لممارسة البغاء وتاجر آخرون في المخدرات.
لقد  تحول الفساد  في عصر «مبارك» من انحرافات معزولة إلي ممارسة مجتمعية شاملة فالكبار شكلوا شبكات مصالح تتنازع فيما بينها حينا وتتناغم في توزيع المزايا والغنائم أحياناً أخري.، أما الصغار فقد تسربت إليهم ممارسات الفساد والرشوة والوساطة والمحسوبية بسبب سياسات الإفقار واتساع الفجوة في الدخول والارتفاع المستمر للأسعار وغياب القدوة في هرم السلطة وتآكل دور أجهزة الرقابة.
إفساد الصغار والكبار
ونتيجة لهذا الحال فاق الفساد في مصر كل أشكال الفساد المتعارف عليها دولياً، لدرجة أن منظمة الشفافية الدولية حددت المجالات الأكثر عرضة للفساد في 5 مجالات فقط، بينما ضربت مصر رقماً قياسياً، فشهدت 17 مجالاً انغمست في الفساد.
فحسب منظمة الشفافية فإن أكثر المجالات عرضة للفساد في الدول النامية هي المشتريات الحكومية، وتقسيم وبيع الأراضي والعقارات، والضرائب والجمارك، والتعيينات الحكومية، وإدارات الحكم المحلي.
أما في مصر، فاتسع نطاق ومجالات الفساد التي انغمس فيها بصورة شبه دائمة كبار رجالات الدولة وأبناؤهم وشملت 17 مجالاً قطاع المقاولات وتخصيص الأراضي وشقق المدن الجديدة والطرق والكباري والبنية الأساسية.عمولات التسليح ووسائل نقلها.قطاع الاتصالات والهواتف المحمولة والثابتة.خصخصة وبيع الشركات العامة ونظم تقييم الأصول والممتلكات والأراضي المملوكة لهذه الشركات.البنوك ونظم الائتمان وتهريب الأموال إلي الخارج عبر القنوات المصرفية الرسمية.شركات توظيف الأموال وما جري فيها.تجارة المخدرات واختراق قيادات الأجهزة الأمنية والمؤسسة السياسية.تجارة العملات الأجنبية والمضاربة علي سعر صرف الجنيه.تجارة الدعارة وشبكات البغاء ذات الصلة أحياناً بكبار رجال الدولة وأجهزتها.نظم الاستيراد وأذون الاستيراد وبرامج الاستيراد السلعي.طرق توزيع مشروعات المعونة الأمريكية.
الصحافة ومؤسساتها وإفساد الصحفيين عبر وسائل شتي والإعفاء غير القانوني للمؤسسات الصحفية القومية من أداء الضرائب العامة وتسهيل سبل الارتزاق السري وغير القانوني لبعض الصحفيين.
ما يسمي «علاوة الولاء» التي تمنح بصورة سرية وبالمخالفة لقواعد المشروعية المالية لكبار قيادات الجيش والأمن.إفساد النظام التعليمي الرسمي والصمت علي جريمة الدروس الخصوصية وخلق الظروف الملائمة لتفشيها.الإبقاء علي فساد النظام الصحي الحكومي من أجل إتاحة الفرص لتوسع المستشفيات الاستثمارية.البورصة وسوق الأوراق المالية وسوق التأمين.إنشاء حسابات خاصة أو سرية خارج نطاق الموازنة العامة للدولة وحساباتها القومية.
وفي مقدمة صغار الموظفين الذين أفسدهم مبارك المدرسون، والأطباء، ورجال الأمن، وقلم المحضرين في المحاكم، وموظفو الخدمات الحكومية، خاصة موظفي المصالح الجمركية والضرائبية.
وأفسد «مبارك» المدرسين بأن أبقي علي نظام تعليمي حكومي غير فعال فظهر سوق تعليمية سوداء، انعكست في انتشار المدارس الخاصة والاستثمارية والأجنبية، فضلاً عن تغول الدروس الخصوصية التي التهمت وحدها 10 مليارات جنيه عام 1994 تحملتها الأسرة المصرية الفقيرة وارتفع المبلغ إلي 18 مليار جنيه عام 2006 بعد تقسيم الثانوية العامة إلي سنتين دراسيتين بدلاً من سنة دراسية واحدة!
وبسبب عدم فاعلية نظام الأمن ظهر نظام أمن غير رسمي.. حيث لا تحرر أقسام الشرطة محاضر للمواطنين إلا بالواسطة ولا تجري عمليات التحري لكشف السرقات .
ويضيف الدكتور عبدالخالق فاروق في دراسته أن ذات الأمر تكرر في القضاء حيث صارت الإكراميات والرشاوي هي الوسيلة الأساسية لتحريك إعلانات القضايا بالمحاكم (قلم المحضرين) وغيرها من أعمال التقاضي التي تشهد سنوياً 3 ملايين قضية تنظرها المحاكم المختلفة.
وحتي المرضي لم يرحمهم مبارك ورجاله.. ففي المستشفيات الحكومية التي يتردد عليها 47 مليون مريض – طبقاً للأرقام الحكومية – فإن تقديم الخدمة لهؤلاء لا يتم إلا من خلال الإكراميات والوساطة.
وفي المصالح الجمركية والضرائبية والخدمات الحكومية التي تقدم 627 خدمة متنوعة للجمهور صار تعاطي الإكراميات والعمولات عرفاً سائداً.
وهكذا  أدي تدني الأجور والرواتب إلي تركيز «جبري» للخطيئة بإجبار عشرات الآلاف من الموظفين علي قبول الرشوة والإكراميات حماية لأبنائهم وأسرهم من الجوع.
