الأحد، 30 سبتمبر 2012

الجبهة السلفية: العلمانية ضلال وباطل ولكنها ليست كفرًا | الموجز

الجبهة السلفية: العلمانية ضلال وباطل ولكنها ليست كفرًا | الموجز

الجبهة السلفية: العلمانية ضلال وباطل ولكنها ليست كفرًا

 Sat, 09/29/2012 - 20:42

رفض المتحدث الرسمي باسم الجبهة السلفية الدكتور خالد سعيد التصريحات التي وردت على لسان الشيخ وجدي غنيم، والتي مفادها تكفير حزب الدستور وتحريم الانضمام إليه.
وقال سعيد في تصريحات "للوطن": "نؤكد دائما أننا ضد استخدام منهج التكفير بسهولة ضد أشخاص أو هيئات لأن التكفير مسألة خطيرة للغاية تحتاج إلى استيفاء شروط وموانع لإثباتها وتكفير الهيئات أخطر بمراحل من تكفير الأشخاص لأن الهيئة الواحدة قد تجمع مجموعة كبيرة من الأشخاص تتفق على رأي واحد واتهامها بالكفر اتهام لهم جميعا".
وتابع المتحدث الرسمي للجبهة السلفية: "هناك شروط وموانع يجب استيفاؤها للحكم بالكفر على أحد وتتمثل في ارتكابه لفعل من نواقض الإسلام المعروفة أو الظاهرة أو الإساءة لدين الله وكتابه ورسوله بأي صورة من الصور أو إنكار أي معلوم من الدين إعرافا أو جهولة وبدونها لا يصلح الحكم بالكفر لذلك أبرئ الشيخ وجدي غنيم من مسألة التكفير لأنه ما كان طوال عمره متبنيا لهذا المنهج".
وأضاف سعيد "الدكتور البرادعي أحد المتحمسين للعلمانية وإقصاء الشريعة، وأخيرا قال في حديث لمجلة برازيلية إن المتطرفين السلفيين هم من يريدون تطبيق الشريعة ولا شك عندي أن تبني منهج العلمانية هو ضلال وباطل، ولكنه ليس كفرا طبقا للمعايير التي تم ذكرها".
واستطرد سعيد: "لا بد من وجود مجلس عام من العلماء الرسميين وغير الرسميين للتصدي لمثل تلك الأمور الخطيرة لكي لا يفتي فيها أي شخص حتى ولو كان من أهل الدين لأنهم قد يكونوا غير مؤهلين إلى الحديث عنها".
واختتم المتحدث الرسمي للجبهة السلفية الدكتور خالد سعيد حديثه داعيا الله تعالى أن يوحد صفوف الجميع وأن يعود العلمانيين عن علمانيتهم وأن يحمي السلفية من أجل الوطن والمسلمين.

إسلاميون: تيار الإسلام السياسى فاسد.. والسلفيون أفتوا على أنفسهم بـ«الكفر» | الموجز

إسلاميون: تيار الإسلام السياسى فاسد.. والسلفيون أفتوا على أنفسهم بـ«الكفر» | الموجز

إسلاميون: تيار الإسلام السياسى فاسد.. والسلفيون أفتوا على أنفسهم بـ«الكفر»

 Fri, 09/28/2012 - 23:55

شنت مجموعة من الإسلاميين هجوماً حاداً على تيار الإسلام السياسى، واصفين اختلاط السياسة بالدين بـ«الكارثة» التى أساءت بصورة وواضحة للإسلام وتعاليمه.
أكد هشام العشرى عضو السلفية الجهادية لـ«الوطن» أن تيار الإسلام السياسى مثله مثل جميع التيارات يحاصره الفساد، مرجعاً ذلك إلى أن الإسلاميين عندما قرروا الاهتمام بالعمل السياسى تركوا سنة النبى محمد جانباً ولم يهتموا بتطبيق شرع الله واتخاذه منهاجاً لهم.
وقال العشرى، إن أول مبدأ داخل المدرسة السلفية يؤكد، حسب فتواهم، أن الديمقراطية «كفر» ومن يؤمن بها يخرج من ملة الإسلام، وجميع السلفيين بلا استثناء أيام المخلوع مبارك أفتوا بأن المشتغلين بالسياسة كفرة، لذلك حسب قولهم رفضوا دخول السياسة أو مجرد التفكير فى تقديم أوراق ترشحهم لأى انتخابات، سواء البرلمانية أو المحليات مثلما فعل «الإخوان المسلمين».
وأضاف أن التيار السلفى عقب الثورة وسقوط مبارك لهثوا وراء المناصب السياسية، وبدأوا يعلنون عن إيمانهم بالديمقراطية وتسابقوا فى إشهار الأحزاب وحكموا على أنفسهم حسب فتواهم بـ«الكفر».
ووصف العشرى تصرف ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية بالكارثة التى تسىء له قبل أن تسىء للإسلام باعتباره إحدى علامات التيار السلفى بمصر، وذلك بإنكاره فى برنامج وائل الإبراشى زيارة أحمد شفيق فى منزله ليلة نتيجة انتخابات الرئاسة ثم عاد واعترف بالزيارة وحاول تبريرها بأمور واهية، مؤكداً: «إذا كان برهامى لم يصدق فى حديثه فى بداية الأمر، فمن الطبيعى ألا نصدق أى رواية يقولها، والله وحده يعلم ماذا دار بينه وبين شفيق فى هذه الليلة».
ولم يختلف رأى الشيخ ياسر سعد عضو تنظيم الفنية العسكرية عن سابقه، حيث أكد لـ«الوطن»، أن تيار الإسلام السياسى ملىء بالفساد والمفسدين، فمعظم التيارات الإسلامية قامت فى الأصل على فكرة الفسق والكفر لكل المعارضين لهم، والسلفيون أنفسهم يعارضون بعضهم بعضاً حالياً، وهذا ما يظهر جلياً داخل حزب النور.
وكشف سعد عن مفاجأة من العيار الثقيل، حيث أكد أن معظم أعضاء التيار الإسلامى لا يتمتعون بالشفافية، ونافقوا الرئيس مرسى، فمعظمهم كان لا يريد الرئيس مرسى، وهناك قيادات سلفية وإسلامية بخلاف برهامى وأشرف ثابت لها ثقلها داخل التيارات الإسلامية قامت بزيارة شفيق، وأكدت له أنه أولى من مرسى بكرسى الرئاسة، لكنهم عادوا وقدموا فروض الطاعة لمرسى عقب فوزه بالانتخابات.
وأكد سعد أن التيارات الإسلامية سوف تصطدم بطائفية الإخوان المسلمين والأيام المقبلة ستكشف عن تعمد حكومة الإخوان استبعاد أى قيادة سلفية من المناصب المهمة بالدولة، متوقعاً صداماً وشيكاً بين مرسى والتيارات الإسلامية.

السبت، 29 سبتمبر 2012

د. محمد البرادعي يكتب: سنوات الخداع.. الحلقة (10) | الموجز

د. محمد البرادعي يكتب: سنوات الخداع.. الحلقة (10) | الموجز

د. محمد البرادعي يكتب: سنوات الخداع.. الحلقة (10)