كيف أفسد «مبارك» الصغار والكبار؟.. تجيب الدراسة بأن مبارك أفسد المجتمع من خلال 7 آليات.. أولها اتباع سياسات ممنهجة لإفساد المؤسسات الأساسية في المجتمع مثل مجلسي الشعب والشوري والمؤسسات الصحفية والإعلامية وأجهزة الأمن والمؤسسة القضائية وقيادات الجيش والنقابات العمالية والمهنية.
الآلية الثانية: هي وجود قواعد عرفية بين جماعات الفساد تلزم أعضاءها بالتزامات متبادلة ومناطق النفوذ.
الآلية الثالثة: تتمثل في خطوط اتصالات دائمة وواضحة بين جماعات الفساد وشاغلي قمة الهرم السياسي والتنفيذي سواء بصورة مباشرة أو عبر أقربائهم وأبنائهم وجميعه – كما تقول الدراسة – يتم تحت لافتة «تشجيع الاستثمار».
الآلية الرابعة: تتجسد في استمرار سياسات الإفقار للطبقات محدودة الدخل، خاصة الموظفين (حوالي 5.5 مليون مصري) والعمال وغيرهم مما يدفع الجميع إلي تعاطي الإكراميات وهي النظير القانوني لمفهوم الرشوة.
الآلية الخامسة: إفساد أجهزة الرقابة سواء كانت رقابة شعبية (مثل الصحافة) عبر توريط قيادتها وكوادرها الوسيطة في ممارسات فساد، أو أجهزة الرقابة الرسمية (مثل الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة ومباحث أمن الدولة وغيرها) عبر صلات القرابة ونظم اختيار قياداتها وأعضائها العاملين من خلال الوساطة والمحسوبية.
الآلية السادسة: صياغة القوانين والقرارات الإدارية بحيث تفتح ثغرة واسعة للفساد.
الآلية السابعة: التحايل القانوني عبر ما يسمي الصناديق الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص خارج نطاق الميزانية الحكومية الرسمية، وقد وصل عدد تلك الصناديق والوحدات إلي 8900 صندوق ووحدة عام 2008 وهذه تفرض رسوماً علي المواطنين وتوزيع مكافآت علي العاملين فيها وعلي كبار المسئولين بما شكل شبكة واسعة من الفساد والإفساد.
وأكدت الدراسة أن اختيار الحزب الوطني لمرشحيه في انتخابات مجلسي الشعب والشوري كان يمتزج فيه كل السيئات، إذ يتم اختيار المرشح الأقرب إلي قيادات الحكم أو الحزب ويفضل أن يكون من كبار المتبرعين للحزب أو بعض قياداته المؤثرة بصرف النظر عن ماضيه الإجرامي أو المشبوه، كما كان يتم اختيار بعض قيادات أجهزة الأمن أو المتعاملين معها أي الجاسوس في مجاله وقطاعه.
وأثناء الانتخابات يتم التلاعب في التصويت والفرز بشكل يؤكد أمام الجميع مفهوماً واحداً وهو أن دخول المؤسسة التشريعية مرهون برضا الحكومة وقيادات النظام الحاكم ومن ثم يكون ولاء العضو لرئيس النظام ثم لأمين عام الحزب ثم لجمال مبارك نجل رئيس الدولة آنذاك.
وإمعاناً في الإفساد كان يتم إغداق الخدمات علي العضو الذي يسير في ركاب رئيس الدولة والحكومة فطلباته الشخصية تنفذ فوراً وتكون دائماً وأبداً مشمولة بالعطف والقبول وفوق هذا يتم منحه أذون حديد وأسمنت بأسعار «مريحة» ليبيعها بأسعار السوق فيربح منها آلاف الجنيهات بخلاف منحه أراضي في المناطق السياحية بأسعار رمزية، وشققاً سكنية وفيلات بأسعار مخفضة، فضلاً عن العشرات من تأشيرات الحج والعمرة والرحلات إلي الخارج في الوفود البرلمانية.
وإذا عارض «عضو البرلمان» الحكومة أو انتقد رئيس الدولة فيتم «خنقه سياسياً» وحرمانه من كل هذه المزايا مع تجاهل كامل لكل طلباته.
وكشفت الدراسة أن نواب مجلس الشعب كان يتم إفسادهم بقرار جمهوري وبالمخالفة لنص المادة 95 من الدستور، فالمادة 95 من الدستور تنص علي أنه لا يجوز لعضو مجلس الشعب أثناء مدة عضويته أن يشتري أو يستأجر شيئاً من أموال الدولة أو أن يؤجرها أو أن يقايضها عليه أو أن يبرم مع الدولة عقداً بوصفه ملتزماً أو مورداً أو مقاولاً، ولكن قانون مجلس الشعب رقم 38 لسنة 1972 وتعديلاته، والقرار الجمهوري بقانون رقم 19 لسنة 1976 وتعديلاته التف علي نص الدستور، وفتح الباب واسعاً أمام أعضاء مجلس الشعب لكي يتاجروا مع الدولة بل ويعملوا في وظائف حكومية وهو ما استغله عاطف عبيد – كما تقول الدراسة – من أجل إفساد العشرات من أعضاء مجلس الشعب بتعيينهم أعضاء مجالس إدارة منتدبين في شركات قطاع الأعمال العام.
ونتيجة لذلك انتقل عشرات من أعضاء مجلس الشعب من نجارين وعمال وفلاحين وموظفين ومهنيين إلي ديناصورات وذئاب في عالم المال والأعمال، كما قضت السياسات الحكومية بإغداق المزايا والامتيازات علي الكثيرين منهم، وليس أقلها الائتمان المصرفي وقروض البنوك إلي «كسر عينهم» بالمعني الحرفي لا المجازي للكلمة.
وأشار الدكتور عبدالخالق فاروق في دراسته إلي أن إفساد أعضاء مجلس الشعب انعكس علي أداء المؤسسة التشريعية التي أصدرت قوانين تدعم الفساد وتحمي المفسدين.
فكان  أكبر وأجرأ نص قانوني لدعم الفساد والفاسدين هي المادة رقم 55 من القانون رقم 203 لسنة 1991 والتي وضعها عاطف عبيد عندما كان وزيراً لقطاع الأعمال، ونصت علي أنه لا يجوز لأي جهة رقابية بالدولة عدا الجهاز المركزي للمحاسبات أن يباشر أي عمل من أعمال الرقابة داخل المقر الرئيسي أو المقار الفرعية لأي شركة من الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد الحصول علي إذن من الوزير المختص أو رئيس مجلس إدارة الشركة.
وهذا النص استبعد بضربة واحدة هيئة الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة وجهاز المخابرات العامة من العمل والبحث والتحري داخل هذه الشركات قبل الرجوع إلي الوزير الذي ثبت في الكثير من الحالات أنه مشارك في جرائم الفساد وغنائمه، وكذا رؤساء مجالس إدارات الشركات القابضة.
وأيضا قانون مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية الصادر برقم 67 لسنة 2010 يقنن أساليب الفساد الإداري والاقتصادي ويعكس المصالح الوطيدة بين رجال الأعمال الجدد وبين الإدارة الحكومية، وتقول الدراسة: إن هذا القانون تحول إلي آلية معظمة لاستنزاف المال العام وتلبية مصالح رجال الأعمال.
وجاء قانون الضرائب الحالي رقم 91 لسنة 2005 تمت صياغته بـ “عقل حاو” يجيد لعبة “الـ 3 ورقات”، وبقلب بارد لرجل مال وأعمال لا يعنيه سوي تحقيق الربح وليذهب الوطن والفقراء إلي الجحيم.. وقالت الدراسة: إن هذا القانون يخفف الأعباء الضريبية عن رجال الأعمال والسماسرة والمتهربين ووكلاء الشركات الأجنبية، فبينما يزيد الأعباء الضريبية علي محدودي الدخل وصغار الموظفين.
وتضيف الدراسة أن ذات القانون يمثل كارثة من كوارث الطغمة المالية والعسكرية التي كانت تحكم بمنطق أقرب إلي منطق وأساليب عصابات المافيا.
أما قانون البنك المركزي رقم 88 لسنة 2003 فتقول عنه الدراسة: إنه تمت صياغته علي ضوء شبكة مصالح ضارة بالمال العام. وتضيف الدراسة أن المادة الرابع من القانون تعتبر أموال البنك المركزي أموالاً خاصة لإخراجها من رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات ولكنه يعود في نص المادة 23 التي تعتبر أموال البنك المركزي أموالاً عامة في تطبيق أحكام قانون العقوبات، ولم يقف الأمر عند حد هذا التناقض، بل انتقل إلي درجة من درجات المسخرة حينما جاء في نص المادة 19 علي أن يتولي مراجعة حسابات البنك اثنان من مراقبي الحسابات يعينهما ويحدد أتعابهما الجهاز المركزي للمحاسبات.
والقانون يفتح الباب واسعاً للتلاعب بالأموال وفوائض البنوك العامة ويحول تلك البنوك إلي عزبة خاصة لمديريها ورؤساء مجالس إدارتها وكبار القيادات فيها.
وتجسدت قمة التلاعب بالمال العام في إنشاء صندوق لتحديث أنظمة العمل في بنوك القطاع العام وتنمية مهارات وقدرات العاملين فيها، وطبقاً للقانون فإن موارد هذا الصندوق تتكون من نسبة لا تزيد علي 5٪ من صافي الأرباح السنوية القابلة للتوزيع لبنوك القطاع العام ومساهمات البنوك التي تستفيد من خدمات الصندوق والهيئات والتبرعات والمعونات التي يوافق رئيس مجلس الوزراء علي قبولها وبلغ حجم موارد هذا الصندوق 500 مليون جنيه سنوياً، منها ما لا يقل عن 150 مليوناً إلي 200 مليون جنيه من فائض أرباح البنوك الحكومية فتخفف جزءا من الأعباء وعجز الموازنة، ولكن قيادات البنوك وزعوا جانباً كبيراً من هذه الأموال وبلغت المكافآت التي يحصل عليها هشام رامز أحد قيادات البنك المركزي نحو 160 ألف جنيه شهرياً وهو نفس المبلغ الذي يحصل عليه طارق عامر رئيس البنك الأهلي، والمؤكد أن العشرات من قيادات البنوك يحصلون علي مكافآت مماثلة خاصة وأن 150 مليون جنيه يتم توزيعها علي 100 شخصية قيادية في البنوك الحكومية والبنك المركزي.
.المصدر 
http://soutelwatan.com/%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%8A%D8%AF-%D9%8A%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%85-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D9%88/#comment-169