 Tue, 09/25/2012 - 10:53

د. محمد البرادعي يكتب: سنوات الخداع.. الحلقة (10)
الدكتور محمد البرادعي -المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية
على الرغم من دعمى المستمر لانخراط كوريا الشمالية فى المباحثات السداسية، فإن عدم وجود رد فعل دولى موحد ومتفق عليه تجاه التصعيد من جانب كوريا الشمالية كان من وجهة نظرى يشكل سابقة بالغة الخطورة. ففى حالة العراق، كانت الحكومة العراقية قد دعت المفتشين الدوليين الذين لم يجدوا أى أثر لاستمرارها فى برامج تتعلق بأسلحة الدمار الشامل. لكن تم تجاهل نتائج التفتيش ووضعها جانبًا لصالح فكرة غزو العراق (التى زعم أنها بسبب التهديد الذى يشكله العراق «للأمن والسلام الدوليين»)، وعلى الصعيد الآخر فإن حكومة كوريا الشمالية فشلت فى الإجابة عن أسئلة حول البلوتونيوم المختفى، والمنشآت السرية، وبرنامجها المزعوم غير المعلن لتخصيب اليورانيوم. وتم إبعاد مفتشى الوكالة إلى خارج البلاد، وانسحبت بيونج يانج من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية مما أرسل إشارة قوية تدل على نوايا كوريا الشمالية، لكن مع ذلك كله، لم تكن هناك إدانة جماعية فى مجلس الأمن تجاهها، ولم تكن الوكالة الدولية (وهى الجهة المسؤولة عن حظر انتشار الأسلحة النووية) طرفًا فى المحادثات بين مختلف أطراف القضية.
وفى كل اجتماع لمجلس محافظى الوكالة كنت أعرب عن القلق وعن استعداد الوكالة العمل مع كوريا الشمالية للتوصل إلى تفاهمات تأخذ فى الاعتبار كلًّا من مصالح بيونج يانج الأمنية، وحرص المجتمع الدولى على عدم انتشار الأسلحة النووية. وفى الكواليس كنت أسأل أعضاء المحادثات السداسية عن معلوماتهم، لكن لم يكن هناك الكثير الذى يستطيعون قوله لأنه لم يكن هناك على ما يبدو تقدم يذكر.
كما قمت من خلال عدد من المنتديات العامة بالإعلان عن عدم ارتياحى للطريقة التى تدار بها قضايا انتشار السلاح النووى، ومن ذلك ما قلته فى مناقشة عامة أمام مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى، حيث قلت: «إن ما يقلقنى إزاء التعامل مع كوريا الشمالية أننا نرسل أسوأ رسالة ممكنة للدول التى يمكن أن تفكر فى حيازة الأسلحة النووية، والرسالة مفادها أنه إذا أرادت دولة أن تحمى نفسها فالحل يكمن فى تطوير كبير وسريع لقدراتها النووية، وأن الدولة التى لا تتحرك بسرعة كافية فى هذا الصدد قد تكون عرضة لأعمال استباقية فى إشارة بالطبع إلى العمل العسكرى ضد العراق.
فى يونية من العام 2004 التقيت بـ«كولين باول» بينما كانت الجولة الثالثة من المحادثات السداسية على وشك الانتهاء دون أن يلوح فى الأفق أى شىء يدل على إمكانية تحقيق اختراق. وأخبرنى «باول» أنه مستعد لإبداء مزيد من المرونة إزاء كوريا الشمالية، غير أنه كان يخشى فى الوقت نفسه أن تحاول بيونج يانج المماطلة حتى شهر نوفمبر، وقال لى: «إننى لو كنت مكان كوريا الشمالية لانتظرت حتى نهاية العام عندما تتضح نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لأنه لو فاز الديمقراطيون فإنهم على الأرجح سيتبنون سياسة أقل تشددًا».
وفى ما استطعت قراءته بين السطور حول المحادثات السداسية فإن مطالب كوريا الشمالية مقابل وقف برنامجها النووى كانت بالفعل قد تجاوزت الحصول على مفاعلَيْن نوويَّيْن لأغراض سلمية من الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها أصبحت تشمل الحصول على المزيد من المعونة والتوصل إلى اتفاق حول حزمة ضمانات أمنية إلى جانب تطبيع العلاقات مع واشنطن.
كما كان باديًا لى أن واشنطن، وبدرجة ما طوكيو، كانت تريد على الجانب الآخر أن تتحرك بيونج يانج نحو تفكيك برنامجها النووى بدرجة تحول دون استعادة تفعيل دورة الوقود النووى. بل إن الولايات المتحدة كانت تسعى لوقف المساعدات الدولية إلى أن تقوم بيونج يانج باتخاذ خطوات جادة فى سبيل تفكيك برنامجها النووى على نحو يمكن التحقق منه وتقديم ضمانات كافية فى هذا الشأن.
أما الصين وروسيا وكوريا الجنوبية فبدت أكثر ميلًا لاتخاذ موقف أقل تشددًا يقوم على التبادلية، بمعنى أنه كلما اتخذت كوريا الشمالية خطوة حصلت على خطوة مقابلة من الجانب الآخر.
وبدت كل الأطراف متمسكة بمواقفها. وبدت ساحة العمل الدبلوماسى للتعامل مع أزمة كوريا الشمالية النووية ملبدة بالغيوم. وعندما حل موعد الجولة الرابعة للمباحثات السداسية رفضت كوريا الشمالية المشاركة، وبررت هذا الرفض بالمواقف «المعادية» التى تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية. وفى وقت لاحق من ذلك الخريف قمت بزيارة اليابان وكوريا الجنوبية، وفى طوكيو وسيول أيضًا استشعرت أن هناك عدم ارتياح إزاء المواقف المتشددة التى تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه كوريا الشمالية.
وقد أرجع نائب وزير خارجية كوريا الجنوبية الإشكال القائم إلى ما وصفه بخلافات فى وجهات النظر، حيث قال إنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية فإن كوريا الشمالية هى مجرد ملف آخر من ملفات أسلحة الدمار الشامل، أما «بالنسبة إلينا فى كوريا الجنوبية فإن الوضع يختلف، لأن كوريا الشمالية بالنسبة إلينا هى العدو وهى أيضًا الشقيق»، أما فى ما يتعلق باليابان فقد قيل لى إنها كانت تفضل التركيز على وقف كوريا الشمالية لعمليات فصل البلوتونيوم التى كانت اليابان تراها الأكثر خطورة، ثم التعامل لاحقًا مع مسألة التخصيب المزعوم لليورانيوم. ومع غياب مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يعد «التجميد» الذى يحول دون قيام كوريا الشمالية بإعادة معالجة الوقود المستنفد، أو فصل البلوتونيوم، أو تطوير أسلحة نووية قائمًا.
وقرب نهاية العام نفسه تلقيت مكالمة غير معلنة من «بيل ريتشاردسون» حاكم ولاية نيو مكسيكو، الذى اتصل بى بصفة شخصية. كنت أعرف «ريتشاردسون» منذ توليه منصب مندوب الولايات المتحدة الأمريكية فى الأمم المتحدة، فى العامين 1997 و1998. وبعد ذلك خلال فترة توليه منصب وزير الطاقة الأمريكى. لقد أراد «ريتشاردسون» أن يعرف ما إذا كان يمكنه القيام بوساطة فى هذا الشأن عن طريق موافقتى على إرساله لكوريا الشمالية كمبعوث عن مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذكر أنه يريد أن يبقى على صلة بقضايا السياسة الخارجية التى كان يفتقدها فى منصبه كحاكم ولاية.
وكان لـ«ريتشاردسون» خبرة فى التعامل مع كوريا الشمالية، حيث تمكن فى عام 1996، بينما كان عضوًا فى الكونجرس، من ضمان موافقة كوريا الشمالية الإفراج عن المواطن الأمريكى «إيفان هانزيكر»، الذى كان قد تم احتجازه من قِبل سلطات بيونج يانج. بالإضافة إلى ذلك فلقد كانت كوريا الشمالية قد لجأت إلى استخدام مساعى «ريتشاردسون» عبر إرسال مبعوثين له فى يناير عام 2003 مع تدهور الوضع إزاء أزمة برنامجها النووى. وكان «ريتشاردسون» قد تولى مهامَّ دبلوماسية أخرى فى أثناء إدارة «بيل كلينتون» فى العراق وفى بنجلاديش تعلقت بالإفراج عن مواطنين أمريكيين معتقلين من قِبل سلطات البلدين، مما يعنى أنه كان لديه خبرة فى إجراء وساطات ناجحة كانت فى كثير من الأحيان تحظى بتغطية إعلامية واسعة.
ووافقتُ على أن أدعم مهمة «ريتشاردسون» المقترحة بينما تولى هو السعى للحصول على موافقة الخارجية الأمريكية على قيامه بهذه الوساطة. وقد أبدت الإدارة الأمريكية استعدادها لتسهيل ذهاب «ريتشاردسون» إلى كوريا الشمالية بطائرة عسكرية أمريكية مشترطة أن لا يكون حديثه فى بيونج يانج باسم واشنطن. وبعد ذلك بفترة وجيزة، بعث لى «ريتشاردسون» برسالة عبر الفاكس ليخبرنى أن موقف كوريا الشمالية التى كانت مرحبة بزيارته من قبل قد تغير.
وفى مناسبة أخرى تلقيت اقتراحًا من بعض الأصدقاء من كوريا الجنوبية، كنت قد التقيت معهم فى مؤتمر باجواش، أن ألتقى رجلا من رجال البنوك السويديين، الذى قال لى الناصحون إن له علاقة مباشرة بأحد كبار المسؤولين فى كوريا الشمالية. ورغم تشككى فى الأمر فإننى وافقت، وتم اللقاء بالفعل مع «بيتر كاستنفيلت» فى مقر الوكالة بفيينا. ولم يكن فى مظهره ما يُطمئن.
وخلال اللقاء قال لى ضيفى السويدى إن الزعيم الكورى الشمالى لديه مشكلة، حيث إنه يريد أن تنفتح بلاده على العالم، وأن تتخلص من حالة العزلة التى تعيشها. وأشار أيضًا إلى أن الزعيم الكورى يلقى دعمًا من أجيال شابة فى بلاده، لكنه فى الوقت نفسه يقابل معارضة من قِبل معاونى والده، الزعيم السابق لكوريا الشمالية، والذين لم يكونوا أبدًا مرحبين بانفتاح «كيم يونج إيل» على المجتمع الدولى. وأضاف «كاستنفيلت» أن كوريا الشمالية تدرك أهمية استعادة علاقتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأنهم كانوا بصدد دعوتى لزيارة بيونج يانج، لكن خطاب الدعوة لم يتم إرساله بسبب غضب المسؤولين هناك من تصريح أدليت به. وعد «كاستنفيلت» بترتيب لقاء لى مع مندوب كوريا الشمالية فى الأمم المتحدة خلال زيارتى القادمة لنيويورك، وهو اللقاء الذى لم يتم أيضًا.
لقد كان «بيتر كاستنفيلت» شخصًا غامضًا وغريبًا، وكان بمثابة رجل يقوم بمهام سياسية متعددة نيابة عن العديد من الحكومات. وقد فهمت أنه كان يقوم ببعض المهام نيابة عن روسيا، فى وقت حكم «بوريس يلتسين»، بغرض تسهيل حصول موسكو على قروض من صندوق النقد الدولى. كما أنه قام بمهمة فى مرحلة لاحقة نيابة عن ألمانيا وروسيا، حيث تم إرساله إلى الرئيس الصربى «سلوبودان ميلوسوفيتش» لإقناعه بوقف عمليات القصف العسكرى لكوسوفو. وبدا لى أن «كاستنفيلت» له اتصالات عالية المستوى فى كثير من بلدان العالم بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. والحقيقة أننى لم أتبين أبدًا الهدف الذى كان «كاستنفيلت» يسعى إليه من وساطاته.
فجأة وبدون مقدمات بدأت السحب تنقشع حيث إن الجولة الرابعة للمفاوضات التى كانت قد توقفت دون نتائج فى أغسطس من عام 2005 قد استؤنفت فى شهر سبتمبر. وتوصلت الأطراف الستة إلى اتفاق حول بيان مشترك يحدد المبادئ التى سيتم التعامل على أساسها مع الوضع بالنسبة إلى كوريا الشمالية. وتضمن الإعلان إشارة إلى موافقة كوريا الشمالية على التخلى عن برنامجها للتسلح النووى والعودة إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ونظام الضمانات التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ما الذى تسبب فى هذا التغيير؟ أظن أن أحد أهم الأسباب هو تولى «كوندوليزا رايس» منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، فهى التى استطاعت أن تقنع «بوش» بعكس ما كان يقول به نائب الرئيس الأمريكى (ديك تشينى) ومجموعته بأن هناك حاجة لتبنى نهج مختلف إزاء كوريا الشمالية. ولقد بدا تأثير «رايس» واضحًا أيضًا فى اختيار «كريستوفر هيل» رئيسًا لوفد التفاوض الأمريكى المشارك فى المباحثات السداسية، ثم ترقى «هيل» بعد ذلك بعدة أشهر ليكون مساعدًا لوزير الخارجية الأمريكية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ.