الأحد، 12 أكتوبر 2014

إشكاليات الانتقال في أجيال العنف

إشكاليات الانتقال في أجيال العنف
مرت ظاهرة تنظيمات‮  ‬العنف الجهادية في الشرق الأوسط،‮ ‬عبر تاريخها، بمراحل انتقال‮  ‬شتي ما بين الصعود أحيانا،‮ ‬والتراجع في أحيان آخري، وشهدت أجيالا متعددة، اختلف الباحثون في تحديدها علي نحو محدد‮. ‬لكن الثابت أن هناك توافقا عاما حول ثلاثة أجيال،‮ ‬أولها‮: ‬جيل التنظيمات المركزية في مصر في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، ومن أبرزها تنظيم الجهاد والتكفير،‮ ‬والهجرة والجماعة الإسلامية في مصر،  والجماعة الإسلامية المسلحة،‮ ‬والجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر، وعصبة الأنصار في لبنان، والجماعة الليبية المقاتلة، فضلا عن عدد من التنظيمات خارج العالم العربي،‮ ‬مثل حركة المجاهدين، وتنظيم جيش محمد في باكستان، وجماعة أبي سياف في الفلبين،‮ ‬ثم الجماعات التي نشأت في ظل القتال ضد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان‮.
 
‬ثانيها‮: ‬جيل الجهاد الأممي الذي نشأ في عام‮ ‬1998‮ ‬في أفغانستان بزعامة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، حيث تم تأسيس تنظيم القاعدة‮. ‬أما الجيل الثالث والأخير،‮ ‬فيتمثل في تنظيم القاعدة،‮ ‬بعد أن انفرط عقده بين الدول المصدرة للمجاهدين، أو جماعات محلية،‮ ‬لكن تحت‮  ‬العباءة الفكرية نفسها للقاعدة وأخواتها، مع تعديلات في بعض الحالات‮.‬ ومن أبرز تنظيمات الجيل الثالث، تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام‮ "‬داعش سابقا‮"‬، الذي تحول لاحقا للدولة الإسلامية، وجبهة النصرة في سوريا، وأنصار بيت المقدس في مصر، وأنصار الشريعة في ليبيا وتونس، والقاعدة في بلاد المغرب العربي، وأهل السنة للدعوة والجهاد‮ "‬بوكو حرام‮" ‬في نيجيريا، وغيرها‮.‬
 
والغريب أن ظاهرة التنظيمات الجهادية ظاهرة‮ "‬متجددة‮". ‬فكلما تراجعت تجربة في وقت ما،‮ ‬وفي مكان ما، تصاعدت تجربة أخري بثوب جديد،‮ ‬وفي منطقة جديدة‮.‬ ولم يكن التراجع‮ -‬حتي الآن‮- ‬في مسيرة هذه التنظيمات يعني الانتهاء أو الفشل،‮ ‬بقدر ما كان‮ ‬يعني الخفوت نحو المراجعة والتقييم، فإذا بالمراجعة تنتج جيلا آخر قادرا علي الاستمرار، بعدما يكون الجيل الذي سبقه قد استنفد أغراضه،‮ ‬أو فقد قدرته علي الاستمرار في مواجهة خصومه، فإذا بجيل آخر يظهر بعد حين بعد إجراء تغييرات في الاستراتيجية‮.‬ ولا تزال الظاهرة مستمرة،‮ ‬ويصعب التكهن بنهاية محددة لها‮. ‬لكن الثابت في دورة تغير تنظيمات العنف،‮ ‬عبر أجيال متتالية، أن هناك تمايزا بين هذه الأجيال، وهناك اختلافات تظهر بين جيل والجيل الذي يليه، أو ربما داخل الجيل ذاته‮.‬ وهناك إشكاليات‮ ‬غالبا ما تثار في رؤي هذه الأجيال في تصاعدها وفي تراجعها، غالبا ما كانت تؤثر في فكر هذه التنظيمات،‮ ‬وفي ممارساتها في الواقع‮.‬ ونعرض لهذه الإشكاليات بقدر من التفصيل‮:‬
 
أولا‮- ‬إشكالية تناقض الأهداف‮ (‬العدو القريب أم العدو البعيد؟‮):‬
 
يري كثير من الباحثين أن أنصار الجيل الأول،‮ "‬التنظيمات المركزية الكبري‮"‬، قد تأثروا بأفكار القطب الإخواني سيد قطب، الذي كان يري أن الإسلام مهمته تغيير الواقع، وأن التوحيد بمنزلة الثورة ضد الطغاة،  وأن الخضوع للاستبداد يعد شركا، ومن‮  ‬ثم‮  ‬فهناك ضرورة لمجاهدة‮ "‬العدو القريب‮"‬،‮ ‬أي نظم الحكم في الدول العربية والإسلامية، بحسبانها نظم حكم علمانية لا تحكم بالشريعة الإسلامية، وأنها‮ ‬غير وطنية بسبب موالاتها للغرب‮.‬ ولذا،‮ ‬فإن الأولوية في فكر‮ "‬قطب‮" ‬يجب أن تعطي للكفاح ضد‮ "‬العدو القريب‮"‬
 
من هذا المنطلق،‮ ‬نشطت تنظيمات الجيل الأول،‮ ‬منذ منتصف السبعينيات وحتي نهاية التسعينيات،‮ ‬في حرب ممتدة مع‮ "‬العدو القريب‮"‬،‮ ‬فيما أحجمت عن مكافحة الغرب،‮ ‬وهو‮ "‬العدو البعيد‮".‬ ومن ثم،‮ ‬فقد وجه أنصار الجيل الأول جل أنشطتهم العنيفة إلي مواجهة النظام المصري العلماني،‮ ‬طبقا لوجهة نظرهم‮.‬ وكانت هناك مقالة شهيرة لأيمن الظواهري‮ -‬قائد تنظيم الجهاد المصري‮- ‬عنوانها‮ "‬الطريق للقدس تمر بالقاهرة‮"‬،‮ ‬أي أن القدس لن تتحرر إلا عندما تتحرر القاهرة من حكامها العلمانيين،‮ ‬إذ عُد ذلك‮  ‬ضرورة استراتيجية،‮ ‬وواجبا دينيا‮.‬
 
في المقابل،‮ ‬فإن جيل التنظيمات الجهادية الأممية‮ -‬ممثلا في أسامة بن لادن وجماعته‮- ‬قد دعا لمواجهة العدو البعيد، بعد أن نجحوا في حشد الآلاف من المجاهدين من دول العالم الإسلامي لمواجهة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان‮.‬ ولم تكن الولايات المتحدة الأمريكية محل استهداف أو عداء من قبل المجاهدين‮. ‬بل علي العكس من ذلك،‮ ‬كانت واشنطن تدعم المجاهدين في مواجهة الاتحاد السوفيتي، لكن التحول تجاه استعداء الولايات المتحدة حدث فيما بين‮  ‬عامي‮ ‬1990‮ ‬و1991‭.‬ فطبقا لرأي الدكتور فواز جرجس، فإن التدخل الأمريكي في حرب الخليج‮ (‬تحرير الكويت‮)‬،‮ ‬والوجود العسكري الثابت للقوات الأمريكية علي الأراضي السعودية، كانا السبب الرئيسي في هذا التحول، حيث عده‮ "‬بن لادن‮" ‬مؤامرة أمريكية لتأسيس قواعد ثابتة للقوات الأمريكية،‮ ‬ولإقرار الهيمنة علي البلدان الإسلامية،‮ ‬ونهب مواردها النفطية‮.‬ ثم أعلن‮ "‬بن لادن‮" ‬عن عدائه الصريح للولايات المتحدة،‮ ‬حيث دعا‮  ‬إلي مقاومة العدو الذي‮ ‬غزا أرض الأمة،‮ ‬ودنس شرفها،‮ ‬وأراق دماء أبنائها،‮ ‬واحتل مقدساتها‮. ‬ورأي بن لادن في نهاية عا م‮ ‬1995‮ ‬أن الجهاد الأممي هو الأداة الوحيدة الفاعلة في صد الهجوم الأمريكي،‮ ‬وإجباره علي الخروج من الأرض العربية والإسلامية‮.‬ ثم أعلن في نهاية التسعينيات عن تأسيس‮ "‬الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين‮".
 