لقد كان «هيل» دبلوماسيًّا يؤمن بالبراجماتية، وكذلك بالبناء المتدرج للثقة واستطاع بالفعل أن يتفاعل مع المسؤولين فى كوريا الشمالية. وبالنسبة إلىّ فإن «هيل» كان شخصًا استثنائيًّا فى إطار العاملين تحت إدارة الرئيس بوش حيث كان دبلوماسيًّا متميزًا لا تحركه التزامات إيديولوجية وسياسية بعينها، كما أنه يتمتع بإدراك فطرى منطقى لكيفية التعاطى مع المشكلات الجيو سياسية. ولقد تمكن «هيل» من تحقيق إحراز تقدم واضح فى الحوار مع المسؤولين فى كوريا الشمالية للدرجة التى سرت معها شائعات من أن بعض اليابانيين يلقبونه مزاحًا بـ«كريس يونج هيل».
وكان من الواضح أن «هيل» لا يرحب بتأثير مجموعات المتشددين فى واشنطن، وقد أخبرنى ذات مرة فى حديث خاص بيننا أنه على الرغم من خروج «جون بولتون»، وهو أحد المتشددين، عن الساحة بصورة مباشرة، فإن تأثيره ما زال واضحًا فى بعض القرارات السياسية الأمريكية من خلال أعوان له.
وفى المجمل فلقد كان هناك تفاهم جيد بينى وبين «هيل»، حيث كنا نتفق على أهمية الحوار فى التعامل مع الأزمة النووية لكوريا الشمالية، وكذلك عدم جدوى المواقف المتعنتة خصوصا على المدى الطويل، وأيضًا ضرورة اتباع نهج عملى متدرج مع كوريا الشمالية. غير أن «هيل» لم يُخف أن عمله مع كوريا الشمالية كان يواجَه بالكثير من العقبات فى واشنطن، بل إنه قال لى مرة بامتعاض إنه يجد صعوبة فى الحصول على آراء استشارية جيدة، وذلك فى تعليق على ما قلته من أن مستوى العاملين على ملفات مكافحة التسلح فى الخارجية الأمريكية ليس على المستوى المطلوب.
ولم يتضمن البيان المشترك أية إشارة إلى إطار زمنى معين أو إلى خريطة طريق لتنفيذ ما جاء فيه، وهو ما استدعى تعليقات ساخرة من قِبل البعض فى واشنطن الذين رأوا أنه بعد ثلاث سنوات من استبعاد الاتفاق الإطارى فإن الدبلوماسية الأمريكية قد استبدلته ببديل أسوأ. غير أن البيان المشترك يعتبر خطوة مهمة إلى الأمام حيث إنه يؤكد تقديم كوريا الشمالية لضمانات بالتخلى عن برنامجها للسلاح النووى مقابل حصولها على الطاقة، كما أن واشنطن أعلنت أنه ليس لديها النية لغزو كوريا الشمالية، وأنها ستقدم لها ضمانات أمنية، بل وتعهدت باحترام سيادتها.
وعلى الرغم من كل ذلك عادت المباحثات للتوقف ثانية، حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتجميد 25 مليون دولار تخص كوريا الشمالية فى أحد البنوك فى ماكاو بدعوى أن هذه الأموال محولة فى إطار عمليات غير قانونية لغسل الأموال وتزوير العملات النقدية. وأبدت كوريا الشمالية، رغم غضبها الشديد، استعدادها لاستئناف المفاوضات السداسية إذا ما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالإفراج عن هذه الأموال، وهو الأمر الذى رفضته واشنطن، مشيرة إلى أنه لا توجد صلة بين القضايا المالية والقضايا النووية.
ومع دخول المفاوضات مأزقًا جديدًا أعلنت كوريا الشمالية أنها ستقوم بأولى تجاربها النووية، وهو ما حدث بالفعل فى التاسع من أكتوبر عام 2006 أى بعد ستة أيام فقط من التهديد الصادر عن بيونج يانج. وكان الاختبار الذى أجرته بيونج يانج صغيرًا، وهو ما أثار العديد من التساؤلات فى الأوساط المعنية حول مدى كفاءة التكنولوجيا النووية المتاحة لدى كوريا الشمالية. غير أنه بغض النظر عن ذلك فالحقيقة الواضحة أمامنا أن كوريا الشمالية على الرغم مما تعانيه من فقر وعزلة تمكنت من تحدى العالم، وتمكنت أيضًا من أن تلتحق بالنادى النووى.
ولو أن الهدف من وراء الاختبار النووى الذى قامت به كوريا الشمالية كان جذب الأنظار إليها، فهى بالتأكيد قد نجحت فى ذلك. وجاءت ردود الأفعال بسرعة حيث أصدر مجلس الأمن قرارًا يدين الاختبار النووى، كما تبنى القرار حزمة جديدة من العقوبات لم تكن لتؤثر كثيرًا على الوضع فى كوريا الشمالية. وفى مقال له فى صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية قال «ويليام بيرى»، وزير الدفاع الأمريكى السابق: «إن الاختبار الذى أجرته كوريا الشمالية يجسد فشل إدارة الرئيس الأمريكى (بوش) إزاء كوريا الشمالية».
أما الرئيس الأمريكى السابق «جيمى كارتر» فقد اتخذ موقفًا أقل تشددًا، وأشار إلى إمكانية العودة إلى نقطة التفاهم التى كانت قائمة لدى الاتفاق على البيان المشترك للمحادثات السداسية فى عام 2005. وفى مقال له حول هذه الأزمة قال «كارتر» إن ما يجب بالقطع تجنبه هو أن تصل دولة نووية إلى قناعة أنه لن يكون لها أبدًا مكانة فى المجتمع الدولى، وأن بقاءها سيكون دومًا مهددًا، وأن أبناءها سيتحملون الكثير من المعاناة والحرمان، وأن سياساتها وقراراتها العسكرية ستكون دومًا فى يد المتشددين.
أما موقف الصقور الأمريكيين فقد عبَّر عنه «ديفيد فرام» وهو مواطن كندى كان قد عمل مستشارًا لكتابة الخطابات الرسمية للرئيس «بوش» (الابن)، وذكر أنه هو صاحب تعبير «محور الشر». وفى مقال له فى صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية دعا «فرام» إلى إجراءات أكثر حدة، وطالب بنشر سريع لأنظمة الصواريخ الدفاعية الأمريكية وإيقاف المعونات الإنسانية لكوريا الشمالية والسماح لبعض الدول الآسيوية بالانضمام إلى عضوية الناتو. بل إن «فرام» دعا أيضًا لمطالبة اليابان بالخروج عن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والبدء فى إنشاء رادع نووى خاص بها. وقد تنفست الصعداء لأن هذه الآراء صدرت عن «فرام» بعد أن غادر مجموع المستشارين السياسيين للإدارة الأمريكية.
ومع ظهور إحساس واضح بضرورة التعامل بسرعة مع ملف الأزمة الكورية تم استئناف المباحثات السداسية. وفى هذا السياق سألتنى «رايس» فى مقابلة فى نهاية شهر أكتوبر إذا ما كنت أرى دورًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية فى التعامل مع الأزمة النووية لكوريا الشمالية، مشيرة إلى اعتقادها بأنه لا يكفى أن تبدى كوريا الشمالية استعدادها لإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، وأن الأمر فى رأيها يتطلب قيام كوريا الشمالية بخطوات ملموسة فى هذا الصدد. وبالتأكيد، فقد كان لدى الوكالة الاستعداد لتقديم أى عون من شأنه أن يسهم فى إنهاء الأزمة، وقلت لـ«رايس»: «إننا نستطيع أن نبدأ بالقيام ببعض مهام التفتيش التى تكون محل اتفاق مع حكومة كوريا الشمالية، على أن تتوالى هذه العمليات وتتصاعد فى مراحل لاحقة». وبدت «رايس» متفقة مع مقترحى هذا.
ولم يسعنى إلا أن أرى أننا وبعد كل هذا الوقت نعود ثانية للتعامل مع ملف أزمة كوريا الشمالية من منظور الخطوات المتبادلة الذى كان يمثل السياق الأساسى للاتفاق الإطارى الذى تم التوصل إليه مع كوريا الشمالية. والأمر الذى كان أكثر غرابة، خلافًا للسلوك الأمريكى السابق فى العراق والحالى وتجاه برنامج إيران النووى، هو أن الولايات المتحدة استأنفت المحادثات المباشرة مع كوريا الشمالية على الرغم مما كان باديًا من أن كوريا الشمالية تفعل ما تريد عقب قيامها بتجربتها النووية مباشرة.
وفى محاولة منها لتهدئة التوتر قامت واشنطن بمطالبة محاسبين وقانونيين بالنظر فى وسائل لإنهاء التجميد المفروض على حساب لكوريا الشمالية فى أحد البنوك فى ماكاو، وفى المقابل قامت كوريا الشمالية بإعلان استعدادها لوقف مفاعلها النووى فى يونج بيون والسماح لمفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالعودة للبلاد. وكانت تلك هى الخطوة الأولى فى صفقة جديدة لنزع السلاح.
وفى الثالث والعشرين من الشهر ذاته تلقيت دعوة من كوريا الشمالية للقيام بزيارة لها، وقد تضمن خطاب الدعوة إشارة إلى ما كنت قد قلته من أن الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى حل لمشكلة كوريا الشمالية هى الحوار السلمى فى التعامل مع بيونج يانج، وليس ممارسة الضغوط. ولقد رحبت بهذه الخطوة وذكرت عند إعلانى عن دعوة بيونج يانج، بأنها خطوة فى الاتجاه الصحيح.
وفى اليوم التالى دار حديث ودى بينى وبين «رايس» حول هذه الزيارة التى تأتى فى الشتاء القارس، والتى لم تكن لتتم لولا التغير فى المواقف الأمريكية، وذكرت لوزيرة الخارجية الأمريكية ضاحكًا زيارتى لبيونج يانج فى شتاء 1992 حيث أمضيت ليلتى فى غرفة الفندق أرتجف من شدة البرد لعدم وجود تدفئة كافية.
قبيل رحلتى لبيونج يانج أعلنتْ واشنطن، بصورة تدعو للدهشة أن المعلومات المخابراتية التى كانت لديها حول سعى بيونج يانج للقيام بتخصيب سرى لليورانيوم وهى التى أودت بالاتفاق الإطارى فى 2002 لم تكن «بالمعلومات المؤكدة»، فى إشارة إلى عدم التيقن الكامل من دقة المعلومات المشار إليها أو إلى وجود معلومات أخرى مناقضة لها.
ولقد ذُهلت جراء هذا الإعلان، حيث إن البرنامج السرى المفترض لتخصيب اليورانيوم فى كوريا الشمالية كان السبب الذى قررت الولايات المتحدة الأمريكية من أجله وقف تقديم معونات الطاقة لكوريا الشمالية قبل أربع سنوات، وهو الموقف الذى كان من ضمن تبعاته انسحاب كوريا الشمالية من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وطلبها سحب مفتشى الوكالة، والتعجيل ببرنامجها للتسلح، وبدء رحلات المفاوضات التى كانت كثيرًا ما تتعثر، والتهديدات والعقوبات وصولًا إلى قيام كوريا الشمالية بتفجير نووى. لم أكن أصدق أن كل هذا يمكن أن يحدث نتيجة لادعاء غير مؤكد. وكان هذا الإعلان بمثابة ضربة جديدة لمدى الثقة التى يمكن أن تحظى بها معلومات الاستخبارات الأمريكية والتعامل معها.
وفى حديث لاحق لتلك التطورات مع «كريستوفر هيل» أبدى «هيل» شيئًا من التشكك فى دقة ما نقله سلفه «جيمس كيلى» من «اعتراف» كوريا الشمالية بالبرنامج السرى لتخصيب اليورانيوم، مشيرًا إلى أنه اطلع على التقرير الذى بعث به «كيلى» إلى واشنطن بناء على مباحثاته فى بيونج يانج. ولكنه من تعبيرات وجهه ظهر لى أنه لم يكن مقتنعًا بطبيعة هذا الاعتراف.

الجمعة، 28 سبتمبر 2012

د. محمد البرادعي يكتب: سنوات الخداع «9» | الموجز

د. محمد البرادعي يكتب: سنوات الخداع «9» | الموجز

د. محمد البرادعي يكتب: سنوات الخداع «9»

 Mon, 09/24/2012 - 10:45

رغم أن التقديرات لعدد الوفيات من العراقيين جراء تلك الحرب أشارت إلى أن ما يقرب من 800 ألف عراقى قد قضوا فى الأعوام الثلاثة الأولى للغزو مباشرة، فإن هؤلاء لم يحظوا إلا بقليل من الاهتمام من الإعلام الغربى، واستمروا غير معروفة أسمائهم أو وجوههم، ناهيك عن الملايين ممن تعرضوا للتشويه وعاهات دائمة ومن فقدوا منازلهم وأسباب استقرار حياتهم. ويمكن القول إن الأمر نفسه ينطبق على الحال فى أفغانستان، وإن كان بدرجة أقل. فى الوقت نفسه فإن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بصفة عامة كان لديهم حصر دقيق بعدد جنودهم الذين يلقون حتفهم فى العراق.
وكيف لا يمكن لقادة الدول الغربية أن يفهموا الشعور بالغضب والظلم والمهانة والمرارة الذى سببته هذه الحرب، إلى جانب الجراح الثقافية التى نجمت عنها والتى يُرجّح أن تظل قائمة لجيل كامل على الأقل.
فى يناير 2005 التقيت موفق الربيعى على هامش أعمال منتدى دافوس، وكان الربيعى مستشارا للأمن القومى فى العراق، ورغم أنه كان يعمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية فإنه أبلغنى أن الطريقة التى تدير بها أمريكا الأمور فى العراق هى طريقة «إجرامية». ومن ذلك أخبرنى الربيعى أنه عندما دخلت القوات الأمريكية الفلوجة وقامت بقتل المئات من العراقيين هناك، اتصل بالجنرال «جورج كيسى» قائد القوات العسكرية الأمريكية فى العراق ليخبره أن هذه الطريقة لا تتسم بأى قدر من الإنسانية، فما كان من الأخير إلا أن أجاب عليه بكل برود: «أنا من المارينز، وهذه هى الطريقة التى يتصرف بها المارينز».
ولقد رأى كثيرون فى الطريقة التى تتصرف بها الولايات المتحدة فى العراق، أو على نطاق أوسع فى ما سمته الحرب على الإرهاب، إرهاصات لصِدام بين الحضارات وتبريرا ممتازا يستعمله المتطرفون لتجنيد أتباع لهم. والأمثلة الصارخة على ذلك تبدو فى عمليات ترحيل المسجونين بواسطة الـ«CIA» ليتم تعذيبهم، والتى يطلق عليها «Rendition». وفى عمليات الاعتقال المهينة التى قامت بها فى سجون مثل جوانتانامو وأبو غريب، وكانت مشاهد الذل والإهانة اليومية التى تتناقلها قنوات التليفزيون عما يجرى فى العراق وفى أفغانستان، سببا فى تنامى الشعور بالمهانة عربيا وإسلاميا والقناعة بأن سياسات الولايات المتحدة تقوم على الاحتقار لحقوق الإنسان، والتفرقة الثقافية الصارخة، وتجاهل القواعد الدولية المعمول بها فى الحروب (مثل حماية المدنيين واستخدام القوة بغير تمييز).
فى الوقت نفسه، فإن ما كانت تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية فى العراق وأفغانستان نال من قيم الديمقراطية والحرية الأمريكية، وهى القيم التى تعرفت عليها بنفسى ولمستها وقدرتها خلال سنوات دراستى فى نيويورك، وبالتالى نالت من تقدير الشعوب العربية والإسلامية للدعوة الأمريكية لنشر الديمقراطية ونالت من مصداقية مواقف الولايات المتحدة الأمريكية فى احترام الكرامة الإنسانية. لقد روجت الولايات المتحدة وحلفاؤها للعنف وللفرقة الثقافية التى أعادت العالم إلى مراحل مبكرة من التاريخ الإنسانى.
لكننى بوصفى مديرا عامّا للوكالة الدولية للطاقة الذرية كنت أشعر بالقلق الشديد من تشويه صورة المنظمات الدولية بما فى ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتبعية. كنت أخشى أن ينظر إلى هذه المنظمات على أنها أصبحت أداة طيعة فى يد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، لكن أكثر ما كان يصعب علىّ قبوله هو تيقنى من أن الولايات المتحدة وحلفاءها القريبين لم يكن فى نيتهم أبدا أن يأخذوا نتائج التفتيش بجدية إلا إذا كان من شأنها أن تدعم الدعوة إلى تغيير النظام بالقوة المسلحة.
ومنذ مطلع التسعينيات كنت أدرك أن نظام حظر انتشار الأسلحة النووية قد دخل مرحلة جديدة تقوم على رغبة بعض الدول فى تطوير برامج تسلح نووى سرية لتحقيق مكتسبات سياسية وأمنية، وإمكان استخدام أساليب الخداع فى تحقيق ذلك، وما تعلمته من الحرب على العراق أن هذا الخداع المتعمد لم يكن بالضرورة مقصورا على دول صغيرة تحكم بصورة ديكتاتورية. وفى ظل هذه المتغيرات الجديدة فإن حيادية الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقدرتها على التزام المهنية والاستقلالية والتحقق من المعلومات وتوثيقها لأقصى درجة ممكنة أصبحت أكثر أهمية من أى وقت مضى.
تطرح علينا الحرب على العراق عددا من الأسئلة الصعبة، فإذا كان المجتمع الدولى يريد أن يعيش فى ظل حكم القانون فلا بد له من تحديد ما ينبغى عليه القيام به إذا ما قام البعض بخرق القانون الدولى بصورة تتسبب فى خسائر كبيرة فى الأرواح بين المدنيين وحول مَن ينبغى أن يتحمل مسؤولية شن حروب بالمخالفة لميثاق الأمم المتحدة خاصة عندما يثبت أن هذه الحرب شُنت على أساس معلومات خاطئة وانتقائية، بل وعلى أساس من تضخيم لهذه المعلومات غير الصحيحة.
وحسب ميثاق الأمم المتحدة فلا يحق لأى دولة أن تستخدم القوة ضد دولة أخرى إلا فى حال الدفاع عن النفس إذا ما تعرضت للهجوم، كما زعم البعض أنه يمكن القيام بالشىء نفسه وقائيا فى حال ما كان هناك خطر داهم محدق على دولة ما، خاصة فى عصر الأسلحة النووية. أما الرغبة فى تغيير الأنظمة فلا يمكن أن يعد سببا مشروعا لشن حرب من دولة ضد أخرى. وفى كل الأحوال فإنه عندما تُشَن الحروب فإن اتفاقية جنيف الرابعة واضحة فى تأكيدها على ضرورة حماية المدنيين، كما أن القانون الدولى الإنسانى يؤكد عدم جواز الاستخدام العشوائى للقوة.
وفى مقال نشره فى مجلة «نيوزويك» تحت عنوان «إشكالية الانشقاق» ثم قام بتطويره بعد ذلك فى كتاب تحت عنوان «حرب ضرورة وحرب اختيار»، يقول «ريتشارد هاس» إنه تناقش مع «رايس» فى يولية 2002 فى مسألة الاستعدادات الأمريكية للحرب على العراق، وإنه فى ذلك الحين قالت له «رايس» إنه لا داعى للنقاش مطولا لأن الرئيس «بوش» قد عقد العزم فى ما يخص العراق، وكان واضحا من إجابتها أنه قرر شن الحرب.
ولم يكن «هاس» الوحيد الذى أدلى بشهادة كتلك، فقد قام بذلك العديد من المصادر القريبة من دائرة صنع القرار بمن فيهم سفير بريطانيا لدى الولايات المتحدة الأمريكية «كريستوفر ماير» الذى قال إن قرار الحرب اتخذه «بوش» و«بلير» فى قمة جمعتهما فى كامب ديفيد فى عام 2002. كما أشارت تقارير أخرى إلى أن المحافظين الجدد كانوا ينادون بحسم بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر بإنزال العقاب على دولة عربية ومسلمة، وأن كثيرين اقترحوا أن تكون العراق الهدف لذلك وطبقا لتلك التقارير فإن حرب العراق كانت حربا مبنية على إيديولوجية خيالية تهدف إلى تحويل العراق إلى واحة للديمقراطية كنموذج يحتذى ويُغيّر من شكل الخريطة الجيو سياسية فى الشرق الأوسط.
ولم يُخفِ «بلير» و«بوش» أن تغيير النظام فى العراق كان من أهدافهما الرئيسية، بغض النظر عما ساقاه من مبررات لشن الحرب على العراق. وهناك الكثير من الشهادات التى تشير إلى تعاون بينهما فى التجهيز لذلك من خلال تضخيم ادعاءات حول برامج لأسلحة الدمار الشامل لم يكن لها وجود فى الواقع. وكان من اللافت أنه بعد الحرب وفى شهر سبتمبر 2003 اضطر نائب الرئيس الأمريكى (تشينى) إلى الاعتراف بأنه أساء الحديث قبل الحرب، وبأن أمريكا لم يكن لديها أبدا دليل على امتلاك صدام حسين لأسلحة نووية.
لقد أدلى «بوش» و«بلير» بتصريحات لم يكن لها أساس من الصحة بما فى ذلك المعلومات المضللة حول استيراد العراق لشحنات من اليورانيوم عالى التخصيب من النيجر، وحديث «بلير» على أن العراق بحوزته أسلحة كيميائية يمكن تفعيلها للهجوم فى خلال 45 دقيقة، وفى ذلك لم يعبأ أى من الاثنين كثيرا بالأرواح التى أُزهقت جراء هذه الحرب والتى كانا يشيران إليها بأنها عمليات قتل غير مقصود مما يقع فى أثناء العمليات العسكرية.
ويبقى السؤال حول ما يجب فعله، هل يجب على الأمم المتحدة أن تطلب الرأى القانونى من محكمة العدل الدولية حول مدى قانونية الحرب على العراق، وإذا ما جاءت الفتوى بأن الحرب غير قانونية، وكذلك إذا ما أخذ فى الاعتبار مئات الآلاف الذين أزهقت أرواحهم فى تلك الحرب، فى هذه الحالة ألا يجب على المحكمة الجنائية الدولية أن تحقق فى ما إذا كان ما حدث يمثل جريمة حرب وأن المتسبب فيها يجب توقيفه ومحاكمته؟ وهل يمكن للعراق أن تطالب بالتعويض عن الأضرار التى لحقت بها بالمخالفة للقانون الدولى ومن جراء حرب شُنت على أساس معلومات غير صحيحة؟
إننا إذا ما أردنا أن نعيش فى عالم يحكمه القانون فلا يمكن أن نقصر المقاضاة على جرائم الحرب على الخاسرين أمثال «سلوبودان ميلوسوفيتش» أو عمر البشير اللذَيْن عاشا فى مناطق تعرضت للقمع لفترات طويلة، لأننا إذا ما أردنا أن تكون لقواعد القانون شرعية فيجب أن تطبق بالمساواة على الجميع، وإلا فإننا كمجتمع دولى سنكون مدانين بتطبيق معايير مزدوجة.
ويبقى سؤال أخير: هل لدينا كمجتمع دولى القدرة والشجاعة على اتخاذ التدابير اللازمة التى تحول أن لا تتكرر مأساة حرب العراق مرة أخرى أبدا؟
كوريا الشمالية: 2003 وما بعدها
عضو جديد فى النادى النووى
كان عام 2002 يقترب من نهايته، وبعد أقل من شهر من عودة مفتشى الأمم المتحدة إلى العراق، وجد العالَم نفسه مرة أخرى فى مواجهة الملف النووى لكوريا الشمالية.
ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا تبقى كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية فى مواجهات لا تنتهى. أحيانا تقترب هذه المواجهة من حافة الهاوية، وأحيانا أخرى تبتعد عنها ليعود الصراع عند الحافة مرة ثانية.. وهكذا. وملف التفاوض حول البرنامج النووى الكورى يتأرجح بين الحركة والسكون بناء على مواقف تتخذها كوريا الشمالية أو الولايات المتحدة، بينما العالم يتابع دون أن يستطيع أن يؤثر كثيرا أو قليلا على تفاعلات هذه القضية النووية.