‬ومن هنا،‮ ‬كانت انطلاقة القاعدة الرسمية، وقد انضم إليها أيمن الظواهري‮ -‬قائد تنظيم الجهاد المصري،‮ ‬ممثل الجيل الأول لتنظيمات العنف‮- ‬لكنه وجد معارضة شديدة من أنصاره في تنظيم‮ "‬الجهاد‮"‬، رافضين تحوله لجهاد‮ "‬العدو البعيد‮" ‬بدلا من جهاد‮ "‬العدو القريب‮" ‬الذي كرس تاريخه الجهادي له‮.‬
 
أما أسامة بن لادن،‮ ‬فقد عارض طيلة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي قتال المسلم للمسلم تأثرا بأفكار أستاذه عبد الله عزام الذي عارض إراقة دماء المسلمين،‮ ‬بمن فيهم الحكام القوميون، لأن التوجه إلي العدو القريب فيه إضرار بالجهاد والمجاهدين،‮ ‬إذ يؤدي إلي تنفير الناس من الحديث عن الجهاد،‮ ‬وخسارة تعاطف الرأي العام‮.‬ وذكر‮ "‬بن لادن‮" ‬مرارا أن الجماعات المجاهدة التي أصرت علي البدء بالعدو الداخلي قد تعثرت مسيرتها،‮ ‬ولم تحقق أهدافها كإخوان سوريا،‮ ‬وليبيا،‮ ‬والجزائر‮.‬
 
لكن في مرحلة تراجع تنظيم القاعدة،‮ ‬بعد خروجه من أفغانستان بعد الحرب الأمريكية عليها،‮ ‬جري تحول في استراتيجية القاعدة،‮ ‬حيث انتشر أنصارها في الأقاليم،‮ ‬وانهمكوا في القتال ضد الأعداء المحليين‮ "‬العدو القريب‮"‬، وذلك بالمخالفة لدعوة‮ "‬بن لادن‮"‬،‮ ‬التي أكد فيها ضرورة تجنب القيام بعمليات في الدول الإسلامية،‮ ‬تجنبا لسقوط ضحايا من المسلمين، لكن يبدو أنه كان قد فقد السيطرة علي تنظيمه وفروعه في الدول العربية والإسلامية‮.‬
 
وليس أدل علي ذلك من قصة الخلاف الحاد الذي نشأ بين بن لادن مع‮ "‬أبي مصعب الزقاوي‮"‬، قائد تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين،‮ ‬حول طبيعة العمل الجهادي وأولوياته في العراق‮.‬ ففيما رأي الزرقاوي ضرورة التركيز علي‮ "‬قتال طوائف الردة‮"‬، كان لـ‮ "‬بن لادن‮" ‬رأي آخر،‮ ‬حيث دعا إلي التركيز علي قتال المحتلين،‮ ‬قياسا علي تجربة الصومال، وإدراكا لحساسية سقوط الجندي الأمريكي في المعركة،‮ ‬قياسا بسقوط العراقيين،‮ ‬بصرف النظر عن قربهم أو بعدهم عن خيارات الاحتلال، حيث لم ير بن لادن فائدة من القتال المشار إليه من قبل الزرقاوي، الذي كان يعني قتال كل الجهات التي تعمل مع الاحتلال الأمريكي‮. ‬وقد اشترط الزرقاوي موافقة بن لادن علي أولوية‮ "‬قتال طوائف الردة‮" ‬شرطا للبيعة‮.‬ وفي حال عدم تحقق الشرط،‮ ‬فإن الخيار هو‮ "‬التعاون علي الخير،‮ ‬والتعاضد علي الجهاد‮".‬
 
أما الجيل الثالث من تنظيمات العنف،‮ ‬فقد آثر قتال ومهاجمة‮ "‬العدو القريب‮"‬،‮ ‬ممثلا في حكومات الدول العربية والإسلامية، مثل جماعة‮ "‬أنصار بيت المقدس‮" ‬في مصر،‮ ‬أو مهاجمة العدوين معا‮ (‬القريب والبعيد‮) ‬مثل تنظيمي‮ "‬داعش‮"‬،‮ ‬و"بوكو حرام‮".‬ وإذا كان أنصار الجيلين الأول والثاني قد قاتلوا العدوين القريب والبعيد،‮ ‬أملا في قيام دولة الإسلام، كهدف بعيد المدي، فإن التنظيم الرئيسي في الجيل الثالث للعنف وبعض التنظيمات الأخري‮ ‬يري أن وقت إعلان هذه الدولة‮ (‬الخلافة‮) ‬قد حان‮.‬
 