كانت الشعلة النووية قد انتقلت منذ فترة طويلة إلى «كيم جونج إيل»، ابن «كيم إيل سونج»، دون تغيير يُذكر. وكان الاتفاق الإطارى مع الولايات المتحدة يحدد خطوات معينة كمحاولة للتوصل إلى حل للتوترات القائمة، منها أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم مفاعلَيْن نوويَّيْن يعملان بالماء الخفيف مقابل تجميد كوريا الشمالية لعملياتها النووية المعروفة. غير أن شعورا بالإحباط كان يسود فى كوريا الشمالية بسبب تأخر الولايات المتحدة فى تسليم هذين المفاعلين. وكان الأمريكيون يشعرون كذلك بالإحباط لأن النظام لم يَنْهَر ولا هم عرفوا أكثر مما كانوا يعرفون عن الأنشطة النووية السابقة لكوريا الشمالية.
وبين هذا وذاك حاولت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قدر استطاعة مفتشيها الموجودين على الأرض فى «يونج بيون» التأكد من تجميد نشاط المنشآت النووية لكوريا الشمالية المحددة فى الاتفاق الإطارى، لكن دون أن يكون لدى الوكالة ومفتشيها القدرة على التحقق من أى أنشطة نووية أخرى قد تكون موجودة فى أماكن أخرى فى كوريا الشمالية.
وفى وقت من الأوقات لاحت فى الأفق احتمالات لتحسن العلاقة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث استَقبلت وزيرة الخارجية الأمريكية «مادلين أولبرايت» بحفاوة، قرب نهاية ولايتها، مبعوثا عن الزعيم الكورى الذى كان بدوره قد تقدم بالدعوة للرئيس الأمريكى لزيارة بلاده، بل إن «كيم جونج إيل» نفسه استقبل «أولبرايت» بحرارة بالغة خلال زيارتها لكوريا الشمالية. وبعد ذلك أبدى وزير الخارجية الجديد «كولين باول» نيته فى استمرار الحوار مع كوريا الشمالية، وأعلن عن ذلك بقوله إن إدارة الرئيس «جورج بوش» (الابن) «تنوى الاستمرار فى الحوار الذى بدأته إدارة الرئيس كلينتون مع بيونج يانج».
غير أن الرئيس «بوش» (الابن) كانت له رؤية أخرى، فأعلن لدى استقباله زعيم كوريا الجنوبية «كيم داى جونج» فى أعقاب حصول الأخير على جائزة نوبل للسلام لاتباعه سياسة الشمس المشرقة للحوار والتقارب مع كوريا الشمالية أن واشنطن غير راغبة فى الحوار مع النظام الكورى الشمالى. وبعد أشهر قليلة كان «بوش» (الابن) قد وضع كوريا الشمالية مع العراق وإيران فى ما وصفه بـ«محور الشر»، بل إنه وصف زعيم كوريا الشمالية بالطفل المدلل وبأنه قزم.
وبعد أشهر من ذلك الحديث، ظهرت علامات، ولو محدودة، لحدوث تحسن ما مع البدء فى بناء أحد المفاعلَيْن اللذَيْن كانت واشنطن وعدت بتقديمهما لـ«بيونج يانج» لإنشاء برنامج نووى سلمى، رغم تأخرها فى ذلك عدة سنوات. وفى أعقاب تلك الخطوة استقبلت «بيونج يانج» رئيس وزراء اليابان «يونيشيرو كيوزومى» فى ما وصف وقتها بأنه اختراق دبلوماسى. وفى خلال تلك الزيارة أعلن الزعيمان الكورى واليابانى عن اعتزام بلديهما تطبيع العلاقات فى ما بينهما.
ولكن حدث تحول مفاجئ جراء معلومات أدلى بها مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون شرق آسيا «جيم كيلى» فى تقرير أعده لواشنطن بناء على لقاءات أجراها مع كبار المسؤولين فى كوريا الشمالية. وحتى يومنا هذا لم يتكشف الكثير مما جاء فى هذه اللقاءات، ولكن يبدو أن «كيلى» قد وجه خلالها اتهاما لكوريا الشمالية بإدارة برنامج سرى لتخصيب اليورانيوم. وحسب ما نقله «كيلى» إلى واشنطن فإن ما أثاره حول البرنامج السرى الكورى لتخصيب اليورانيوم قد قوبل بإقرار من الجانب الكورى، غير أن ذلك تم دون أن تظهر تفاصيل فى ذلك الوقت حول طبيعة هذا البرنامج أو مداه.
وطالبت الولايات المتحدة الأمريكية بالتفتيش على البرنامج المذكور، وهو الأمر الذى تسرب للصحافة مصحوبا باتهامات لكوريا الشمالية بخرق الاتفاق الإطارى القائم بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية لإيقاف برنامجها النووى مقابل حصولها على مفاعلَيْن نوويين للأغراض السلمية. وبدلا من أن تسعى للحصول على المزيد من المعلومات حول برنامج التخصيب السرى ومعالجتها فى نطاق الاتفاق الإطارى، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية تأثيرها على «كيدو» وهى منظمة كان قد تم إنشاؤها من قِبل واشنطن وسيول وطوكيو لتنفيذ الاتفاق الإطارى لوقف عمليات شحن الوقود النفطى الثقيل إلى كوريا الشمالية. وبالفعل تم وقف مفاجئ لهذه الشحنات التى كانت بيونج يانج تعتمد عليها كثيرا فى توليد الطاقة.
وجاء الرد عنيفا من كوريا الشمالية التى أعلنت انتهاء العمل بالاتفاق الإطارى مع الولايات المتحدة الأمريكية، لوقفها شحنات الوقود. كما أعلنت بيونج يانج اعتزامها إعادة العمل بمفاعل يونج بيون، بل إنها هددت بطرد مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية واستئناف نشاط نووى متقدم وصولا إلى الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ولم يكن الأمر مجرد تهديد، بل شرعت بالفعل كوريا الشمالية فى مطالبة مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية برفع الأختام وأجهزة الاستطلاع عن منشآت يونج بيون.
وقد أجرينا اتصالات عديدة مع المسؤولين فى كوريا الشمالية لمحاولة إقناعهم بمراجعة موقفهم. كان ذلك فى عطلة أعياد الميلاد، وكنت أتابع الأمر من فندق كنت أقضى فيه عطلة نهاية العام مع أفراد أسرتى فى أحد منتجعات سريلانكا. وأتذكر أننى أدليت بحديث لقناة «سى إن إن» الإخبارية الأمريكية حول هذا الشأن من غرفتى بالفندق، معتمدا على ترتيبات قام بها ابنى مصطفى. فى الوقت نفسه كنت على اتصال دائم بأعضاء مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى فيينا. وقد حاولت مع زملائى فى فيينا إبداء كل ما يمكن من حجج لإثناء بيونج يانج عن القيام بأى تصرف متسرع.
فى السادس والعشرين من ديسمبر أدليت ببيان أدنت فيه الخطوات التى اتبعتها كوريا الشمالية، معتبرا هذه الخطوات مدعاة للقلق من انتشار التسلح النووى، بل إننى ذهبت إلى أبعد من ذلك واتهمت كوريا الشمالية باتباع سياسة حافة الهاوية فى ما يتعلق بالانتشار النووى. لكن كل ذلك لم يؤثر فى قرار كوريا الشمالية التى أصر المدير العام لإدارتها للطاقة النووية على أن تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بسحب مفتشيها فورا، وهو ما اضطرنا للامتثال له.
وفى اجتماع عاجل لمجلس المحافظين تمت إدانة قرارات ومواقف كوريا الشمالية، ومطالبتها بإعادة العمل بالتدابير المقررة من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبعد هذا الاجتماع بأربعة أيام أعلنت كوريا الشمالية انسحابها من معاهدة حظر انتشار السلاح النووى، وقام فنيون كوريون بإيقاف عمل كل أجهزة المراقبة التى كانت الوكالة قد قامت بوضعها ثم تبع ذلك إصلاحات أجراها الفنيون من قِبل كوريا الشمالية لإعادة تشغيل المفاعل، حيث بدؤوا بنقل قضبان الوقود إلى المفاعل، واتخذوا عدة خطوات للبدء فى إعادة معالجة الوقود المستنفد.
وقمت بمطالبة بيونج يانج بصورة علنية بالعودة عن هذا القرار، معربا عن اعتقادى بأن الخطوات التى تتخذها لا تسهم فى تحقيق السلام والاستقرار فى شبه الجزيرة الكورية. وعُقدت بعد ذلك لقاءات على المستوى الوزارى بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية للبحث عن مخرج دبلوماسى من هذه الأزمة. على أنه كان من الواضح أن الضرر قد وقع فعلا، على الأقل فى المدى القصير.
وكان الفريق المتشدد من المحافظين الجدد فى واشنطن يشعر بالارتياح لما حدث لأنهم كانوا يرون أن مجرد الحوار مع النظام الحاكم فى كوريا الشمالية هو أمر لا يمكن القبول به، بل إنهم كانوا يرون فى الاتفاق الإطارى الخاص بوقف النشاط النووى لكوريا الشمالية مقابل حصول بيونج يانج على مفاعلَيْن للأغراض السلمية هو بمثابة مكافأة لكوريا الشمالية عما قامت به من خرق لتعهداتها المقررة فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ومع أنه يمكن القول بالفعل إن هذا الاتفاق كان يتضمن الكثير من النقائص، إلا أن البديل عنه كان أسوأ بكثير من الاتفاق نفسه.
وبطبيعة الأمور قام مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإحالة الأمر إلى مجلس الأمن، ولكن المجلس لم يتخذ أى إجراء، حيث كان المجلس مشغولا حينئذ، كبقية العالم، بالكارثة التى كانت فصولها تتداعى فى العراق. لكن السبب الحقيقى فى ذلك كان موقف الصين، التى لها حق الفيتو والتى كانت تصر على أن حل ملف كوريا الشمالية وغيره من الملفات المماثلة يتطلب الحوار والتفاوض وليس المواجهة. وفى إبريل من عام 2003 استضافت الصين مباحثات مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية، فى محاولة للجوء إلى الدبلوماسية وراء الأبواب المغلقة، لكن هذه المباحثات لم تُحرز سوى تقدم محدود، أعقبها إبداء المطالب والاتهامات العلنية ورفض العروض.
وبعد تلك المباحثات بفترة قصيرة أعلنت كوريا الشمالية تخليها عن آخر تعهداتها فى ما يخص منع انتشار الأسلحة النووية، وهو اتفاق بينها وبين جارتها الجنوبية لإبقاء شبه الجزيرة الكورية خالية من الأسلحة النووية وهو الاتفاق الذى كان قد تم توقيعه بين الكوريتين فى 1992. ولكن ذلك لم يَحُل دون استمرار الصين فى جهودها الهادفة للتوصل إلى حل تفاوضى للأزمة فى كوريا الشمالية، فدعت للمفاوضات السداسية، وهى سلسلة ممتدة من المفاوضات تجمع كوريا الشمالية والصين وكلا من الولايات المتحدة واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية.
ولم يكن للوكالة الدولية للطاقة الذرية أى دور فى المحادثات السداسية. والواقع أن السنوات التى أعقبت خروج كوريا الشمالية من معاهدة حظر الانتشار فى 2003، كانت، من الناحية العملية، معتمة تماما من وجهة نظر الوكالة، حيث لم تصلنا أى معلومات عما يجرى ولم يكن لدينا أى وجود فى كوريا الشمالية

الخميس، 27 سبتمبر 2012

الحمار يحمل الصنم ..

سار حمار ذات مرة في طريق إحدى المدن ، يحمل صنماً مشهوراً من خشب ليوضع في أحد معابد المدينة ، فكان إذا مر على جماعة ورأوه خروا سجداً للصنم . فحسب الحمار أنهم يُطأطئون رءوسهم تحية له وإجلالاً ، فدخله الغرور والكِبر ، وامتنع أن يواصل السير .
ورآه سائقه وهو يتلكأ ، فهوى على ظهره بالسوط ، وقال : عجباً لك أيها الأحمق العنيد ، تظن أن الأمر قد وصل إلى أن يعبد الناس حماراً .
...............

* من وضع نفسه في غير المنزلة التي يستحقها ، استحق ما يقع به من

الاحتقار والهوان *





من كتاب القصص الحكيم للفيلسوف إيسوب

 ترجمة
مصطفى السقا .....سعيد جودة السحار
أول طبعة عام 1947

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

د. محمد البرادعى يكتب: سنوات الخداع (8) | الموجز

د. محمد البرادعى يكتب: سنوات الخداع (8) | الموجز

د. محمد البرادعى يكتب: سنوات الخداع (8)

 Sun, 09/23/2012 - 10:14

http://almogaz.com/user/85/edit
فى هذه الساعات المبكرة من يوم الإثنين 17 مارس كان هناك خلاف فى الرأى حول ما إذا كان علينا سحب المفتشين فورًا أم لا، فبينما كان «بليكس» يريد سرعة سحب المفتشين التابعين له لضمان أمنهم، كنت أرى أنه لا ينبغى لنا أن نسارع بذلك لمجرد أن الولايات المتحدة أخبرتنا بذلك. وكان «أنان» يريد أيضًا التأجيل حتى الصباح بما يسمح بإجراء نقاش مع رئيس مجلس الأمن فى ذلك الوقت ومع وزير الخارجية الأمريكى «باول».
وفى هذه الليلة وبعد أن أنهيت مكالمتى وجافانى النوم تحدثت طويلًا مع زوجتى عايدة التى كانت دومًا مصدر نصح ومؤازرة لى. وتطرق حديثنا لما هو قادم وكيف ستتطور الأمور مع وقوع الغزو والمدة التى قد تستغرقها الحرب وما يمكن أن يقع من ضحايا. ورغم أننى كنت أعلم أنه لم يكن هناك فى وسعى المزيد الذى أستطيع القيام به لمنع هذه الحرب إلا أننى كنت أشعر بأسى بالغ للدمار والقتل الذى كنت أراه قادمًا باتجاه العراق وبدون مبرر.
والحقيقة أنه خلال عملية التفتيش كثيرًا ما تساءلت عن السبب الذى لا يجعل العراق أكثر شفافية وسرعة فى التعاون مع المفتشين، ولم أكن واثقًا من الإجابة وما إذا كان الأمر يتعلق بشعور العراق أن تقديم المزيد قد ينال من كرامة العراق فى مجتمع ينظر باهتمام كبير للاعتداد بالنفس، بما كان يمكن أن يجعل المزيد من التعاون يبدو وكأنه إهانة للعراقيين على يد المفتشين، أم أن العراقيين كانوا لا يزالون يتشككون فى أن عمليات التفتيش ما هى إلا ستار لجمع المعلومات تمهيدًا للحرب، أم أنهم كانوا يعتقدون أن الحقيقة ستكون واضحة بالضرورة للمفتشين لأنه ليس لدى العراق أسلحة دمار شامل بالفعل.
وفى كل الأحوال كان واضحًا أن هناك كثيرًا من العراقيين ممن لديهم إدراك أن الولايات المتحدة مُصرّة على النَّيل من صدام حسين وأن الحرب كانت حتمية فى كل حال.
وفى صباح الإثنين، أى عقب ساعات من تلك المكالمات، عدت أنا و«بليكس» و«أنان» للتواصل عبر الهاتف معًا، واتفق ثلاثتنا على أن يقوم «أنان» بإخطار مجلس الأمن بأنه سيتم سحب المفتشين حرصًا على سلامتهم، وكانت إجابة المجلس أنه «أخذ علمًا» بهذا القرار. وبالطبع فإن بعض أعضاء المجلس مثل روسيا وسوريا، فى ذلك الوقت، لم يشعروا بالرضا عن هذا القرار، ولكنهم رأوا أنه من غير المجدى أن يتم تعريض حياة المفتشين للخطر بلا طائل، وبدورى فقد قررت سحب مفتشى الوكالة، لأن سحب مفتشى «الأنموفيك»، الذين كانت الوكالة تعتمد على التسهيلات اللوجيستية التى يقدمونها لمفتشيها كان سيجعل بقاء مفتشى الوكالة فى العراق غير ذى جدوى.
وبالمصادفة فإن هذا اليوم شهد واحدًا من خمسة اجتماعات اعتيادية يعقدها مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية سنويًّا، وقد أشاد العديد من الدول أعضاء مجلس المحافظين، بما فى ذلك جنوب إفريقيا واليابان وفرنسا وألمانيا والبرازيل، خلال تلك الجلسة بالعمل الذى قامت به الوكالة فى العراق.
وكان من أهم ما قيل فى ذلك اليوم كلمة سفير جنوب إفريقيا «عبدول منتى» الذى أعرب عن الأسى لحرب قادمة لا يعرف أحد مدى تداعياتها، ولكن أيضًا لما تعنيه هذه الحرب من تجاهل لدور الأمم المتحدة وأثر ذلك على إدارة العلاقات الدولية فى المستقبل.
وبالمقابل، وفى مفارقة صارخة، فإن سفير الولايات المتحدة الأمريكية لم يأت فى بيانه على الإطلاق على ذكر العراق. وكذلك فعل نظيره البريطانى. وكان معظم الحاضرين مشغولين بمتابعة الاستعدادات الجارية للحرب.
وعندما حان دورى لإلقاء كلمتى أمام المجلس اختتمتها بعبارة مقتبسة عن «آدلاى ستيفنسن» الذى قال فى 1952: «إن الشر لا يكمن فى الذرة ولكن فى نفوس بعض البشر».
ومن الناحية الفعلية، فإن مسؤولية الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تنتهِ مع بدء الحرب، وبالتالى فقد كنا نشعر بالقلق على سلامة المواد النووية التى كانت لا تزال فى العراق تحت أختام الوكالة. وكان من أسباب قلقنا ما يصل إلينا من معلومات عبر مصادر عراقية عن عمليات سلب لمناطق تقع فيها مواقع تخزين هذه المواد النووية. فعلى سبيل المثال كانت هناك تقارير من موقع «التويثة» تفيد أن بعض الحاويات المعدنية التى كان بها مواد مشعة كان يتم تفريغها واستخدامها لنقل مياه الشرب وغسيل الملابس وغير ذلك من الاستخدامات الإنسانية، وهو ما كان يعنى أخطارًا بالغة على صحة هؤلاء الذين يستخدمون هذه الحاويات الفارغة، وقيل لنا كذلك إنه تم إطلاق حشرة الدودة الحلزونية غير المشعة من المختبرات، الأمر الذى يشكل خطورة صحية بالغة للبشر والماشية. ولم يكن الأمر يقتصر على ذلك لأن موقع «التويثة» شأنه شأن غيره من المواقع النووية، كان به كثير من المواد الخطرة التى يمكن أن يتسبب وصولها إلى أيدى مدنيين غير مدربين، أو أيدى مسلحين متطرفين قد تكون لديهم الرغبة فى الحصول على «قنبلة قذرة» أو فى بيع تلك المواد فى السوق السوداء، فى إحداث حالة من الفزع. لم نكن نعرف بالضبط حقيقة ما يحدث وكان ذلك من أكبر دواعى قلقنا.
وعلى هذا بدأت فى التأكيد، من خلال مقابلات ومقالات صحفية، على ضرورة عودة مفتشى الوكالة للعراق، وقد أصدرت فى 11 إبريل بيانًا صحفيًّا ذكرت فيه أننى كتبت إلى الأمريكيين بشأن أمن وحماية موقع «التويثة» ماديًّا وأننى تلقيت منهم تطمينات شفوية فى هذا الشأن.
كما أكدت كثيرًا ضرورة الاعتماد فى هذا الشأن على خبرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خاصة بعد أن أفادت وكالة «أسوشييتد برس» بأن مجموعة من جنود المارينز الأمريكيين قد دخلوا موقع «التويثة» وعثروا على مواد نووية ظنوا أنها دليل على امتلاك العراق لبرنامج تسلح نووى، بينما كان ما قاموا به فى الواقع هو كسر عبوات من المواد النووية كانت الوكالة قد قامت بتحريزها فى ذلك الموقع، ولكن الحقيقة أن هؤلاء الجنود لم يكن لديهم علم بما كانوا يقومون به أو بحقيقة ما وجدوه بين أيديهم.
وأكدت كذلك فى مقابلة مع «سى إن إن» فى 27 إبريل أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هى وحدها المخولة قانونًا والتى لديها الخبرة الميدانية للتعامل مع الوضع على الأرض فى العراق من حيث القيام بالتفتيش على نحو سليم، وقلت فى تلك المقابلة: «لقد أمضينا فى العراق عشر سنوات، ونحن نعرف الناس ونعرف المنشآت والبنية التحتية والوثائق، ونعلم أين يجب أن نذهب وما الذى علينا أن نفعله، ولا أدرى لماذا يجب علينا أن نعيد اختراع العجلة». كما أشرت أيضًا إلى أن المصداقية التى يتمتع بها الموظفون الدوليون أعلى بكثير من تلك المتاحة لغيرهم.
وفى ذلك اليوم اتصل «كِن بريل»، السفير الأمريكى بـ«ديفيد وولر»، وهو أكبر الموظفين الأمريكيين درجة فى الوكالة، ليخبره بغضب واشنطن من حديثى الذى وجده مخالفًا لحدود مسؤولياتى الفنية. وبعد فترة التقيت «بريل» وأخبرته بأسفى من تلك الملاحظة، التى أبداها فقال إنه ينبغى علىّ أن لا أقدم النصح لأمريكا والائتلاف فرددت عليه قائلًا إن ما أصرح به هو أمر واقع فى صميم اختصاصى وعملى، وسأمضى قدمًا فى إبلاغهم برأيى.
وفى نهاية شهر إبريل تناولت إفطارًا مع مساعد وزير الخارجية الأمريكى «جون وولف» ومع «بريل»، وأخبرنى كلاهما بأن الخارجية الأمريكية لم تعد متابعة لتفاصيل ما يدور فى العراق، وأن الأمر الآن يدار من قِبل وزارة الدفاع الأمريكية، ونصحانى بأن لا أصر على المطالبة بعودة مفتشى الوكالة للعراق تفاديًا لإجابة لن ترضينى، حسبما قالا.
فما كان منى إلا أن أخبرتهما بأنه، على العكس منهما، فإننى ليس لدىّ أى أجندة سياسية، وإننى أتصرف من موقعى كمدير عام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفى ضوء ذلك فإن مسؤوليتى تحتم علىّ إطلاع العالم على الحقيقة وتقييمها فنيًّا بناء على معلومات موثقة دون اتجاه سياسى. كما أكدت لهما أنه فى حال السماح لمفتشى الوكالة بالعودة للعمل فى العراق فإنها ستقوم بعملها بكل حيادية وشفافية كما هو الحال دائمًا.
وبعد هذا الحديث بفترة وجيزة وجهت رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية مطالبًا بعودة المفتشين إلى العراق، ولكننى لم أحصل على رد. وبعد ذلك، وفى 12 مايو، التقيت «جاك سترو» فى لندن وأعدت التأكيد على ضرورة عودة المفتشين إلى العراق. وفى ذلك الوقت كان هناك الكثير من التغطية الصحفية للأخطار التى يتعرض لها البشر والبيئة فى العراق جراء عدم تأمين مواقع نووية، وهو ما دفعنى لأن أخبر «سترو» بأن ترك الأمر على ما هو عليه يعد بمثابة رسالة من أمريكا وحلفائها أنهم لا يأبهون لحياة العراقيين.
واتفق معى «سترو» فى الرأى بضرورة عودة مفتشى الوكالة للعراق خاصة لموقع «التويثة»، ولكنه أخبرنى بأن هناك انقسامًا فى الرأى فى واشنطن على هذا الأمر. ووعد «سترو» بالحديث مع «باول» فى ذات اليوم لإثارة هذا الأمر، كما قال إنه سيطلب من أحد مساعديه رفع الأمر إلى «بلير» حتى يثيره فى حديث كان من المقرر أن يجرى فى وقت لاحق من اليوم مع «بوش». وفى ذلك الوقت كان يتم التفاوض حول قرار جديد لمجلس الأمن يهدف لرفع بعض العقوبات عن العراق، وإنهاء العمل ببرنامج النفط مقابل الغذاء، ومنح التحالف صفة قانونية تتعلق بحفظ السلم فى العراق. ولكننى علمت فى ما بعد أنه لم يتم تضمين القرار النص على عودة مفتشى الوكالة إلى العراق، لأن بريطانيا لم تتمكن من الحصول على موافقة أمريكية فى هذا الشأن.
وبعد الكثير من الشد والجذب، تمكنا من الحصول على موافقة قوات التحالف على عودة المفتشين للتيقن من تأمين قائمة المواد والمعدات الموجودة فى «التويثة» على أن يتم ذلك بدعم لوجيستى من التحالف، ولكن مهمتنا تلك كانت محددة بشدة ولم تشمل تفقُّد الأضرار التى كانت قد لحقت بصحة البشر والبيئة، كما أنها لم تشمل أيضًا استئناف العمل للانتهاء من مهمة التفتيش فى العراق بما يسمح بغلق هذا الملف نهائيًّا. وفى كل الأحوال فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف فى ذلك الوقت بإنشاء آلية أطلقوا عليها اسم «مجموعة المسح فى العراق».
وكانت مهمة هذه المجموعة حسب التوصيف المقدم هى البحث عن أسلحة الدمار الشامل «المفقودة» فى العراق. كانت واشنطن ولندن تريدان التأكيد على أن العراق كان لديه أسلحة للدمار الشامل بالرغم من قول الوكالة الدولية للطاقة الذرية و«الأنموفيك» بغير ذلك، لأن هذه الأسلحة كانت المبرر الذى استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لتبرير الغزو.
وكانت مهمة هذه المجموعة المكونة من أكثر من ألف خبير من أمريكا وبريطانيا وأستراليا تقديم تقارير مباشرة إلى «دونالد رامسفيلد» وزير الدفاع الأمريكى. وكان «ديفيد كاى» قد عاد ثانية، بعد أن كان قد ترك الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى مطلع التسعينيات، ليكون فى هذه المرة رئيسًا لهذه المجموعة. وكان «كاى» قد عمل فى السنوات الفاصلة فى معهد اليورانيوم، أحد المعاهد الدولية المعنية بالطاقة النووية. ولكن عمله هذا لم يستمر لفترة طويلة فى ضوء عدم ارتياح المعهد لتصريحاته المضادة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتى كانت تنال من مصداقية المعهد وقدرته على التعاون مع المعاهد والجهات الدولية الأخرى المعنية بالطاقة النووية.
وكان أول ظهور لـ«كاى» قبل الحرب على العراق من خلال وسائل الإعلام الأمريكية، حيث تمت استضافته بوصفه خبيرًا فى ما بتعلق ببرامج أسلحة الدمار الشامل العراقية، وحيث كان يؤكد بثقة أن العراق يخرق التزاماته الدولية بشأن التخلص من هذه الأسلحة.
ولكن فى 2004، وبعد أن تعثر الوصول إلى أى دليل، استقال «كاى» من مهمته الجديدة وتصرف بأمانة عندما أخبر مجلس النواب الأمريكى أنه «يبدو أننا كنا جميعًا على خطأ». وقد خلف «كاى» فى هذه المهمة أحد الأعضاء السابقين «للأنسكوم»، وهو «تشارلز دلفر»، الذى استمر فى العمل مع مجموعة المسح حتى مطلع 2005 عندما تم حل هذه المجموعة نهائيًّا دون الوصول إلى أى دليل يخالف ما كانت الوكالة و«الأنموفيك» قد توصلتا إليه من قبل، ولكن بعد أن أنفقت مجموعة المسح فى العراق عامين ونصف العام من العمل بكلفة 3 مليارات من الدولارات. ويمثل هذا المبلغ ما يقارب إجمالى ميزانية إنفاق الوكالة على عمليات التفتيش والتحقق من أحوال المنشآت والمواد النووية فى العالم لمدة 25 عامًا.
ومع مرور الزمن تفاقمت المآسى التى أسفرت عنها الحرب، ومن تلك الكوارث تلك التى لحقت بموظفى الأمم المتحدة فى مقر إقامتهم بفندق القنال ببغداد وهو ذاته الفندق الذى كان المفتشون يقيمون فيه قبل ذلك، ففى 14 أغسطس من عام 2003، اقتحم انتحارى الفندق بشاحنة مفخخة مما أودى بحياة أكثر من 20 شخصًا، بمن فيهم «سيرجيو فييرا ديميلو» الذى كان يشغل منصب مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والذى كان يتمتع بقدرات دبلوماسية رفيعة وشخصية كاريزمية وقدرة على الإنجاز مما جعل الكثيرين ينظرون إليه على أنه الخليفة المحتمل لـ«كوفى أنان» كأمين عام للأمم المتحدة.
ولقد تألمت جدًّا لهذا الحادث الذى كنت أعرف الكثيرين ممن راحوا ضحية له بما فى ذلك «ديميلو» نفسه، ولكننى أيضًا تألمت للأذى الذى لحق بصورة الأمم المتحدة والتى طالما ارتبطت بالحياد، ذلك الحياد الذى جعل موظفى الأمم المتحدة عادة فى مأمن من التعرض للأذى، ولكن تلك الصورة يبدو أنها قد ذهبت عن الأمم المتحدة فى العراق ما بعد الحرب، حيث كان يُنظر إليها على أنها جزء من قوة للاحتلال أو رهينة لإرادة دول الاحتلال فى العراق.
ولم تكن الحادثة وحيدة، ولكن تلتها حادثة أخرى كانت لها أيضًا ضحايا من العراقيين ومن الموظفين الدوليين، وهو ما حدا بالأمم المتحدة وبمنظمات دولية لسحب موظفيها من العراق. وحذت حذوها منظمات أخرى معنية بالمساعدات الإنسانية. وفى ذلك الوقت أكدت كثيرًا على ضرورة العمل على استعادة الصور المحايدة للأمم المتحدة ووكالاتها.
وفى أواخر أكتوبر 2004، وتقريبًا مع عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ثارت ضجة جديدة عندما خاطبت وزارة العلوم والتكنولوجيا العراقية الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتبلغنا بأن موادَّ كيميائية شديدة التفجير، يمكن استخدامها فى تطوير سلاح نووى، قد تم الاستيلاء عليها من موقع «القعقاعة» الذى كان تحت إشراف الوكالة فى السابق.
وعندئذ قررت أن أخبر الولايات المتحدة الأمريكية وبعدها مجلس الأمن، وفى الوقت نفسه كانت الأنباء قد تسربت من العراق وأصبحت محل اهتمام من الإعلام الأمريكى، وهو ما تسبب فى ضجة فى واشنطن تم اتهامى خلالها بأننى أحاول التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة الأمريكية، كما لو أننى من قرر اكتشاف اختفاء هذه المواد فى ذلك التوقيت.
وفى ذلك الوقت كتب «ويليام سافيير»، أحد المعلقين الأمريكيين المتشددين، ليشير إلى أن إطلاعى مجلس الأمن على الأمر كان بمثابة محاولة للتأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية مثلى فى ذلك مثل المحاولة التى قام بها «بن لادن» من خلال تسجيل صوتى.
كنت حينئذ فى نيويورك للمشاركة فى أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتلقيت مكالمة من «باول» الذى قال إنه يحدثنى كصديق وإنه بهذه الصفة ينصحنى بتوخى الحذر فى التعامل الإعلامى مع هذا الأمر بالنظر لحساسية موسم الانتخابات الرئاسية، وكان «سافيير» قد قال إننى أدفع بالتصويت لصالح السيناتور الديمقراطى «جون كيرى» مقابل «جورج دبليو بوش» الذى كان يسعى لإعادة انتخابه.
وبالفعل أخبرت «باول» بتطورات الأمر، وبأننى أدرك حساسية هذا التوقيت بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وأننى سعيت لإخبار الولايات المتحدة الأمريكية بالأمر أولًا على أمل أن تتمكن قوات التحالف من استعادة المواد المسروقة، ولكنه بما أن الأمر قد أثير من قِبل العراق وأن السفير البريطانى فى الأمم المتحدة اتصل بمكتب الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى نيويورك ليطّلع على ما جرى وبوصف أن المواد المسروقة من «القعقاعة» تقع ضمن مسؤولية الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد وجب إطلاع مجلس الأمن على الأمر. ثم لفت نظر «باول» إلى أن السؤال هنا يتعلق بقرار العراقيين الإفصاح عن هذه المشكلة فى هذا التوقيت، مشيرًا فى الوقت نفسه إلى أن العراق به الكثير من المنشآت والمواد النووية غير المؤمَّنة من جانب قوات التحالف.
وفى حديث لاحق مع القائم بالأعمال العراقى فى فيينا أخبرنى بأن قرار إطلاع الوكالة على سرقة المواد المتفجرة من «القعقاعة» تم التداول بشأنه فى العراق، وأن القرار اتخذ بإطلاع الوكالة من قِبل وزير العلوم والتكنولوجيا العراقى الدكتور رشاد عمر بالرغم من أن المستشار السياسى للسفارة الأمريكية فى بغداد أخبر العراقيين بأن ذلك ليس ضروريًّا لأن مسؤولية الوكالة قد انتهت فى العراق. وسيظل التوقيت الذى اختار فيه العراق قرار الإعلان عن هذا الأمر عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية ومدى ارتباط هذا التوقيت بالانتخابات من الأسئلة المثيرة للاهتمام.
وأخبرنى «ديفيد سنجر»، أحد كبار المحررين فى «النيويورك تايمز»، بأن «كارل روف» كبير مستشارى «بوش» مقتنع بأننى مَن يقف وراء الإعلان عن اختفاء المواد المتفجرة من «القعقاعة» فى ذلك التوقيت. وكان «روف» قد شعر باستياء أيضًا إزاء محاضرة ألقيتها، بعد أيام من الانتخابات الأمريكية، أمام جامعة ستانفورد الأمريكية. وكان الغرض من هذه الكلمة استخلاص الدروس المستفادة من تداعيات الوضع فى العراق وإبراز أهمية العمل الجماعى من خلال المؤسسات متعددة الأطراف. وأكدت فى هذه المحاضرة أن عمليات التفتيش كانت تحقق نتائج فى العراق، وأنه لا يمكن تبرير الحرب الاستباقية فى ضوء ميثاق الأمم المتحدة خاصة أن انقسام المجتمع الدولى حول قضايا الأمن والسلم لا يخدم أحدًا على الإطلاق. كما أشرت إلى أن دول التحالف قد خسرت الكثير من المصداقية بسبب تلك الحرب التى شُنت دون تفويض من مجلس الأمن، بل إن الأمم المتحدة قد فقدت جانبًا من مصداقيتها باعتبارها الجهة التى تمثل الشرعية الدولية فى العمل فى العراق، وأنه أصبح ينظر إليها، ولا سيما بين العراقيين، باعتبارها تابعة لقوات التحالف وليس كهيئة مستقلة ومحايدة، وإن كان الخاسر الأكبر فى نظرى يبقى هو الشعب العراقى الذى عانى لسنوات طويلة من ديكتاتورية قاسية وعقوبات طاحنة، والذى ما زال عليه أن يعانى جراء الحرب التى جلبت الكثير من المآسى والتى أطلقت العنان للعنف ولاضطرابات أهلية.
ولم يكن فى ما قلته ما جاوز الحقيقة أو ما يخالف ما كان يتردد فى الدوائر الدبلوماسية ولكنه مثّل مع ذلك طرحًا علنيًّا غير مسبوق من مسؤول دولى حول سلامة موقف الحكومة الأمريكية إزاء الحرب على العراق، وهو ما أبرزته صحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» فى اليوم التالى للمحاضرة عندما عنونت تغطيتها للمحاضرة بالقول بأن «مفتش الأمم المتحدة على الأسلحة يوجه ضربة لإدارة بوش».