ثانيا‮- ‬الموقف تجاه إنشاء كيان مؤسسي‮ (‬دولة أو إمارة‮):‬
 
حيث كان هناك خلاف جذري بين أجيال التنظيمات الجهادية،‮ ‬فالجيل الثاني‮ (‬تنظيم القاعدة بزعامة بن لادن‮) ‬كان يحذر من فكرة الإقدام علي إنشاء كيان‮  ‬جغرافي محدد للتنظيم تحت مسمي الدولة أو الإمارة، في حين أن مسألة تأسيس دولة لدي بعض تنظيمات الجيل الثالث كانت بمنزلة‮ "‬الحلم‮"‬،‮ ‬مثل تجربة‮ "‬أبي بكر البغدادي‮" ‬بإعلانه قيام الدولة الإسلامية في العراق، ومحاولة تنظيم‮ "‬بوكو حرام‮" -‬بالتعاون مع حركة‮ "‬أزواد‮"- ‬تأسيس إمارة إسلامية في شمال مالي في أبريل‮ ‬2012‭.‬‮ ‬ولكل من الجيلين وجهة نظره فيما يخص إنشاء الدولة،‮ ‬أو كيان جغرفي محدد‮.‬
 
فلم يكن الجيل الثاني‮ -‬ممثلا في بن لادن وتنظيم القاعدة‮- ‬مولعا بفكرة تأسيس دولة أو إمارة علي كيان جغرافي محدد، فقد كشفت الوثائق‮ -‬التي وجدت في مخبأ بن لادن بعد اغتياله‮- ‬مناقشات جرت بين زعيم القاعدة وقادة التنظيم في جزيرة العرب حول جدوي إنشاء إمارة إسلامية في اليمن،‮ ‬تكون منطلقا للتوسع نحو دول الخليج‮.‬ فقد حذر"بن لادن‮" ‬أنصاره‮  ‬من مغبة الإقدام علي تأسيس هذه الإمارة،‮ ‬ودعا إلي التركيز علي‮ "‬عدو اليمن الخارجي‮"‬،‮ ‬ومحاولة كسب رضا السكان المحليين والقبائل،‮ ‬منتقدا العمليات التي نفذتها‮ "‬القاعدة‮" ‬ضد القوات اليمنية في‮  ‬كل من‮ "‬مآرب‮" ‬و"عتق‮"‬،‮ ‬مبررا هذا العدوان بقوله‮ "‬عسي أن تكون هناك ضرورة دفعت إليها كالدفاع عن النفس‮".‬ وأضاف‮ "‬أما المجاهدون،‮ ‬فإذا أحسنوا التعامل مع القبائل،‮ ‬فستنحاز إليهم، إذ إن أثر الدم في المجتمعات القبلية عظيم‮". ‬وقال بن لادن أيضا‮ "‬لا نريد أن نزج أنفسنا وأهلنا في اليمن في هذا الأمر في هذا الوقت،‮ ‬قبل أن تتهيأ الأوضاع،‮ ‬فنكون كالذي يبني في مجري سيل‮. ‬فإذا سال،‮ ‬اجتاح ذلك البناء وأسقطه‮. ‬ثم إذا أردنا بناء البيت مرة ثانية،‮ ‬نفر الناس وانفضوا عن مساعدتنا‮".‬
 
ولاشك في أن قادة القاعدة قد فشلوا في اتباع مشورة بن لادن في كسب ود السكان المحليين،‮ ‬بعد أن دخلوا‮ "‬أبين‮"‬،‮ ‬و"شبوة‮"‬،‮ ‬و"جعار‮"‬،‮ ‬و"عزان‮"‬،‮  ‬و"زنجبار‮"‬،‮ ‬مستخدمين العنف والقوة‮.‬ كما أن ممارساتهم في هذه المناطق،‮ ‬كقطع الأيدي والرءوس،‮ ‬وقتل المدنيين،‮ ‬قد خلقت عداوة بين القاعدة والسكان المحليين‮.‬
 
والخلاصة أن‮ "‬أسامة بن لادن‮" ‬لم يكن مشجعا لفكرة إنشاء إمارة،‮ ‬مالم تكن هناك ظروف مهيأة ومشجعة علي ذلك،‮ ‬وبرضاء السكان المحليين‮.‬ بل تشير تحليلات أخري إلي أنه كانت لديه حساسية قصوي من إقامة أي إمارة إسلامية‮.‬
 
أما‮ "‬أبوبكر البغدادي‮"‬،‮ ‬فقد كانت تسيطر عليه فكرة تكوين الدولة من خلال السيطرة علي مساحة من الأراضي،‮ ‬تكون نواة لإقامة الدولة الإسلامية الكبري‮ "‬دولة الخلافة‮"‬،‮ ‬من خلال‮  ‬مجابهة العدو القريب‮.‬ لذا،‮ ‬فقد استغل سيطرة تنظيمه علي الموصل،‮ ‬وتكريت في العراق،‮ ‬وسارع بإعلان الدولة الإسلامية،‮ ‬في سابقة هي الأولي من نوعها، وتم تنصيبه خليفة للمسلمين،‮ ‬ودعا المسلمين إلي طاعته، وهو الأمر الذي جعله ينافس أيمن الظواهري‮ -‬خليفة بن لادن‮- ‬بقوة علي قيادة الجماعات الجهادية في العالم‮.‬
 
كما سعت‮ "‬الدولة الإسلامية‮"‬،‮ "‬داعش سابقا‮"‬،‮ ‬إلي إعادة رسم الجغرافية السياسية في المنطقة،‮ ‬وهدم نموذج الدولة القومية القطرية،‮ ‬وبناء نموذج متجاوز لنموذج‮ "‬سايكس-بيكو‮"‬، حيث أعلنت الدولة الإسلامية عن إنشاء ولاية‮ "‬الفرات‮"‬،‮ ‬تضم مدينة‮ "‬البوكمال‮" ‬السورية،‮ ‬ومدينة‮ "‬القائم‮" ‬العراقية، بحيث تُلغي الحدود بين البلدين، ويكون هناك تواصل أرضي بينهما، مستهدفة من ذلك إزالة الحدود التي فرضتها قوي الاستعمار علي الدول العربية‮. ‬ومن هنا،‮ ‬كان شغلها الشاغل هو الإعلان عن الدولة الإسلامية في العراق‮.‬
 