د. محمد البرادعي يكتب: سنوات الخداع.. الحلقة (7) | الموجز

د. محمد البرادعي يكتب: سنوات الخداع.. الحلقة (7) | الموجز

د. محمد البرادعي يكتب: سنوات الخداع.. الحلقة (7)

 Sat, 09/22/2012 - 10:25

http://almogaz.com/user/85/edit
فى الغداء الخاص، الذى استضافه الأمين العام للأمم المتحدة عقب جلسة مجلس الأمن تحدث وزير الخارجية الفرنسى «دومنيك دوفليبان» وهو دبلوماسى من الطراز الرفيع وقارئ متميز للتاريخ إلى «باول»، بينما بدا أنه نبوءة تحققت فى ما بعد حيث أخبره بأن الأمريكيين لا يفهمون العراق «أرض هارون الرشيد التى يمكن للأمريكيين أن يهدموها فى شهر، لكن إعادة بنائها وإحلال السلام فيها هى مهمة ستتطلب سنوات طويلة». ولقد أثار تعليق الوزير الفرنسى حفيظة «باول» الذى أجاب: «ومن الذى يتحدث عن استخدام القوة؟!»، وكان ذلك تعليقًا غريبًا بالنظر إلى أن كل ما قاله فى الجلسة التى انتهت لتوها لمجلس الأمن كان يفضى فى هذا الاتجاه.
وبعد الحرب على العراق بعام أو نحو ذلك نشرت صحيفة «النيويورك تايمز» تحقيقًا صحفيًّا أفاد بأن «باول» وقبل يومين من خطابه، تلقى معلومات من المخابرات الأمريكية تفيد بأن الأنابيب المستوردة من قِبل العراق تتطابق مواصفاتها مع الأنابيب المستخدمة فى تصنيع الصواريخ من قِبل مصانع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما لم يقله «باول»، الذى أصر على أن مواصفات هذه الأنابيب تتجاوز مواصفات الأنابيب التى تستخدمها المصانع الأمريكية لتصنيع الصواريخ.
أما فى ما يتعلق بالخمسمئة طن من اليورانيوم، التى تحدث «بوش» فى خطاب حالة الاتحاد عن تمكن بريطانيا من الحصول على معلومات تفيد بشراء صدام حسين لها فى نهاية التسعينيات وحتى 2001 من النيجر، فقد سعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية للحصول على الوثائق ذات الصلة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ولم تتم الاستجابة إلى المطالب المتكررة للوكالة فى هذا الصدد إلا صبيحة الخامس من فبراير يوم انعقاد جلسة مجلس الأمن. ولم تكن تلك الوثائق سوى مجموعة من الخطابات المتبادلة بين مسؤولين عراقيين ونظراء لهم من النيجر، وبعد ساعات قليلة من العمل من قبل «جاك بوت» وفريقه اتضح أن هذه الوثائق مزيفة وليست حقيقية. ومن ذلك أن خطابًا يفترض أنه موجه من رئيس النيجر «مامادو تنديا» كان مليئًا بالأخطاء وممهورًا بتوقيع واضح التزوير. كما أن خطابًا آخر كان يفترض أنه موجه من وزير خارجية النيجر فى أكتوبر 2000 حمل توقيع «اليلى حبيبو»، الذى كان قد ترك منصبه كوزير لخارجية النيجر منذ 1989.
وفى الحقيقة فإن فكرة الصفقة نفسها كانت عبثية لأن النيجر بوصفها واحدة من أكبر منتجى اليورانيوم فى العالم، كانت تبيع اليورانيوم إلى اليابان وفرنسا وإسبانيا، حيث تعتمد المفاعلات النووية لهذه البلدان بدرجة كبيرة، على ما تستورده من النيجر وهو ما كانت تخضع معه النيجر لمراقبة دقيقة لعمليات تصدير اليورانيوم سواء على المستوى المحلى أم على المستوى الدولى. وبالتالى فإن مجرد الحديث عن قيام النيجر بتصدير كميات من اليورانيوم الطبيعى (الكعكة الصفراء) بما يكفى لتصنيع مئة قنبلة نووية دون أن يدرى أحد بذلك كان محض عبث.
ولعل الأغرب من ذلك هو أن هذه الأمور لم تفطن لها المخابرات البريطانية أو الأمريكية، بينما اكتشفها أحد علماء الوكالة باستخدام محرك البحث «جوجل» والمنطق. وبمواجهة المسؤولين فى هذه الأجهزة من قبل «جاك بوت»، لم يقم أى واحد منهم بمعارضة ما خلص إليه خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفى الطائرة إلى نيويورك تشاورت مع «جاك بوت» و«لورا روكوود»، مساعدتى للشؤون القانونية، حول كيفية نقل ما خلصت إليه الوكالة إلى مجلس الأمن دون أن يكون فى ذلك إحراج قاسٍ لواشنطن ولندن. وفى النهاية توصلت إلى قرار بالقول إن الخطابات التى تم الاعتماد عليها لادعاء أن هناك صفقة يورانيوم بين النيجر والعراق «ليست حقيقية»، وكانت رسالتى واضحة: أن هذه الصفقة المزعومة والتى كانت أحد الأسباب الرئيسية لادعاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن العراق قد أعاد مرة أخرى بناء برنامجه للتسلح النووى كانت افتراءً مبنيًّا على عملية تزوير.
وبالفعل أبلغت مجلس الأمن بذلك، مشيرًا فى الوقت نفسه إلى المعلومات حول ملف أنابيب الألمنيوم، وهو ما أثار غضب الولايات المتحدة الأمريكية إلى الدرجة التى دفعت «باول»، وهو المعروف عنه احتفاظه دائمًا بالهدوء وحسن المعشر، إلى الرد على ما ذكرته قائلًا بنوع من الضيق فى صوته: «إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت غائبة بينما كان العراق فى سنة 1991 يقوم بتطوير أسلحة نووية».
وكان رد فعل وسائل الإعلام مؤسفًا حيث تجاهلت الصحف الأمريكية الرئيسية، بما فى ذلك «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال»، أهمية المعلومات المتعلقة بالخطابات المزورة التى بنى على أساسها القول بسعى العراق لشراء يورانيوم عالى التخصيب من النيجر، بل وإن هذه الصحف وصفت أمر هذه الصفقة بأنه غير أساسى بين دلائل تورط صدام حسين فى السعى لامتلاك أسلحة نووية، واتهمتنى «وول ستريت جورنال» «بإثارة ضجة غير مبررة حول أمر عديم الأهمية» فى ما يتعلق بدلائل سعى صدام حسين لتطوير أسلحة نووية. ولم تُعن أى من الصحيفتين بالإشارة إلى أنه قبل ذلك بشهرين كانت صفقة بيع النيجر لليورانيوم من الأهمية بالنسبة إلى رئيس الولايات المتحدة إلى حد إبرازها فى خطابه عن حالة الاتحاد. وقامت «النيويورك تايمز» بتغطية الموضوع على نحو مماثل. رغم أنها أوضحت التزوير بشكل أكثر تفصيلًا فى عددها التالى، لكنها نشرته فى صفحاتها الداخلية.
ولاقت الجهود الدبلوماسية أيضًا مصيرًا مشؤومًا كذلك. فعلى الجانب العربى فإن التحركات لم تكن أكثر إيجابية، حيث عُقدت قمة عربية قبيل الحرب على العراق فى شرم الشيخ فى 2 مارس 2003، لكنها تمخضت عن خلافات رخيصة وتلاسن بالأسماء، على الرغم من أن هذه القمة كان أمامها عدد من المقترحات الجادة للخروج من المأزق الخاص بالعراق، كإرسال وفد إلى العراق لإيجاد حل لتفادى الحرب. البعض كان يريد حث صدام حسين على الاستقالة. واقترح الشيخ زايد آل نهيان تقديم ملاذ آمن لصدام حسين لمساعدته فى الحصول على مخرج كريم، إلا أن هذا الطرح وغيره تم تجاهله. ولم يكن هذا غريبًا بالنظر إلى أن عددًا من القادة العرب كانوا يبغضون صدام حسين ويودون لو أن عملية غزو تقع لتخلصهم منه. ولم يتم وضع مقترح الشيخ زايد على جدول أعمال القمة. وفى النهاية تم إغفال أى فكرة حول إرسال وفد للعراق، ووقعت الحرب بتسهيلات عربية من عواصم كانت تمقت صدام حسين. بمثل هذه المشاعر، وبغير موقف موحد، لم يكن للقادة العرب أى دور أو تأثير فى حرب تشن فى قلب منطقتهم، اللهم إلا تقديم القواعد والتسهيلات فى بعض الحالات للقوات الأمريكية.
وفى بداية عمليات التفتيش التقيت الرئيس المصرى حسنى مبارك الذى كان باديًا أنه يبغض صدام حسين بصورة شخصية، حيث أخبرنى أن الرئيس العراقى خدعه أثناء حرب الخليج الأولى بعد أن قام بغزو الكويت على الرغم من التعهد الذى أبداه للرئيس المصرى بعدم القيام بذلك. وفى ذلك اللقاء أخبرت الرئيس المصرى عن نشاطات التفتيش الذى كنا نقوم به فى العراق، ثم وجهت دفة الحديث إلى جهة أخرى، حيث حثثته على أن يقود حملة للتحديث والاعتدال فى العالم العربى من خلال البدء بمصر، وقلت له: «لو أن مصر قامت بهذا فإنها ستلقى دعمًا كبيرًا سواء كان سياسيًا أم اقتصاديًا من كل جهة فى العالم».
وفى حديث لاحق طلبت من مبارك مرة أخرى أن يحث صدام حسين على بذل المزيد من التعاون مع فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة لتجنب احتمال حرب ضد العراق، وقد رد مبارك متهكمًا أنه تلقى رسالة من صدام حسين فى هذا الصدد يخبره فيها أنه ليست هناك مدعاة للقلق، وأن كل شىء سيكون على ما يرام، وكان واضحًا من لهجة مبارك أنه لا يصدق أى شىء يقوله له صدام بعد أن خدعه قبل غزو الكويت. وفى ذات الحديث أخبرنى مبارك أنه على علم أن «صدام حسين لديه أسلحة بيولوجية، وأنه يقوم بإخفائها فى المقابر». وكانت تلك أول وآخر مرة أسمع فيها هذه الشائعة.
لكن ينبغى القول أيضًا إن بعضًا من أهم وأقدر الساسة فى العالم مثل الرئيس الفرنسى «جاك شيراك» لم يتمكن من إثناء الرئيس الأمريكى «بوش» عن التعامل مع القضايا الدولية من منطلق عقيدة أن «مَن ليس معى فهو ضدى» التى كان الرئيس الأمريكى يعتنقها.
وفى أحد اللقاءات التى جرت بين «شيراك» و«بليكس» وبينى فى قصر الإليزيه الرئاسى بباريس أخبرناه بأننا لا نحصل على معلومات كافية من أجهزة المخابرات الغربية حول برامج أسلحة الدمار الشامل فى العراق، فما كان من «شيراك» إلا أن قال بكل صراحة: «هل تعلمون لماذا لا تحصلون على المعلومات منهم؟ السبب هو أنه ليس لديهم أية معلومات فى الأصل».
ولم يتردد «شيراك» أن يضيف فى ذات الجلسة، التى عقدت بحضور رئيس جهاز المخابرات الفرنسى الذى سبق أن أفضى إلى «بليكس» بأن جهازه لديه معلومات تفيد باحتفاظ العراق بكميات صغيرة من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية أن أجهزة المخابرات كثيرًا ما تصل إلى قرارات دون وجود أدلة كافية ثم تسعى بعد ذلك للحصول على الأدلة. كان رئيس جهاز المخابرات الفرنسى فى أثناء ذلك ينظر إلى الأرض.
وأضاف «شيراك» أن إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على تهديد مجلس الأمن لاستصدار قرار بالحرب على العراق وأن لا تفقد الأمم المتحدة دورها وأهميتها هو أمر عبثى لأنه لو قامت الولايات المتحدة الأمريكية بشن حرب على العراق دون تفويض من الأمم المتحدة فإنها هى وليست الأمم التى سينظر إليها كدولة خارجة على القانون.
وكان أمرا يدعو إلى السعادة أن أسمع «شيراك» يتحدث بمثل هذه الصراحة وبنفس تفكيرنا فى الوكالة. ومع الأسف فإن الموقف الفرنسى إزاء مسألة الحرب على العراق كان محل تهميش بل وازدراء فى أمريكا.
وبعد هذه المقابلة بفترة وجيزة، وفى مطلع فبراير، توجهت مع «بليكس» إلى لندن للقاء «تونى بلير» فى المكتب المتواضع لرئيس الوزراء البريطانى، وفى سابقة غير معتادة بالنسبة إلى بليكس ولى قرر «بلير» أن يعقد لقاءاته معنا كل على حدة.
وبعد لقائه مع «بليكس» خرج «بلير» من مكتبه وقد تخلى عن سترة بذلته، ثم دعانى للدخول ممازحًا بقوله: «الزائر التالى»، فى استدعاء لمشهد يقع فى عيادات أطباء الأسنان.
وفى خلال اللقاء أكدت على «بلير» أن شن حرب على العراق سيخلق توترًا شديدًا فى المنطقة بأكملها، وأن الرؤية فى المنطقة أن التركيز على العراق ليس بسبب أسلحة الدمار الشامل، وإنما بسبب كونها دولة عربية مسلمة، وبالتالى لا تستطيع مثل إسرائيل تملّك هذه الأسلحة، وأضفت شيئًا مما كان «شيراك» قد قاله وهو أن تلك الرغبة العارمة فى شن حرب على العراق ستتم مقارنته فى المنطقة بعدم وجود أى حراك سياسى إزاء تسوية النزاع الفلسطينى الإسرائيلى، كما أشرت إلى النقد الذى أسمعه فى كثير من أنحاء العالم عن الفارق فى التعامل مع ملف العراق وملف كوريا الشمالية. وأبدى «بلير» تفهمًا لما قلت خاصة ما يتعلق بالشأن الفلسطينى، وأكد لى أن «بوش» وعده أنه سيتحرك نحو تسوية هذا الأمر فور الانتهاء من «تسوية أمر العراق».
وفى لقاء مع «جاك سترو» وزير الخارجية البريطانى شرح لى منطق لندن والقائم على أن بريطانيا تقدم كل الدعم العلنى للولايات المتحدة الأمريكية بغية أن يكون لها القدرة على ممارسة التأثير على القرار الأمريكى فى الإطار غير المعلن. والحقيقة أننى لم أجد أى أثر لتأثير بريطانيا على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة حكم «بلير»، واقتصر الأمر حسبما رأيته على أن بريطانيا تقوم بالترويج للسياسات الأمريكية وتفسيرها وأحيانًا إبداء الاعتذار عنها.
وبينما لم يكن لدى أمريكا ولا بريطانيا ما يفيد بوجود سلاح نووى عراقى غير الادعاءات الخاصة بأنابيب الألمنيوم وفشل قصة شراء اليورانيوم من النيجر كان هناك إصرار من جانب عدد كبير من المسؤولين الأمريكيين على أن العراق لديه فى مكان ما كميات من الأسلحة البيولوجية والكيميائية. فى الوقت نفسه كان البعض فى واشنطن يتقدم باقتراحات، لم أكن أتصورها جادة، حول سبل حصول مفتشى الوكالة الدولية على معلومات عن البرنامج النووى العراقى، ومن ذلك ما اقترحه «جون وولف» مساعد وزير الخارجية الأمريكى من التحفظ على كل أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالعلماء العراقيين واستخراج أى معلومات قد تكون مخزنة عليها حول البرنامج النووى العراقى، أو ما اقترحه «توم لانتوس»، السياسى الديمقراطى البارز فى مجلس النواب الأمريكى، من أن نصحب العلماء العراقيين فى رحلة بحرية لمدة أسبوعين نحصل من خلالها على معلومات قيمة حول برنامج العراق النووى.
وفى كل مرة ازددت اقتناعا بصواب وجهة نظر «شيراك» بأن أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية لم يكن لديها معلومات دقيقة يمكن أن تثبت أن العراق لديه أسلحة دمار شامل حسب الاقتناع البريطانى والأمريكى. وفى واقع الأمر فإن المعلومات المقدمة من الولايات المتحدة وغيرها من أجهزة المخابرات إلى الوكالة الدولية والأنموفيك خلال تلك الفترة كانت قليلة جدًّا بالمقارنة بسيل المعلومات المقدم إلى الوكالة وإلى «الأنسكوم» فى التسعينيات.
وفى ضوء غياب المعلومات، فإن الآمال الأمريكية انعقدت على ما يمكن أن يدلى به العلماء العراقيون فى حال خروجهم عن رقابة الحكومة العراقية، وعلى هذا كان الإصرار الأمريكى على استجواب العلماء العراقيين خارج العراق، ولكن العلماء العراقيين بالطبع لم يفعلوا ذلك، بل أصروا على أن يكون استجوابهم فى العراق وبحضور مسؤول عراقى وبتسجيل يدون كل ما يقولون ليتفادوا أى سوء فهم لما يقوله أحدهم. لم يكن بوسعنا أن نجبرهم على مغادرة البلاد، ولم نكن حتى نرغب فى استجوابهم فى الخارج، على الرغم من السلطة المخولة لنا بمقتضى قرار مجلس الأمن «1444»، لما قد يكون لذلك من آثار عليهم وعلى أُسرهم من قِبل النظام.
وبالنسبة لنا كنا نثق فى قدرات وعمل مفتشينا على الأرض، وأن تلك القدرات فى ذاتها كافية للإفصاح عن حقيقة أسلحة الدمار الشامل العراقية إذا ما أتيحت لها المهلة الزمنية الكافية. كان مفتشو الوكالة يعرفون جيدًا قدرات العراق العلمية والتكنولوجية وتضاريسها المختلفة. وحتى بعد غياب السنوات الأربع لم يستغرق الأمر كثيرًا من الوقت ليسترجع مفتشو الوكالة معرفتهم بقدرات العراق النووية.
ومع ذلك تم تجاهل هذه القدرة ذات المصداقية. فقد قررت «القوى المؤتلفة»، التى أعلنت نفسها كذلك، أن تتجاهل خبراتنا. ورغم علم مفتشينا بالواقع على الأرض فإننا كنا نخسر المعركة الإعلامية فى الصحافة الغربية وإلى حد ما فى نظر الجمهور. فقد كانت البيانات الصادرة عن الوكالة وعن «أنموفيك» يتم تجاهلها، أو يشار إليها بصورة انتقائية، رغم أننا كنا أكثر من يعرف الحقيقة باعتبارنا عيون وآذان المجتمع الدولى.
وكانت الحرب تبدو حتمية بصرف النظر عن الحقائق، وكانت قوافل الجنود تتوافد على الخليج، وكان الوقت ينفد.
وفى 12 مارس تقدم «تونى بلير» و«جاك سترو» بمسودة قرار إلى مجلس الأمن فى محاولة يبدو أنها تهدف إلى منع الحرب. وقد تطلب المشروع أن يقوم صدام حسين بتسليم ما يعتقد الأمريكيون والبريطانيون أنه فى حوزته من المواد المستخدمة فى تطوير الأسلحة النووية والبيولوجية والكيمائية، وكذلك الصواريخ المحظورة، حتى يتفادى الحرب ويتمكن من البقاء فى منصبه رئيسًا للعراق، إضافة إلى السماح للعلماء العراقيين بالخضوع لاستجواب خارج العراق.
وقد منحت مسودة القرار العراق خمسة أيام للإذعان لمطالب ستة صاغتها أمريكا وبريطانيا، شملت، إضافة إلى ما سبق، اعترافًا علنيًّا من صدام حسين على الهواء بأنه يمتلك أسلحة للدمار الشامل، وأنه يلتزم بالتخلص من هذه الأسلحة.
ولم يتم تبنى هذا القرار من قِبل مجلس الأمن، وحتى لو تم ذلك فسيكون من المستحيل على صدام حسين الالتزام بما جاء فيه لأنه لم يكن بوسعه الاعتراف بملكية أسلحة دمار شامل لم تكن فى حوزته، كما لم يكن فى وسعه أن يسلم موادّ لم تكن فى حوزته لتصنيع أسلحة دمار شامل، بما فى ذلك الآنثراكس الذى كانت بريطانيا تعتقد أنه موجود لديه.
ويتعارض بشدة ما جاء فى هذا المشرع من إمكانية بقاء صدام حسين فى السلطة مع ما قال به تونى بلير فيما بعد من أن الإطاحة بنظام صدام حسين كان سببًا كافيًا لشن الحرب على العراق.
ومع حلول عطلة نهاية الأسبوع من 14 – 16 مارس كان البريطانيون يسعون حثيثًا لإيجاد مخرج دبلوماسى، ويتمثل فى جملة من الأنشطة التى يكون قيام صدام حسين بها دليلًا أو «موقفًا فارقًا» على أن العراق عازم على التعاون، واقترحت بدورى أن نقوم، «بليكس» وأنا، بزيارة لبغداد للحديث مع المسؤولين العراقيين حول هذا الأمر، وهو ما رحب به البريطانيون بشدة. وفى الوقت ذاته طالبت السعدى، بأن يتم ترتيب لزيارة تجمعنى أنا و«بليكس» مع صدام حسين، وبالفعل جاء خطاب الدعوة فى يوم السبت الخامس عشر من مارس، وعندما أُجريت اتصالات بالمسؤولين الفرنسيين والبريطانيين للحصول على تأييد لهذه الزيارة كقناة دبلوماسية للتعامل مع الأمر، قال البريطانيون إنه من الأفضل أن يأخذ الفرنسيون المبادرة فى هذا الأمر.
ولكن فرنسا وألمانيا لم تكونا متحمستين، بل كان لديهما الانطباع بأن قرار الحرب قد اتخذ بالفعل فى واشنطن، وبالتالى فقد كانتا تظنان أن فشل المهمة الدبلوماسية المطلوب منهما دعمها سيساعد فى توفير الأعذار لعمل عسكرى سيقع حتمًا. وكذلك ذكر لى «بليكس» أنه غير راغب فى القيام بهذه المهمة لأنه كان يشعر أنه قد فات أوانها.
كنا «بليكس» وأنا فريقًا جيدًا، وكنا نعمل بصورة طيبة معًا، وعلى الرغم من خلافاتنا التى كانت حادة فى بعض الأحيان، فإنها لم تكن تطفو على السطح.
ومن أكثر النقاط التى اختلفت مع «بليكس» حولها عدم توافقه مع رغبتى فى طلب مدة إضافية لمزيد من التفتيش للتأكد من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، ولعل السبب فى ذلك هو التباين بين مستوى المفتشين عن الأسلحة النووية الذين كنت أعمل معهم، والذين كانت لديهم قدرات عالية وأيضًا خبرة جيدة بملف العراق، وبين المفتشين عن الأسلحة الكيمائية والبيولوجية الذين كان «بليكس» يرأسهم فى «الأنموفيك» والذين كانوا يتمتعون بكفاءة فنية عالية، ولكن لم تكن لديهم الخبرات المتراكمة التى يتمتع بها مفتشو الوكالة، بل إن كبير معاونى «بليكس» الفنيين كان «ديمتريوس بريكوس»، الذى عمل طويلًا فى الوكالة وكان يتمتع بثقة «بليكس»، ولكن مجال تخصصه وخبرته الطويلة كان الأسلحة النووية لا الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية. أما مفتشو الوكالة، ولأنهم كانوا ذاهبين إلى بلد يعرفونه وأشخاص يألفونهم، فإنهم كانوا أكثر ثقة بأنفسهم وبتقديراتهم.
كما كان لدى «بليكس» الكثير من الهواجس إزاء التعامل مع العراق جراء تجربته معهم فى التسعينيات وخداعهم له عندما كان يرأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبالتالى فعندما طلب العراقيون عقد جلسات عمل فنية مع «الأنموفيك» والوكالة قبيل استئناف التفتيش فى 2002 رفض «بليكس» ذلك بشدة على أساس أنه كان يعتقد أن هذه الجلسات وراءها أسباب مراوغة فى ما يتعلق بالقضايا والملفات التى ستكون محل عمل فرق التفتيش، وأصر أنه لا نقاش قبل أن يصل مفتشوه فعليًّا إلى العراق.
وبينما امتنع «بليكس» عن عقد تلك اللقاءات عقدت الوكالة لقاءاتها مع العراقيين، وكانت هذه الجلسات مفيدة للغاية فى تيسير العمل فى ما بعد. ولكن «بليكس» لم يستمع إلى ما قلته من أنه يمكن أن يذهب إلى هذه اللقاءات ويقيم فائدتها دون أن يخشى أى مراوغة من الجانب العراقى، لأنه فى النهاية القرار هو قراره كرئيس للأنموفيك.
وقد اتهمنى بليكس إحدى المرات بمحاباة الجانب العراقى، وذلك خلال لقاء جمعنى وإياه و«كوفى أنان» الأمين العام للأمم المتحدة فى أحد فنادق فيينا قبيل البدء فى عمليات التفتيش، عندما كررت وجهة نظرى بفائدة عقد لقاءات فنية مع العراقيين حتى قبل بدء التفتيش. وقد استوجب اتهام بليكس لى تدخل «أنان» الذى قال لـ«بليكس» إن اتهاماته لى هى اتهامات «غير عادلة»، وقال له: «لماذا نعقد إذن هذه الاجتماعات مع العراقيين إذا لم تكن تريد أن تناقش معهم ما تبقى من قضايا نزع السلاح؟»، ولكن «بليكس» بقى على رفضه.
والحقيقة أن مهمة «بليكس» و«الأنموفيك» لم تكن سهلة لأن العراقيين، وعكس ما كانت تدعيه بعض أجهزة المخابرات، لم يحتفظوا بالسجلات الخاصة بما تم تدميره من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية فى التسعينيات بعد حرب الخليج الأولى.
وقد تعرض «بليكس» لانتقادات شديدة من العراق جراء ما قاله فى أحد تقاريره لمجلس الأمن من أن العراق «لم يتخذ حتى الآن قرارًا استراتيجيًّا حول نزع التسلح»، وهو الأمر الذى أساءت استغلاله الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لتدفع فى اتجاه الحرب. ولم أكن قد رأيت مسودة هذا التقرير لأننا فى هذه المرة لم نلتزم بما اعتدنا عليه من تبادل مسودات التقارير التى نعرضها على مجلس الأمن. وأعتقد أننى كنت أفهم سبب عبارة «بليكس»، ذلك أن إحدى المكاتبات العراقية وصفت عمليات التفتيش بأنها «ما يسمى بقضايا نزع السلاح». ولقد قرأ «بليكس» هذه العبارة على أنها دليل على العجرفة وعدم الجدية من قِبل العراق، ولم يلتفت أحد إلى ما قاله «بليكس» فى نفس التقرير من أنه ليس لديه دليل على أن العراق لا يزال يمتلك أسلحة الدمار الشامل، ومن سخرية القدر أنه ثبت بعد ذلك أنه لم تكن هناك حينئذ قضايا نزع سلاح فى العراق.
ولقد برر «بليكس» رفضه للمشاركة فى طلبى من مجلس الأمن إعطائى مزيدًا من الوقت بأن هذا الطلب يمكن أن يفسر على أنه التزام بالتوصل إلى نتائج محددة فى توقيت محدد، وهو الأمر الذى لم يكن واثقًا من إمكان قيام «الأنموفيك» بتحقيقه، ولكنه قال لى إنه لو سُئل إذا ما كان يحتاج إلى المزيد من الوقت فإنه سيجيب بنعم.
وفى السادس عشر من مارس، قبل أربعة أيام من وقوع الحرب، استضاف رئيس الوزراء البرتغالى «خوزيه مانويل باروسو»، الرئيس الأمريكى «بوش» ورئيس الوزراء البريطانى «بلير» ونظيره الإسبانى «خوزيه ماريا آزنار» فى لقاء جمعهم فى جزر الآزوروس. وبحسب ما علمت عن هذا الاجتماع فإنه شهد مطالبة بريطانيا وإسبانيا إتاحة المزيد من الوقت للعمل الدبلوماسى، ولكن بوش لم يكن يود أن ينتظر وأصر على أن أسلوب التعامل والذى سيتقرر بمقتضاه مصير العراق لا بد أن يتحدد فى اليوم ذاته.
وفى اليوم ذاته، كان «تشينى» قد اتهمنى على الهواء فى برنامج «واجه الصحافة» بأننى «مخطئ» فى تقديرى أن العراق لم يُعِدْ بناء برامج التسلح النووى، مضيفًا أن الولايات المتحدة الأمريكية مقتنعة بأن صدام حسين لديه برنامج للتسلح النووى. وأضاف نائب الرئيس الأمريكى فى نفس البرنامج الادعاء بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لديها تاريخ من الإخفاق فى تقدير القدرات النووية، خصوصا ما يتعلق بالعراق. وعندئذ تذكرت تحذير تشينى لبليكس ولى قبل بدء عمليات التفتيش بأن واشنطن قد تلجأ إلى النيل من مصداقية عمليات التفتيش.
ولم يكن بوسعى فى ذلك الوقت، كما أنه ليس بوسعى الآن، أن أتصور طبيعة المعلومات التى كانت متاحة لدى «تشينى» عن التسلح العراقى، ولكن «تشينى» كان يعلم على وجه اليقين الأسباب التى تقتضى إضفاء المزيد من المصداقية على نتائج عمل الوكالة بشأن العراق فى 2003 بالمقارنة بما كانت قد توصلت إليه فى 1991. كان يعلم، كما كان الجميع يعلمون، أنه فى التسعينيات لم يسمح لنا بالتفتيش إلا على ما أبلغتنا به حكومة صدام حسين. ولم يكن لدينا صلاحية السفر إلى أى مكان آخر داخل العراق أو البحث عن منشآت سرية أو تتبع أى معاملات غير قانونية فى المواد النووية. ومن المؤكد أنه كان يدرك تمامًا أن الزمن قد دار دورته. فمنذ ذلك الحين كانت الوكالة قد تنقلت فى البلاد طولًا وعرضًا، وتوفر لها من الصلاحيات ما يسمح لها بالذهاب إلى أى مكان فى أى وقت وباستجواب كل العلماء النوويين فيها. لقد أتلفنا المعدات وصادرنا السجلات، ووضعنا أختام الوكالة على ما تبقى من المواد النووية، وهدمنا منشآت إنتاج السلاح النووى فى منطقة الأثير. لذا فإن مقارنة نتائج 2003 بنتائج 1991 كان تشويهًا متعمدًا للحقائق، ولكن الأمر كان فى ما يبدو قد تقرر فى اتجاه غزو العراق.
وفى الواحدة من صباح السابع عشر من مارس بتوقيت فيينا تلقيت اتصالًا من «كين بريل» سفير واشنطن لدى الوكالة، يخبرنى بأن حكومته تنصح بسحب المفتشين من بغداد، وأنها رأت أن تخبرنا مبكرًا بذلك حتى نتمكن من حمايتهم. وعلى الفور اتصلت بـ«بليكس» الذى كان قد تلقى مكالمة مماثلة. واتصلت أيضًا بـ«كوفى أنان» الذى كان قد حاول كثيرًا أن يجعل المنطق الدبلوماسى يسود وأن يحول دون استخدام بعض الدول لمجلس الأمن بأى صورة لتحقيق أغراضها الخاصة، وهو ما دفعه قبل ذلك بشهر ليعلن أن القرار فى ما يخص العراق «ليس قرار أية دولة بعينها ولكنه قرار المجتمع الدولى بأكمله». كما قال إنه عندما يتعلق الأمر باستخدام القوة من أجل ما يفترض أنه حماية للأمن والسلم الدوليين فإن الوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك بصورة قانونية هى أن يتم عبر مجلس الأمن.
وكان «أنان» قد تعرض لنقد شديد فى 1998، حيث وصفه البعض حينئذ بأنه ساذج، عندما قال بعد إقناع صدام حسين فتح عدد من القصور الرئاسية أمام المفتشين إنه عندما يسأل إذا كان يمكنه الوثوق فى صدام حسين فإن إجابته هى: «أظن أننى أستطيع أن أصل إلى اتفاقات محددة من خلال التفاهم معه، وأنا لا أشعر بنفس التشاؤم الذى يشعر به البعض فى هذا الشأن».
كنت أتمنى أن يتكلم «أنان» بأسلوب أكثر قوة وصراحة فى موضوع العراق فى ذلك الوقت، لا سيما بعد الاتهامات التى وجهها «بوش» فى نوفمبر بأن الأمم المتحدة ليس لديها العزيمة اللازمة، وأنها ستصبح غير ذات جدوى.
كان لدىّ تقدير كبير لما يقوم به «أنان» من محاولة تفعيل دور الأمم المتحدة، لمعالجة الكثير من القضايا الهامة مثل الفقر والأمراض الوبائية وغيرها، ومحاولة دفع المجتمع المدنى للمشاركة فى التصدى لهذه التحديات، وعلى الرغم من أنه لم تكن لـ«أنان» صلاحيات مباشرة بشأن عمليات التفتيش إلا أنه كان سيعبر عن رأى الغالبية العظمى من الناس لو كان صوته أعلى فى الدفاع عن المبادئ التى يقوم عليها ميثاق الأمم المتحدة، غير أنه كان منشغلًا فى ذلك الوقت بمسألة توحيد قبرص