وفي الواقع،‮ ‬فإن‮ "‬دولة البغدادي الإسلامية‮" ‬تفتقد مقومات الدولة،‮ ‬كما أنها تهدد وحدة العراق،‮ ‬وهي تسعي لفرض الشريعة والأحكام الشرعية علي الناس مباشرة،‮ ‬من خلال محاكمها،‮ ‬وقضاتها،‮ ‬ومؤسساتها البدائية‮.‬ كما أن هذه الدولة ليست لها حدود متعارف عليها باستثناء خريطة تخيلية تضم مناطق من شرق آسيا لشرق أوروبا،‮ ‬وتشمل مساحات كبيرة من إفريقيا‮.‬
 
ومن ناحية أخري لا تعترف هذه الدولة بأية قواعد استقر عليها المجتمع الدولي، وترفض فكرة الدولة الحديثة،‮ ‬سواء من حيث الحدود،‮ ‬أو الالتزامات الدولية، وتحارب كل القيم الحديثة من خلال مشروع قائم علي‮ "‬الاستباحة‮ ‬غير المحدودة للجميع‮"‬،‮ ‬علي حد قول د‮. ‬شريف يونس‮.‬ كما أن هذه الدولة لا تملك من سلطات الدولة سوي توقيع الجزاءات والعقوبات علي السكان المدنيين في المناطق التي يستولون عليها بدون إطار تشريعي أو قانوني سوي ما استقر في وجدانهم من فكر متشدد في تطبيق الشريعة الإسلامية‮.‬ فبأي منطق يتم طرد مسيحيي الموصل و"الأيزيديين‮" ‬الذين عاشوا عقودا طويلة كمواطنين أحرار في أمن وسلام في كنف العراق،‮ ‬الدولة الإسلامية والعربية؟، فضلا عما نسب لهم من ممارسات كسبي النساء،‮ ‬وبيعهم كجوار،‮ ‬وبيع أطفالهم كرقيق، وأخذ الفتيات عنوة للزواج من رجالهم، فليست هذه سمات الخلافة الراشدة التي يدعون‮.‬
 
فرسول الإسلام الكريم محمد‮ -‬صلي الله عليه وسلم‮- ‬عايش وتعايش مع اليهود من خلال‮ "‬وثيقة المدينة‮"‬، التي تضمنت قيم ومبادئ التعايش المشترك بين كل مواطنيها من المسلمين،‮ ‬واليهود،‮ ‬وبعض المشركين، والإقرار بمبدأ التعددية،‮ ‬والقبول بالآخر المختلف دينيا وعرقيا وثقافيا‮.‬ كما أن الدارس والمدقق في سيرة نبي الإسلام‮ -‬صلي الله عليه وسلم‮- ‬وسنته،‮ ‬يجده قد قدم مثلا إنسانيا رفيعا في التعامل مع الآخر،‮ ‬واحترام حقوقه ومقدساته‮.‬
 
وأين هم من حكم الخلفاء الراشدين؟، فالخليفة الأول أبوبكر الصديق كان يوصي قادة جيوشه بألا يقطعوا شجرة،‮ ‬وألا يهلكوا زرعا،‮ ‬أو حرثا،‮ ‬ولا يقتلوا شاة إلا لمأكلة،‮ ‬وألا يعتدوا علي الشيوخ،‮ ‬والنساء،‮ ‬والأطفال، وألا يتعرضوا لراهب أو عابد في صومعة،  فقد كان يحذر جنوده من تدمير المدن،‮ ‬وعدم الاعتداء علي المدنيين‮.‬ كما أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب منح مسيحيي بيت المقدس‮ "‬العهدة العمرية‮"‬،‮ ‬وهي تعهد موقع من خليفة المسلمين،‮ ‬آمن فيها أهل بيت المقدس علي صلبانهم،‮ ‬وكنائسهم،‮ ‬ومعتقداتهم،‮ ‬وحرياتهم الدينية‮.‬
 
لكن إعلان‮ "‬البغدادي‮" ‬للدولة الإسلامية،‮ ‬وتنصيبه خليفة لم يجد‮  ‬ترحيبا من قادة الجهاد العالميين ومنظريه‮.‬ فالمنظر الجهادي أبو محمد المقدسي أصدر بيانا من محبسه في الأردن، انتقد فيه البغدادي،‮ ‬وقال إن فتواه بضرورة طاعة كل المسلمين له إنما تؤدي إلي المزيد من سفك دم المسلمين،‮ ‬وتبث الفرقة والتنابذ بين الجهاديين‮.‬ كما بث أنصار الظواهري فيديو يشار فيه إلي مبايعة أسامة بن لادن للملا عمر،‮ ‬زعيم حركة طالبان،‮ ‬ووصفه بأمير المؤمنين،‮ ‬وكان الهدف من ذلك تأكيد أن القاعدة وفروعها ملتزمة ببيعة الملا عمر‮.‬ كما أعلن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ولاءه للظواهري،‮ ‬وانتقد دولة البغدادي التي لم تبحث عن دعم كبار قادة الجهاد مثل الظواهري،‮ ‬والملا عمر الذي ضحي بدولة كاملة،‮ ‬وهي أفغانستان،‮ ‬من أجل مجموعة صغيرة من المجاهدين،‮ ‬من بينهم أبو مصعب الزرقاوي،‮ ‬مؤسس الدولة الإسلامية في العراق‮.‬ كما أشار أبو محمد الجولاني،‮ ‬زعيم جبهة النصرة في سوريا،‮ ‬إلي أن خلافة البغدادي باطلة،‮ ‬وتدفع إلي القتال بين المجاهدين‮.‬
 
والغريب أن‮ "‬الصراع المسلح‮" ‬كان هو وسيلة التفاهم عندما دب الخلاف بين تنظيمي‮ "‬البغدادي‮" ‬و"الجولاني‮"‬، بعد أن ضاق الأخير ذرعا من مراقبة الأول له،‮ ‬ورغبته في السيطرة عليه‮. ‬وقد سقط نتيجة هذا الصراع أربعة آلاف قتيل، وهنا تدخل الظواهري،‮ ‬وأعلن بقاء‮  ‬تنظيم الدولة الإسلامية في مكانها داخل العراق، وجبهة النصرة في سوريا والشام،‮ ‬دون الدمج بينهما، لكن الطرفين لم يستجيبا لذلك،‮ ‬ودخلت المواجهة بينهما حربا مفتوحة من التكفير والتفجير،‮ ‬مما عده قادة القاعدة انتكاسة للنموذج القاعدي‮.‬
 
ثالثا‮- ‬إشكاليات الربيع العربي‮:‬
 
لاشك في أن ثورات الربيع العربي التي هبت علي مصر،‮ ‬وتونس،‮ ‬وليبيا،‮ ‬وسوريا،‮ ‬واليمن كانت بمنزلة‮ "‬الحدث الجلل‮" ‬كما وصفها بن لادن نفسه، الذي كان مدركا ما آل إليه تنظيمه من تراجع حاد‮  ‬في شعبيته بين العرب والمسلمين،‮ ‬وتصاعد مشاعر العداء تجاهها‮.‬ كما أن دعوته للجهاد الأممي لم‮  ‬تعد تجد ما ينصت لها بسبب الأعمال الإرهابية‮  ‬المحسوبة علي القاعدة،‮ ‬والتي طالت بعض الدول العربية والإسلامية،‮ ‬وما تسبب فيه تنظيمه من عداء سافر بين الدول الغربية والدول الإسلامية،‮ ‬وشيوع ما يسمي بـ‮ "‬الإسلاموفوبيا‮"‬،‮ ‬بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر‮ ‬2001،‮ ‬وتسببه في تدمير منشآت سيادية أمريكية‮.‬ وترتب علي هذا الحادث أن أعلنت الولايات المتحدة حربا عالمية علي الإرهاب،‮ ‬كانت نتيجتها احتلال وتدمير كل من أفغانستان والعراق‮.‬
 
ولكن ما إن حدثت ثورات الربيع،‮ ‬إلا ووجد بن لادن وتنظيمه في حرج شديد، فقد كشفت الثورات عن تراجع تنظيمه وفقدانه للمصداقية‮.‬ فها هي الشعوب قد طالبت بالديمقراطية والتغيير بدون أي دور للقاعدة،‮ ‬وبدون أية وسائط إسلامية متشددة‮.‬ ففيما كانت الشعوب تطالب بالديمقراطية،‮ ‬كانت القاعدة تعدها‮ "‬بدعة‮"‬،‮ ‬وأنها‮ "‬كفر بواح‮"‬،‮ ‬ولم تجد مقولاتهم بشأن التغيير بالعنف والإرهاب أي صدي في مطالب الثوار‮.‬ وقد حاول‮ "‬بن لادن‮" ‬الاستفادة من الحدث،‮ ‬وركوب الموجة،‮ ‬كما فعل الكثيرون، بأن حث الشعوب التي لم تثر بعد،‮ ‬وشجعها علي الخروج علي الحكام،‮ ‬علي أساس أنه واجب شرعي، مع الأمل في القدرة علي قيادتها بعيدا عن‮ "‬أنصاف الحلول‮" ‬التي كانت تدعو إليها السياسات الديمقراطية العلمانية‮.‬
 
زعيم القاعدة كان يقول هذا وهو يعلم أن القاعدة كانت‮ ‬غائبة تماما عن المشهد، فلم تقدم برنامجا سياسيا،‮ ‬أو حتي رؤية عامة للمستقبل‮.‬ وفي الوقت الذي كان فيه قادة القاعدة يرفضون المشاركة السياسية، وينادون بالعنف والإرهاب،‮ ‬كوسيلة للتغيير،‮ ‬كانت الثورات العربية سلمية‮.‬ لقد كانت الجماهير تطالب بالحرية،‮ ‬والديمقراطية،‮ ‬وفصل السلطات،‮ ‬وإقامة حياة برلمانية، وكانت كل هذه المطالب رفضا تاما لكل الأفكار التي قام علي أساسها تنظيم القاعدة‮.‬ ومن هنا،‮ ‬بدا وكأن هناك انفصاما تاما بين الشعوب العربية ومطالبها،‮ ‬والقاعدة وادعاءاتها‮.‬
 
وكما كانت ثورات الربيع العربي كاشفة عن تراجع جيل تنظيم القاعدة،‮ ‬فقد كانت فرصة أيضا لتقدم وصعود جيل ثالث من تنظيمات العنف،‮ ‬نشأ علي هامش الثورات العربية، واستفاد من أخطائها، ومن الفوضي التي أعقبت الثورات، وكذلك من المخاض المتعثر للربيع العربي، وللإخفاق الذي أصاب بعض تجاربه‮.‬
 
وهذا الجيل الثالث من التنظيمات الجهادية الذي نشأ عقب الربيع العربي يتناوله ملف‮ "‬السياسة الدولية‮" ‬بقدر كبير من البحث والتحليل، من خلال العديد من المحاور،‮ ‬حيث تم التركيز في جزء منها علي الجانب المفاهيمي الذي يتناول نشأة الظاهرة،‮ ‬وإشكاليات تطور أجيالها، ومصادرها الفكرية،‮ ‬والتصنيفات المتعددة لأجيال العنف، خاصة الجيل الثالث وسماته، في حين تناول الجزء الآخر دراسات حالة منتقاة لظاهرة الجيل الثالث للعنف في عدد من دول الإقليم التي انتشرت فيها هذه الظاهرة بوضوح، وهي مصر،‮ ‬والعراق،‮ ‬وسوريا،‮ ‬وليبيا،‮ ‬والمغرب العربي،‮ ‬والساحل والصحراء‮.‬
 
(*) تقديم ملف " الجيل الثالث للعنف.. فيم يختلف؟ وكيف ينتشر؟، مجلة السياسة الدولية، العدد 198، أكتوبر 2014